بإرادة وعزيمة واجه الشاب "أمجد العمر" الحياة بعد فقدانه للبصر جراء حادث تعرض له منذ الصغر، فقد أكمل دراسته الثانوية والجامعية رغم الظروف الصعبة التي مر بها، وكونه شخصاً عاشقاً للفن والغناء، تعلم الموسيقا بمساعدة متخصصين بمعهد خاص بعد اتباع العديد من الدورات، ومن خلال تميزه وتفوقه وإدراكه للقواعد الموسيقية بحاستي السمع واللمس، تمكن من تعلم العزف على آلتي البيانو والعود.
مسيرة تحد
تعرض "أمجد العمر" 29 عاماً، وهو من من أبناء الجولان السوري المحتل ويسكن في منطقة "الحجر الأسود"، إلى حادث سير عندما كان في الصف الثالث وذلك عام 2004، تسبب في فقدانه للبصر، وذلك رغم المحاولات الحثيثة لإنقاذ بصره، ما جعله يواجه تحديات الحياة بسن مبكرة.
يقول "أمجد": "لم أسمح لحادث السير أن يقف حائلاً أمام مواصلتي للحياة، وبالتزامن مع دراستي وبتشجيع من الأهل، التحقت بمعهد لتعليم الموسيقا وكان حينها في مخيم اليرموك بدمشق، وبدأت بتعلم العزف على آلة الأورغ ونجحت بذلك، وهو ما مكنني من الفوز على مستوى سورية خلال مسابقة رواد طلائع البعث عام 2006، وبعدها أكملت دراستي لأحصل على الثانوية العامة ودراسة كلية الحقوق كوني أفُضّل العمل بهذا المجال، لكنني تفاجأت بعد التخرج، بعدم السماح لي بالعمل بالمحاماة، والتي تتطلب السلامة الجسدية، رغم أمنيتي بمتابعة الدراسات العليا بها، وكان مسموحاً فقط لفاقدي البصر من مصابي الحرب".
ظل الشاب مصراً على التميز ليجد ضالته في الموسيقا فقد تعلم العزف على العود، وأصبح يتدرب على الغناء يومياً، وذلك خلال مشاركات فردية بالمنزل ومشاركات جماعية كثيرة، كان منها مشاركته في اليوم العالمي للأشخاص ذوي الإعاقة بكلية التربية بدمشق، ومشاركة خاصة في جمعية المكفوفين، وجمعية الشلل الدماغي، ومدرسة منارات الشام الخاصة، والنشاطات المختلفة خلال الحفلات المدرسية المتنوعة.
واليوم كما يقول "أمجد": "أعمل على تطوير موهبتي في التدريب على البيانو والأكورديون، وأتطلع لإتقان العزف على آلتي الناي والكمان، وخاصة أنني أعشق مجال الأغاني كتابة وتلحيناً وتوزيعاً وأعمل بهذا المجال، فهناك أغنية حزينة عن الحادث الذي تعرضت له، تم تسجيلها وكتابتها من الأستاذ "غالب زيدان"، وقمت بغنائها، ولكنها لم تصور بعد وقريباً ستكون جاهزة".
نقطة التحول.!
يشير "أمجد" إلى أن العزف على آلة الأورغ، كانت الانطلاقة نحو عالم الفن، ونقطة التحول في حياته، بعدما فتحت له المجال للمشاركات مع المحيط والأصدقاء، ولتتيح له المباشرة في كتابة الأغاني وتلحينها، مؤكداً أن جمهوره يعتبر متنوعاً وعاشقاً للفن من خلال إقباله على الحفلات الغنائية التي يشارك فيها بشكل متواصل، ما يمده بالحماسة والتفاؤل لمواصلة عمله، وتحقيق المزيد من الشهرة والنجاح.
ويرى الشاب أن الموسيقا تبقى غذاء الروح، وهي التي تفتح المجال واسعأ للتعبير عن احتياجاتنا، وآلامنا أو أفراحنا، فضلاً عن الترويح عن النفس، واستثمار أوقات الفراغ بطرق نبتعد فيها عن الشعور بالحزن والاكتئاب أو التهميش، لافتاً أنه تمكن من تحقيق هدفه بتعلم الموسيقا وصقل مهاراته بعدما كان للأهل دور بارز في النجاح من خلال تشجيعه بالمشاركات الفنية والاستمرار بهذا المجال.
ويؤكد "أمجد" أنه من خلال التواصل الاجتماعي، تمكن من مواكبة صفحات الفيسبوك واليوتيوب، ونشر مشاركاته بعزف العود والأورغ، فكانت سرعة النشر والتواصل، إحدى الوسائل التي فتحت له سبل التعامل والتعاون مع الآخرين، والطريقة التي كان يعبر بها عن كيانه وقدراته، من خلال سماع الأغاني والألحان، واكتساب العديد من الخبرات الحياتية.
وما يتمناه أن يشق طريقه أكثر بالوسط الفني، ويجد من الأغاني والكلمات التي يكتبها باباً للاهتمام والتوسع بالعمل، مشيراً الى أن الاعاقة لا تقف حاجزاً أمام تحقيق طموح وأهداف الإنسان، طالما يمتلك سلاح الإرادة والعزيمة.
فنان متكامل
الإعلامي "حسن فخور" خلال لقائه مع الشاب "أمجد" وإحاطته بالتفاصيل عبر إجراء فيديو حواري معه، اعتبر أن الشاب تفوق على ظروفه بتعدد المواهب وكتابة الأغاني وتلحينها وغنائها ، لافتاً إلى أنه يقوم بأداء عمله كأنه فرقة فنية كاملة، كعزف العود والأورغ وتسجيلها بأدوات بسيطة في بيته وبثها عبر صفحاته على الفيس بوك واليوتيوب.. ولعل ما يحتاجه هذا الشاب، هو الفرصة ليثبت للعالم أنه فنان متكامل في زمن كثر فيه المتسلقون.
المدرب الأكاديمي في الموسيقا "محمد المغربي" يبين أن "أمجد" كان من تلامذته في المركز التدريبي، حيث بدا مختلفاً عن أقرانه وزملائه من سرعة بديهته وذكائه وتعلمه لألتي الأورغ والعود معاً، وبعد اتباع الدورات والدروس الخاصة في مجال الموسيقا، ظهر أن الشاب لديه بصمة خاصة في أدائه الموسيقي، وقد اصطحب ذلك فطرة الذكاء لديه لحفظ الأزرار الخاصة بالأورغ عبر التلمس، ما جعله يبدع أكثر
وعن درسته تحدثنا "أمل" إحدى المشرفات في معهد التربية لتأهيل للمكفوفين بدمشق قائلة : أن الشاب أمجد التحق بالمعهد ،وهو يحمل شهادة الرواد الأوائل على مستوى القطر في الموسيقى والعزف ، مما شجعه على متابعة تحصيله الفني وتضيف ..أن تميز أمجد، كان ملحوظا منذ أول قدومه، فقد تعلم طريقة برايل للقراءة والكتابة بسرعة على خلاف غيره من الطلاب، وكان من المجتهدين الأوائل ،ناهيك عن موهبته في العزف والموسيقى ومساهمته في روح التعاون في الفريق الواحد...