إلى الشمال من مدينة "سلمية" وعلى بعد 30 كيلو متراً منها، تقع قرية "حلبان" التي يعود تاريخها إلى قرون مضت ويدلل على ذلك آثار كنيسة من العصر الروماني، وقد سكنها الناس في العصر الحديث منذ عام 1900، ويعتمد السكان في معيشتهم على الزراعة وتربية الحيوانات كما تميزت بمستوى تعليم عالٍ.
حياة قرية
تعود تسمية القرية بهذا الاسم حسب الرواية المتداولة، نسبة لنبات يدعى حلبية ينمو فيها بكثرة ويفرز مادة تشبه الحليب، ولهذا سُميت قرية "حلبان".
يعتمد السكان البالغ عددهم 1200 نسمة على الزراعة وتربية الأغنام والأبقار والدواجن، ويزرعون الزيتون والفستق الحلبي والكرمة واللوزيات، ومواسم القمح والشعير والعدس والكمون والحمص.
يتحدث "هاشم العلي"، 1963، مدير مدرسة في "حلبان"، عن تاريخ القرية وأبرز مميزاتها: "القرية القديمة رومانية واعتبرت منطقة أثرية يمنع البناء فيها، والآثار الموجودة فيها تعود لكنيسة تبقى منها أعمدة مهدمة، وهي مأهولة بالسكان منذ عام 1900 للميلاد، تبعد عن "سلمية" شمالاً 30 كيلو متراً، ومثلها عن "حماة" شرقاً والمصدر الرئيسي لمياه الشرب آبار سطحية وآبار زراعية، أما التعليم ففي القرية مدرسة حلقة أولى تأسست عام 1956 وحلقة ثانية، ونسبة التعليم جيدة جداً والقرية خالية من الأمية، فالكادر التعليمي من القرية والحلقة الثانية من "سلمية"، وفيها عدد لابأس به من المهندسين والصيادلة والأطباء والمحامين والضباط والمعلمين". ويضيف: "نالت المرأة حظها من التعليم فمنهن المهندسات والمحاميات والصيدلانيات والمعلمات، وغير الموظفة تعمل في الزراعة وبعض المشاريع الصغيرة، أما التبادل التجاري للقرية والتسوق فمن مدينة "سلمية" ومدينة "حماة"، وتنال الرعاية الصحية من خلال مستوصف "الشيخ علي كاسون" وتحتاج القرية لمشروع مياه شرب وصرف صحي".
من الذاكرة
بدوره يتحدث "ياسين العيسى أبو محمد"، 1940، أحد المعمرين من قرية "حلبان" عن ذكرياته ويقول:"منذ كنت صغيراً كانت القرية ملكاً لأحد الإقطاعيين، وكان الناس يعملون لديه بحصة الربع أو بقوت يومهم، وكان يعين مراقباً على الفلاحين وآخر لحراسة الموسم يدعى (الوقاف)، ومن لا يأتمر بكلام البيك كان يطرد خارج القرية، حتى أتى الإصلاح الزراعي ووزعت الأراضي على الفلاحين، وبنيت المدارس والبيوت الإسمنتية، وعبدت الطرقات وأنارت الكهرباء القرية، وأتت الآلات الزراعية لتساعد الفلاحين في أعمالهم ".
ويتذكر "أحمد سليم"، 1945، من قرية "حلبان" أيام طفولته قائلاً: " كنا نسكن في بيوت حجرية ترتكز على عمود أسطواني وعلى السطح يفرش عليه التراب المجبول بالتبن الناعم ويدلك بحجر أسطوانية الشكل (معرجينا)، حتى لا يتسرب الماء شتاءً، ونحرث الأرض بالصمد تجره البغال نبذرها يدوياً (بالزاروعة)، حيث توضع على الكتف وننثر القمح في الأرض، يستمر العمل شهرين من الصباح وحتى المغرب، كانت النساء يذهبن منذ الصباح لجلب المياه من البئر الوحيد في القرية، وكان هناك سقّا يقوم بإخراج الماء بواسطة حصان وحبل يوضع على بكرة وحبل مربوط بدلو، كانت النساء يحملن المياه على رؤوسهن بالسطل، ويقمن بتنظيف البيوت وصنع الخبز على التنور مع إعداد الطعام، أما سهرة الرجال فكانت عند المختار في بيته الكبير (المنزول) على ضوء الفانوس، وتصنع النساء أطباق القش ليلاً من سيقان القمح وعلى ضوء السراج يوضع طعام العشاء، وكن يصنعن الحصر من البردة والبسط من القماش القديم والبعض منهن يعملن في تطريز اللوحات، وهن يتبادلن الأحاديث والحكايات".
طقوس وعادات
وعن العادات الاجتماعية والزي الذي كان سائداً في القرية يشير الباحث التاريخي "أمين قداحة" إلى أن الشيخ كان يعلم القرآن للناس ويلبس كلابية وكوفية وعقال، والمرأة تلبس ثوباً طويلاً وسروالاً مكشكشاً وكطابية سوداء ومحرمة مزركشة، وفي الأعراس كانت الأفراح تتواصل على مدار ثلاثة أيام متتالية، وكانت العروس تبقى في ضيافة المختار بلباسها المقصب وعليها عباءة ثم تزف من بيت المختار ترافقها النسوة بالأهازيج والزغاريد والشوباش (النقوط)، أما جهاز العروس فقد كان عبارة عن صندوق خشبي وبعض الثياب ومصاغ ذهبي، وكانت المرأة تشارك الرجل في الأعمال الزراعية كالحصاد اليدوي، ويتم نقل المواسم إلى البيدر بواسطة الحيوانات ويتم درسه بالنورجة (الحيلين)، ثم يمضون الليالي لفصل الحب عن التبن وعلى ضور القمر يرددون الأغاني والأهازيج، هكذا كانت حياتنا بسيطة ومتعبة وجميلة بنفس الوقت".
برج الناسك
ويتابع "أمين قداحة" حديثه عن "حلبان" الأثرية قائلاُ: " كان فيها برج لناسك، وقد وجدت فيها كتابات سريانية وأخرى يونانية مسيحية، حوالي 12 نقشاً على سواكف وعلى قطع حجرية، منها قطعة ساكف حجري مؤرخ في حزيران سنة 362، وأخرى سنة 543، وساكف برج يبلغ (5,75× 6,60)متر من آذار سنة 541 مرفقة مع كتابات وصليب، كذلك هناك كتابة تؤرخ إلى سنة (854 س ، 543م) وتعريبها (في سنة 854..صنع "يوحنا"