لم يمنعها الحريق الذي أصابها منذ كانت طفلة من تحقيق طموحاتها والحد من قدراتها، ورغم
آلام الوجع والألم الذي كاد ينال من جسدها، فقد صمدت الشابة "آلاء حسين" وتسلّحت بالصبر، وانتصرت على كل ذلك بإرادتها، حتّى أصبحت نموذجاً يحتذى بالاجتهاد والعمل بل التميز أيضاً.
"آلاء" مثال للطيبة والإصرار والنجاح، وهي لا تبخل بمد يد العون والمساعدة لمن يحتاجها وكل من يعرفها يؤكد ذلك
ذكريات مؤلمة
لم تهنأ "آلاء" بفترة الطفولة كباقي أقرانها، كانت حسب قولها، فترة مثقلة بالهموم والأحزان، ورغم أنها استمرت طويلاً إلا أنها كانت محفزة على الجد والاجتهاد والدراسة، ما جعلها تتخطى كل الصعاب وصولاً إلى ميدان العمل حيث أصبحت موظفة مثالية في في إحدى المؤسسات الرسميّة.
تنظر الشابة إلى الحياة نظرة تفاؤل وإيجابيّة، وفي حديثها لمدونة وطن تتحدث عن تفاصيل تجربتها مع الألم وتقول: «كان عمري ثلاث سنوات ونصف عندما تعرضت لحريق عبر مادة الأسيد عن طريق الخطأ في منزلي، عشتُ سنين طويلة بالوجع والألم والتعب النفسي، حتّى وصلت لسن السابعة عشرة، حينها قرر الأطباء المباشرة بإجراء العمليات الجراحية.. لم يكتفِ الأطباء بعمليات محدودة، بل تجاوزت العشرات، متنقلة بين مدن "دمشق، وحلب" في سبيل ذلك، وذهبتُ إلى "لبنان" أيضاً لاتمام إجراء العلاج ، لكن مع وصولي وبعد الفحص تبين بأن التكلفة باهظة، بالمجمل فقد خضعت لأكثر من 30 عمليّة جراحيّة، وخلال زياراتي للأطباء، كانت المعاناة النفسية أكبر من المادية والجسدية، أغلبهم كان يخبرني بأن العمل الجراحي السابق والذي أجراه الطبيب السابق، بحاجة لتعديلات، كان الأمر مرهقاً نفسياً ومادياً، لكنني كنتُ مضطرة على ذلك».
موظفة مثالية
مع مرور الزمن، تسلحت الشابة بإرادة عظيمة، وواجهت تلك الآلام والصعوبات بالثقة بالنفس وبالعزيمة، فبعد هذا العدد من العمليات والكم الهائل من المصاريف، انتقلت إلى مرحلة مهمّة جداً في حياتها.
تلك المرحلة تقول عنها "آلاء": «كان عليّ اتّخاذ قرارات مهمّة في حياتي، أبرزها المضي في نيل العلم والشهادات، كي أكون عوناً لأسرتي، ومساعدتهم، نلت شهادة التعليم الأساسي، وتابعت الدراسة الثانوية بنيل الشهادة أيضاً، طبعاً بعد نيل شهادة التعليم الأساسي توظفتُ في مؤسسة حكومية بالفئة الخامسة، ومع نيل الثانوية قمتُ بتعديلها، وأكثر من ذلك فقد تابعتُ الدراسة الجامعيّة، في كلية الحقوق تحديداً، وبالإصرار والتحدي، تخرجتُ منها بأربع سنوات دراسيّة، وقمتُ بتعديل شهادتي لأصبح موظفة من الفئة الأولى في وزارة التعليم العالي، واعتبر أن الالتزام بمعايير الموظفة المثالية هي عنواني في العمل، إلى جانب مساعدة من يعاني نفسياً من هذه المصائب والتحديات والأوجاع، فقد أصبحتُ عوناً لكل من تحتاج العون».
"آلاء" كانت تعالج نفسها من آلام الحريق بالتزامن مع متابعة دراستها، وفي الوقت نفسه كانت تشتري أدوية والديها الكبيرين في السن، تستمر في ذلك العطاء، رغم حاجتها حتّى تاريخه لعمليات أخرى لكنها توقفت، فهي تجد أن دواء الوالدين وتأمين ما يلزم لحياتهما أفضل من علاجها.
وتضيف: «بدأتُ أجهز لرسالة الماجستير، لأن طموح العلم لا حدود له بالنسبة لي، إضافة إلى أنني وضعتُ آثار الحريق جانباً، فهي لم تعد تشكل عبئاًبالنسبة لي».
نموذج يحتذى
بدورها تعرب والدة "آلاء" السيدة "فاطمة حمود" عن شعورها بالفخر أثناء حديثها عن ابنتها واصفة إياها بالنعمة من الله، وتضيف: "لقد تجاوزت ابنتي صعوبات كثيرة خلال حياتها، فهي بالرغم من الظروف القاسية لم تيأس وواصلت رحلة علاجها ومسيرتها التعليمية، كما كانت وماتزال سنداً لنا في تدبير أمورنا المعيشية والعلاجية».
وتختتم السيدة حديثها بالقول: «"آلاء" مثال للطيبة والإصرار والنجاح، وهي لا تبخل بمد يد العون والمساعدة لمن يحتاجها وكل من يعرفها يؤكد ذلك».
بدورها التربوية "إيمان الحوراني" تشرح كيف أصبحت "آلاء" نموذجاً في إرادتها وصمودها وحكمها وحلمها، تعطي من قوتها لباقي الفتيات، ومن يجالسها لا يشعر بكم الوجع بداخلها، بل تمنحه القوة والصلابة.
وتتابع حديثها: «كثيرة هي المرات التي أجالسها وجالستها، هي شابة عظيمة بكل التفاصيل، تروي قصتها المؤثرة، بالأمل وليس بالألم، لتعطي كل من حولها جرعة تفاؤل، فضلت والديها ودراستها على إتمام علاجها، هي إنسانة رائعة وأتمنى أن تستطيع متابعة مشوارها الدراسي حتى نيل شهادتي الماجستير والدكتوراه».
"آلاء حسين" من مواليد "ريف دمشق" 1984.