ارتبطت الأمثال الشعبية ارتباطاً وثيقاً بالذاكرة الجمعية للمجتمع، وكان لفصول السنة وما يحدث فيها من تغيرات بين البرد والحر، نصيب وافر من حصة هذه الأمثال التي وثقت الكثير من تفاصيل هذه الفصول ومحطاتها.
مخزون الأمثال
الأمثال الشعبية، كما يقول الباحث التراثي "فوزات رزق"، هي حصيلة تجربة وخبرة ينقلها السلف إلى الخلف، وما تلبث أن يتداولها الناس على أنها مقاربات لحالات يتواتر حدوثها في حالات معينة، كأن يقولوا في حالة البرد الشديد: "خبّي حطباتك الكبار لعمك آذار" في الدلالة على أن شهر آذار لا يخلو من البرد الشديد مع أنه أول أشهر الربيع، وبخاصة في الأيام الثلاثة الأولى منه، إذ يجمعونها مع آخر أربعة أيام من شباط ويسمونها "المستقرضات"، ويعنون بذلك أن شهر شباط لم يُفرِغ كل ما في جعبته من ماء السماء، فيقترض من آذار ثلاثة أيام كي تكون خاتمة ما يخزنه من ثلوج وأمطار.
ويضيف "رزق": الناس تروي على لسان شباط مخاطباً آذار في هذه الأيام التي هي أشد أيام السنة برودة قوله:
"آذار يا عيوني
اقرضني ثلاث أيومي
لموت العجوز وبنتها
اللي عيّرون"
في إشارة إلى إطلاق صفة الأعور على شهر شباط لأنه أقل الأشهر أياماً، وبالمقابل يعبّرون عن حالة تحول الطقس في شهر شباط فيقولون: "شباط مهما شبط ولبط ريحة الربيع فيه"، كما يعبرون عن حالة عدم الاستقرار الطقس في شباط بقولهم: "شباط ما على كلامه رباط". وربما وصفوا من لا يلتزم بمواعيده مثل شباط بهذه العبارة.
من تجاربهم
ويشير الباحث إلى مواضع أخرى يرتبط فيها تغير الطقس وفصول السنة بالأمثال الشعبية، ففي وقت اعتدال الطقس في شهر آذار الذي هو أول أشهر الربيع يقولون: "بعشرة آذار بيتساوى الليل والنهار، وبتطلع أم عمار عالدار، - "وأم عمار" هي كناية عن الأفعى التي تخرج من البيات الشتوي بعد اعتدال الطقس - وبيبرطع الجمل، وبيحمضّ الكشك"، حتى إذا جاء نيسان أخذوا ينتظرون المطر بشغف لما لمطر نيسان من أهمية في نمو الزرع، فقولون في ذلك: "المطرة بنيسان بتسوى السكة والفدان" وبهذا المعنى يعبر أهل الجبل عن ذلك دلالة على أهمية المطر في الربيع لنمو الزرع وازدهار المواسم فقولون: "مطر مارس ذهب خالص".
ويتابع "رزق" بالقول: "يزهو القمر في نيسان لدرجة أن الأحبة يشبهون وجوه حبيباتهم ببدر نيسان فيقولون: "وجهها مثل بدر نيسان". وفي ذلك يقول الشاعر "سعيد الحلبي" من قرية ملح مشبّهاً وجه حبيبته ببدر نيسان حيث يقول:
أبو خديدٍ، مثل بدر اللي مضى
من زعلكن ضاق بوجهي الفضا
يا مين يجرّ الصلح ويعملّي رضا
لصير له خدّام عا طول المدى
ومن القصيدة نستدل أن الشاعر نظمها في شهر أيار.
حكم وحكايات
اعتاد أهل المنطقة على تقسيم الشتاء إلى أربعينية الشتاء أي أربعين يوماً، تبدأ من الأسبوع الأخير من كانون الأول وتنتهي في آخر شهر كانون الثاني، وخمسينية الشتاء وهي الخمسون يوماً الأخيرة من فصل الشتاء تبدأ من أول شباط وتنتهي في الأسبوع الثالث من أذار. ويقسمون الخمسينية إلى أربعة أقسام، يسمون كل قسم "سعد" وكل سعد أثنا عشر يوماً ونصف اليوم، وأول السعود هو سعد ذابح الشديد البرد فيقولون: "سعد ذابح ما بخلي ولا كلب نابح" لشدة برودته. يليه سعد بلع.
ويشير الباحث التراثي "سلمان البدعيش" أنهم يطلقون عليه هذا اللقب لأن الأرض تبتلع مياه الأمطار مهما كانت غزارتها، ويليه سعد السعود الذي يعتدل فيه الطقس فيقولون: "بسعد السعود بيدفا كل مبرود"، وآخر السعود هو سعد الخبايا، ويطلقون عليه هذا الاسم لأن الكائنات ذوات الدم البارد التي تبات بياتاً شتوياً تخرج من مخابئها بدءاً من هذا السعد ولذلك قالوا: "سعد الخبايا بتطلع فيه الحيايا."
ويضيف "البدعيش": "يأتي عيد عبود في السادس من أيار وربما صادف الأحد الأول من أيار، وهو آخر الأيام التي يحتمل فيها سقوط الأمطار، وغالباً ما يأتي هذا اليوم من أيار مصحوباً بالغيم والمطر الخفيف، وبعد عيد عبود ينقطع الاحتمال بسقوط المطر إلا مصادفة ولذلك يقولون: "بعد عيد عبود ما ظن الشتا يعود". ولعيد عبود حكاية طريفة تقول: "إن أحد الرعاة واسمه عبّود كان قد خرج بقطيعه أيام فصل الشتاء من الجبال إلى الأماكن الدافئة هرباً من الثلوج والأمطار، وبعد أن مضى فصل الشتاء عاد بقطيعه إلى قريته في الجبال. وصادفت عودته في الأحد الأول من أيار من دون أن يمتثل لنصيحة باقي الرعاة، وأثناء عودته هطل المطر الغزير، وهلك قطيعه فسموا هذا اليوم عيد عبود.