امتلكت الباحثة الدكتورة "نجلاء الخضراء" نفساً بحثياً أكاديمياً استند بالدرجة الأولى إلى المستندات العلمية والتاريخية، ووظّفته في خدمة التراث الفلسطيني المادي وغير المادي لتكون واحدة من أبرز الباحثين المتميزين بالشأن الفلسطيني.
من القدس إلى دمشق
من دمشق كانت انطلاقتها واختيارها دراسة الآثار والتراث الشعبي، حيث تقول الباحثة: «اخترت دراسة الآثار للتوفيق بين دراستي وعائلتي، خصوصاً وأن هذا الاختصاص لايتطلب دواماً كاملاً، وبجدية اجتزت المرحلة الجامعية بيسر وانتقلت لدراسة الماجستير في التراث الشعبي، وكلاهما يتميز بشمولية علمية وأدبية فهما يرتبطان بالدين، اللغة، الهندسة، الطب، الصيدلة، التاريخ والجغرافيا، والسياسة والقانون وعلم الاجتماع والفنون كالرسم والنحت والغناء والرقصات والمسرح وحتى السينما، كما يدخلان في أنواع الآداب كالقصة والرواية، الأساطير، النكات، الشعر والحرف اليدوية على اختلافها، لهذا أشارك بالمجالات الثقافية المتنوعة كمجالس الشعر والقصة والبحوث العلمية وحتى الجلسات السياسية».
أسستها منذ عامين تقريباً قدمنا خلالها عدة أنشطة كالمحاضرات والمعارض المختلفة عن "فلسطين" و"سورية"، ومن خلال المعارض شكّلت مجموعة رائعة من الحرفيين، وعرضنا العديد من المنتجات التراثية من خلال مجموعة أطلقنا عليها اسم "إبداعات من التراث"، وأحضر حالياً لإنشاء فرقة موسيقية للأغاني التراثية إضافة إلى الدورات التدريبية لتطوير الحرف اليدوية وإحياء التراث
وحول اهتمامها بتراث بلاد الشام تقول: «كنا نتقدم بالأبحاث باختيارنا لنموذج أو منطقة معينة من دون شروط وكنت أحب البحث في تراث بلاد الشام وخاصةً مدينة "دمشق" التي احتلت مكانة خاصة في قلبي، كما كنت أبحث في تراث وطني الأم "فلسطين"، وبعد التخرج تفرغت للبحث في تراث المدن الفلسطينية، وبدأت من مدينة "القدس" حتى نشرت كتابي الأول بعنوان "سحر القدس بين الحروب والأسفار" من دون أن أنتهي من البحث في تراث تلك المدينة الأسطورة».
التراث الشعبي
وفيما يتعلق بتأسيسها جمعية "التراث الشعبي" تقول: «أسستها منذ عامين تقريباً قدمنا خلالها عدة أنشطة كالمحاضرات والمعارض المختلفة عن "فلسطين" و"سورية"، ومن خلال المعارض شكّلت مجموعة رائعة من الحرفيين، وعرضنا العديد من المنتجات التراثية من خلال مجموعة أطلقنا عليها اسم "إبداعات من التراث"، وأحضر حالياً لإنشاء فرقة موسيقية للأغاني التراثية إضافة إلى الدورات التدريبية لتطوير الحرف اليدوية وإحياء التراث».
وترى الباحثة "الخضراء" أن التراثين السوري والفلسطيني كلاهما تراث عربي واحد لا ينفصلان، فكل بقعة من بقع "فلسطين" و"سورية" لها خصوصيتها التي تعطي التراث غنى وقوة ووفرة تاريخية واجتماعية، وأصول مشتركة ووحدة تجعل من هذا التراث قلعة متينة وجدار منيع يعمل على حماية الخصوصيات والعناصر المكونة له.
أبحاث ومؤلفات
وعن مؤلفاها تقول "الخضراء": «تحدثت في كتابي الأول "سحر القدس بين الحروب والأسفار" عن تلك المدينة المقدسة وأهم معالمها الدينية والحضارات التي أسستها وبنتها، وتلك التي هاجرت إليها وسكنتها بسلام، وعن الأقوام التي دخلت إليها عن طريق الحروب لنستخلص أن تلك الأرض عربية بامتياز، ثم تحدثت عن الرحالة الذين جابوا البلاد ووصلوا إلى القدس وكيف تحدثوا عنها، وعن مدى إعجابهم بها وبميزاتها التي وصفوها بتفصيل الأرقام والقياسات وبتحديد التضاريس والحديث عن البنيان والطرق والشوارع وعن سكانها وسجاياهم وأخلاقهم، كما تحدثت عن "القدس" في عيون أصحابها الذين تغنوا بها وكانت بنظرهم أجمل المدن والبلاد خلال فترات زمنية متفاوتة ومراحل مختلفة، ما يجعل القارئ يتفهم ويعي التغيرات التي مرت عليها عبر التاريخ ومراحل تغيرها وتطور بنائها، كما تناولت المستشرقين وكيف تحدثوا عنها وماهي أهدافهم من الحديث عنها ومصداقيتهم بوصفها».
وعن الكتاب الثاني بعنوان "مسارح الدمى التراثية" تذكر الباحثة أنها قدمت من خلاله دراسة علمية منهجية لمسارح الدمى، عناصرها وأنواعها، مميزاتها وخصائصها، وكيفية الاستفادة من هذا العنصر التراثي في التربية، وأهميته والفوائد التي يقدمها للأجيال الجديدة، وكيف يمكن الاستفادة منه في تربية الطفل والعبور به إلى مستقبل أفضل لأنه مبني على أسس تراثية متينة بعيداً عن الاغتراب الاجتماعي، ومناسباً للتطور التكنولوجي ومسايراً له بل دافعاً لتطويره.
أبحاث عديدة قدمتها "الخضراء" وهي متنوعة بتنوع مجالات التراث، فقد كتبت عن الطب الشعبي، أبواب دمشق وعن العمارة الطينية، الورود، العطور الدمشقية، الغزو الثقافي والتطبيع وعن النجمة السداسية والشمعدان، وكتبت عن تراث عدة مدن فلسطينية، وحالياً تبحث في تراث "غزة" الصامدة، حيث نشرت أبحاثها ومقالاتها في عدد من المجلات الورقية والمواقع على الشابكة الإلكترونية والصحف المحلية والعربية، ولها زاوية في مجلات "الطلائع" و"طريق القدس" و"صوت فلسطين".
حماية التراث
بدوره "محمد فياض الفياض" باحث في التراث الشعبي، والذي التقى "الخضراء" أثناء تدريسه في ماجستير التأهيل والتخصص في التُّراثِ الشَّعبيِّ يقول: «وجدتُ في شخصيتها حالة استثنائية تتمحور حول شغفِ العلمِ والتبحر في مفرداتِ التُّراثِ الثقافيِّ العربيِّ بوجهٍ عامٍ والتُّراثِ الفلسطيني بوجهِ خاص، شكلت دراستها الماجستير محطة مُهمة جمعتنا معاً كمدرسين وطالبي علمٍ، همنا الوحيد هو إيجاد آلية مُثلى بغية صون تُراثنا وجمعه وتدوينه ونشرهُ بطريقةٍ أكاديمية مدروسةٍ، كنتُ أرى في عينيها الحماس الشديد للعلمِ، وغيرة استثنائية لجمع التُّراثِ الفلسطيني ونشرهِ نتيجة الظروف الصعبة التي يمر بها التُّراث الفلسطيني من تهويدٍ وتشويهٍ، هي رضعت منذ نعومة أظفارها حب الأرض والتمسك بالهويةِ الفلسطينية، فحملت راية الدِّفاعِ عن هذا التُّراثِ بهمةٍ عاليةٍ سلاحها العلم والثَّقافةِ في مُحاربةِ الفكرِ الهدام الذي ينهجهُ الاحتلال الإسرائيلي الغاشم».
وتشكل مؤلفاتها برأي الباحث "محمد فياض الفياض" دراسات مهمة أغنت ورفدت المكتبة العربية بروحِ وعمقِ العلوم المعرفية، وقد شكلت هذهِ الأبحاث والدراسات مجتمعة بوتقة التنوع الثقافي، حيث تعد "الخضراء" برأيه من أهم الباحثين في مجال التُّراث الشعبيِّ ليس على المستوى الفلسطيني فحسب بل على المستوى العربيِ، تمكنت خلال فترة زمنية قصيرة نشر دراسات مهمة تشكل نفسًا أنثويًا جديرًا بالتقدير والاحترام وتتصف بالموضوعية والصدق والشفافية.
أما فيما يتعلقُ بتأسيسها جمعية التُّراث الفلسطيني يقول "الفياض": «أرى في هذه الخطوة الرائدة الجريئة المدروسة نقطة تحول مهمة في تاريخ التُّراث الفلسطيني، وربط هذا التُّراث الفلسطيني بأهلهِ ومجتمعهُ ومحيطهُ العربيِّ، وهذا النشاط الذي تتمتعُ به الباحثة والذي ترفعُ لهُ القبعة حقيقة، سيشكل بمفرداتهِ المتعددة أيقونة العطر السرمدية التي ستمكن الشعب الفلسطيني من ربط قضيته التراثية الثقافية بقضيته السياسية حتى يتم استعادة حقوقه كاملة غير منقوصة».
توثيق بالكتابة
من جهته د. "عبد الله الشاهر" الذي أشرف على بحثها في الدكتوراه يقول: «أعرفها منذ عام 2015 كانت إحدى الطالبات التي درستها واختصت بالتراث الفلسطيني، وعملت بجدية في هذا المجال وكانت طالبة نجيبة ومتمكنة من خطوات البحث ومتفهمة للمادة البحثية ولديها معرفة واسعة بالتراث الفلسطيني المادي واللامادي، أقدر لها المتابعة الحثيثة لكل التراث الفلسطيني وتركيزها على إظهار الزي الفلسطيني بشكل كامل وعلى المنمنمات الفلسطينية وعلى الأثريات التي دحضت فيها الرأي الصهيوني الذي يقول أنها تعود إلى بني إسرائيل، وأثبتت بالوثائق أن نجمة داوود كنعانية الأصل فلسطينية الانتماء، وأظهرت ذلك في بحث كامل عن هذا الموضوع، وفي كتابها عن القدس عرض تاريخي متميز حول هذه المدينة تاريخياً في بنيانها وسكانها وبالوثائق العربية والأجنبية التي اعتمدت عليها ونلاحظ في كتاباتها اعتمادها البحث العلمي بشكل واسع وكبير، وهي تؤسس للتوثيق عن طريق كتاباتها، هذه الرؤية التي تمتلكها جعلت منها باحثة بامتياز عن التراث الفلسطيني».
البحث نظرياً وعملياً
ويتابع "الشاهر" بالقول: «حاولت "الخضراء" أن تؤسس على ما امتلكته من دراسات جملة من الفعاليات والأنشطة الثقافية والفكرية، وعدد من المعارض التي أظهرت طريقة اللباس والأواني والحلي الفلسطينية، وهي باحثة نظرياً وعملياً تتابع كل هذه الأفكار من خلال مشاركتها في معارض عدة، هي من أبرز الباحثين بالشأن الفلسطيني لأنها وثقت بشكل دقيق التاريخ الاجتماعي للشعب الفلسطيني، كتبت في التراث اللامادي بشكل واسع عن الأغاني الفلسطينية وحفلات الأعراس الفلسطينية وطرق الحياة الاجتماعية وحددت مواقعها على الخارطة الفلسطينية، لذلك نقول أنها تبرز كباحثة لها فعلها البحثي المؤسس على علمية الفكر والذي استند على مدلولات اجتماعية وسياسية واستطاعت توظيفها بشكل دقيق مما جعلها من الباحثين المتميزين بالشأن الفلسطيني».
نشير إلى أن الباحثة د. "نجلاء الخضراء" فلسطينية سورية من مواليد "المدينة المنورة" عام 1974، حاصلة على إجازة في الآثار عام 2011 وعلى شهادة الماجستير بالتراث الشعبي عام 2018 وعلى شهادة الدكتوراة في التراث الشعبي من الجامعة المصرية الأميركية عام 2021 وهي عضو النادي العربي ومستشار في ملتقى الإبداع الثقافي.