تميزت قرية "جرابا" في الجولان السوري المحتل بطبيعتها الساحرة وكثرة غدرانها وينابيعها، وقربها من "وادي حواء" الذي يتحد مع الأودية الأخرى، ليشكل عدة مسايل وأودية غزيرة الجريان، ورغم مضي أكثر من 46 عاماً على النزوح إلا أن سكانها لم ينسوا قراهم وبلداتهم، فلم تهن لهم عزيمة، وهم ينتظرون اليوم الذي يعودون فيه إلى ديارهم.
جارة الوادي
تعد "جرابا" إحدى القرى المحتلة والمدمرة في الجولان السوري المحتل وتتبع لمركز مدينة القنيطرة، البعيدة عنها حوالي 20 كم باتجاه الجنوب الغربي، وكان عدد سكانها 605 نسمات.
وبحسب ما كتب الباحث "عزالدين سطاس" في إحدى مؤلفاته عن "تاريخ الجولان" فإن القرية تقوم على ظهرة ترتفع 140 متراً، تشرف إطلالتها على وادي حواء شرقاً، وعلى وادي الأردن غرباً، عند الحدود السورية- الفلسطينية، قبل دخول النهر بحيرة طبريا، وقد وجدت فيها بعض المدافن تعود إلى العهد الروماني، إلى جانب أحجار كثيرة النقوش، وبقايا أعمدة، وقواعد تيجان، وأجزاء من أبنية متنوعة.
وعن امتداد "وادي حواء" الذي يجاور "جرابا" يشير الباحث إلى أن الوادي يبدأ من غرب القنيطرة وسفوح تل الندى الغربية وقرية الدلوة على ارتفاع حوالي 900 م فوق سطح البحر، وتتحد معه عدة مسايل وأودية مثل عيون (السمسم ، ونعران، والفاخورة) ، ويتفاوت عمقه من أمتار قليلة حتى مائة متر، وعرضه يصل في بعض المقاطع 500 متر ، ماراً بتل "أبو خنزير"، و"تل يوسف"، كما هو الحال مع (الدلهمية والقادرية وشمال قرية القصرين)، وعندما يلتقي بوادي زويتان يسمى وادي الصفيات ، ومن ثم وادي الصفا، ليتحد مع وادي اليعربية في سهل البطيحة، ويواصل حتى يصب في بحيرة طبريا بين المسعدية جنوبه ، والحاصل شماله.
ذكريات حية
الحاج "عدنان إبراهيم أبو محمد" 1950 يتحدث" لمدونة وطن "عن قريته "جرابا" بالقول: "أتذكر منازل القرية منذ ما يقارب 46 سنة، أي بعد نزوح أهلها منها عام 1967 وكأنها ماثلة أمامي، وأهم شيء كان مقام التابعي الجليل "أويس القرني" المدفون في القرية، ولعل خاصة وجغرافية القرية وتضاريسها ووقوعها بين مرتفعات ومنحدرات "وادي حوا" وهبها جمالاً استثنائياً، فضلاً عن أن القرية قريبة من القرى المحيطة مثل (أم السنابر وابو فولة وعلمين والمجامع العسلية).
المشي إلى هذه القرى كما يقول" أبو محمد" لم يكن يستغرق الكثير من الوقت، فالمسافة بين جرابا وأم السنابر حوالي 7 كيلو مترات ، وهي شمال قرية علمين، أما صير خرفان، فقسم منها كان يتبع لجرابا، وقسم آخر لقرية علمين.
وعن الروابط الاجتماعية يقول الحاج: "المشاركات الاجتماعية والمحبة والألفة وصلة القربى هو ما كان يجمع الأهالي، وكان الجلوس بمنزل المختار سمة سائدة للاجتماعات والسهرات وقضاء الحاجة، أو لحل المشاكل العالقة بفنجان قهوة مرة، لتقضى السهرات والتعاليل على ضوء "اللوكس"، وهو كان مستخدماً لدى جميع أبناء جرابا، والذين يعتمدون على مادة الكاز لتشغيله، وذلك لعدم وجود كهرباء آنذاك، أما الطعام فقد كان من الخضراوات المزروعة ومن لبن الأغنام والبقر وعسل النحل، وكان الطبخ يعد على الحطب وعلى بابور الكاز، ومن الطعام المفضل الخبيزة والعكوب والشومر والسلق سيما أن هذه النباتات كانت تعتمد على مياه نظيفة .
ويتذكر "ابو محمد" خلال حديثه الراديو الخشبي القديم الذي دخل للقرية وكان مصدر فرح وبهجة للناس في ظل عدم وجود شبكة كهرباء بالقرية ، ليكون هذا الراديو مصدر الأخبار لأهلها ، يجمعهم في تلك السهرات، كما هو الحال مع شاشة التلفاز الكبيرة وكان يتم وضعها في الساحة لمشاهدتها.
أما الأعراس كما يقول الحاج "ابو محمد" فإنها كانت تمتد أسابيعاً بلياليها بين الزفة والغناء وحلقات الدبكة المعمورة ، وتمر ليالي التحضير للعرس على صوت الشبابة والمغني الشاب الذي كان يأتي من بلدة "البطيحة" أما نقوط العريس وهو هدية مالية تقدم للعريس، وكان حينها 50 ليرة، فكان يتم في ساحة القرية مكان الحفلات والمناسبات وتجمع الأهالي، وكان ما يميز الساحة قربها من ملعب كرة القدم.
جمال الطبيعة
كانت أغلب المنازل القرية كما يبين "أبو محمد" من الحجر الأزرق، أما الطرقات على امتداد منازل القرية الى "البطيحة" فقد كانت معبدة وهو ما كان يريح العائلات في نقل الحبوب للمطحنة الموجودة هناك، ومنها ما كان ينقل على الدواب عبر طرق ودروب وعرة .
ومن أهم الزراعات بالقرية كانت الحبوب والخضراوات حسب قوله، ومن الحيوانات البرية الغزال، والضبع ، والخنزير، والثعلب، والجاموس في قرية علمين المجاورة، حيث كانت فلاحة الأرض تتم على البقر ، وجزء من السكان استخدم الجرار الزراعي قبل النزوح بعامين.
من جهته يصف "عيسى فارس" 1958 ويقطن في "مساكن برزة"، طبيعة "جرابا" بالساحرة التي تأسر الفؤاد قبل العقل، خاصة بالأشجار والنباتات التي تمتع النفس، وأجمل شيء هو وادي حوا الذي يبعد عن القرية أقل من كيلو متر ، حيث أن هذا الوادي كان رئة القرية والقرى الأخرى كالسنابر وصيرة خرفان وابو فولة والعسلية وصولاً للبطيحة.
ويشير "فارس" الى أن وادي حوا كان يشرب منه الأهالي، وكانت النساء ترد هذا الوادي، ويحملنّ جرار الماء على رؤوسهن قبل تمديد شبكة المياه في عام 1958، ولكن بعد هذا التاريخ تم تمديد شبكة مياه للقرية ، وسمي الوادي بهذا الأسم لكثرة الغدران والينابيع والتي تتجمع الصخور حوله، لتتجمع حوله أشجار التوت والتين والرمان والعنب المشبوكة بنباتات الدفلة والعليق ،حيث في فصل الشتاء يبدو منظر الوادي بقمة جماله، وذلك لغزارة مياهه راسمة شلالات عند بعض المنحدرات.
ويتحدث "فارس" عن المدرسة الابتدائية التي كانت حتى الصف الخامس، ولكن في آخر عامين قبل النزوح أصبح هناك المراحل الدراسية الأخرى ، وأما المعلمون فكانوا يأتون من القرى المجاورة مثل أم السنابر والعسلية غيرها، وجميع هذه القرى يتوزع أبناؤها في ضواحي دمشق وريفها وفي محافظة القنيطرة .
ويؤكد "فارس" أن مرارة النزوح مازالت ماثلة في ذاكرتنا ، لأن الماء الذي شربناه هناك، والهواء الذي تنفسناه، والأرض التي كبرنا فوق ترابها ونمت أجسادنا من خيراتها، هي ذكريات عشنا بدقائق مجرياتها، فقد تركناها جميعاً رغماً عنا ودون إرادتنا في عدوان عام 1967 وسنعود حتماً إلى أرضنا مهما طال الزمن.