يستيقظ سكان مدينة حمص باكراً أيام الجمعة على غير العادة، رغم أنه يوم العطلة والراحة كما هو معروف، وذلك بقصد القيام بتقليد أسبوعي لم يتوقف حتى في أقسى سنوات الحرب، وهو زيارة سوق الجمعة.
"كرنفال" شعبي
تتحول المسافة الواصلة بين بداية حي "باب الدريب" و"دوار الفاخرة" في مدينة حمص، إلى ساحة كبيرة تضم آلاف الأشخاص ممن توجهوا إلى هناك للبحث عن لوازمهم بأسعار منافسة لتلك المطلوبة في أسواق المدينة.
وتضطر السيارات المارة في تلك المنطقة إلى إبطاء سرعتها بشكل كبير، وكثيراً ما تتوقف لدقائق نتيجة الازدحام على جانبي الطريق، وانتشار البسطات وسيارات "السوزوكي" المحملة بالخضار والفواكه والكثير من البضائع.
انتقل سوق الجمعة خلال سنوات الحرب التي نالت منها حمص نسبة كبيرة من الضرر إلى عدة مناطق قبل أن يعود إلى منطقة دوار الفاخورة، بدءاً من حديقة العباسية و مرة أخرى إلى حي المهاجرين في المكان الذي بني عليه المشفى الإماراتي حديثاً، ليعود بعد إعادة الأمن إلى حي باب الدريب وصولاً إلى الدوار.
يشير أبو أحمد (بائع) أن عودة السوق إلى دوار الفاخورة نشط الحركة بشكل كبير كونه يتوسط المدينة، وتمر من خلاله إلى وسطها وبشكل خاص لمن يريد الوصول الى الكراج الجنوبي والجامعة ووادي الذهب.
ويضيف: "عند التجول بين البسطات الموجودة والسوق المبني حديثاً، يجد المواطن كل ما يحتاجه وبأسعار متفاوتة، من الثياب والمواد الغذائية والأبواب والنوافذ والأجهزة الكهربائية والطيور والمفكات والمغاسل والصنابير وغيرها".
وتنتشر البسطات بمختلف أحجامها، فالبعض يفترش الأرض بقطعة قماشية وآخرون يبيعون على الطاولات بينما يلجأ البعض الآخر للمشي وعرض البضاعة على الزوار والمناداة بأعلى أصواتهم.
"يا فتاح ياعليم"
يبين أبو أحمد (60 عاماً، صاحب بسطة لبيع الثياب المستعملة) خلال حديثه لمدونة "وطن" بأن: "الناس تبدأ بالقدوم إلى السوق بدءاً من الساعة الثامنة صباحاً، وبالتالي يتوجب علينا أن نكون جاهزين في السابعة لبدء العمل حتى موعد صلاة الجمعة".
ويشير إلى أن "ذروة الحركة تكون في ساعات الصباح وحتى الثانية عشرة ظهراً، حيث يبدأ الناس بالعودة إلى منازلهم بعد الشراء بينما يوضب الباعة أغراضهم لإعادة عرضها الأسبوع التالي".
بدوره يوضح أحد زوار السوق لمدونة "وطن" أن: "أسعار سوق الجمعة تتناسب عكسياً مع عودة الأمان إلى "العدية" جراء أسباب متعددة، تصدرها التضخم الاقتصادي الكبير المترافق مع ضعف القوة المالية للسواد الأعظم من السكان، ليتحول من مقصد لشراء المستلزمات إلى مجرد مكان لقضاء الوقت و"الفرجة كونها ببلاش"، حسب تعبيره.
بينما يقول علي (صاحب بسطة للأدوات المنزلية): إن ارتفاع أسعار المواد على اختلافها يعود لأسباب يعرفها الجميع، فكل شيء طاله التضخم ما أدى لاقترابها من سعر أسواق المدينة، فتتضاعف كل حين وآخر متأثرة بسعر الصرف.
حركة مقبولة
يؤكد أحد الباعة: إن حركة الشراء تختلف حسب المواسم والأعياد، وبشكل خاص خلال عيدي الأضحى والفطر، حيث يكثر الإقبال على شراء المواد الغذائية والخضار من السيارات المتوقفة على الرصيف بالإضافة إلى الطحين والزيت والمكسرات.
ويقول: "كانت أسعار السوق رمزية مقارنة بالبضاعة في الأسواق، لكنها أصبحت لا تختلف عنها كثيراً، فتغيرت أحواله مقارنة بالماضي نتيجة الحرب الطويلة في البلاد، وتدهور الوضع الاقتصادي، فاقتصر مرور السكان على الفرجة والسؤال ببلاش".
وتشهد مختلف أسواق مدينة حمص الشعبية تراجعاً في حركة الشراء مع وصول أسعار مختلف المواد إلى مستويات قياسية غير مسبوقة، دفعت الكثيرين للاكتفاء "بالفرجة والصفير".
ويعد “سوق الجمعة” ماركة للأسواق الشعبية المنتشرة في سورية، حيث يوجد سوق بنفس الاسم في معظم المحافظات تقريباً.
"أسعار رخيصة"
يتحدث الخبير الاقتصادي، الدكتور عابد فضيلة لمدونة "وطن" عن أسباب انتشار "سوق الجمعة" في مختلف المحافظات السورية، قائلاً إن: "مستوى الأسعار في الأسواق والمهرجانات الشعبية والخيرية على حد سواء تعد أدنى من الأسعار السائدة في السوق العادية، وذلك لأن البيع والشراء يتم بين المنتج أو الوكيل والمستهلك مباشرة من دون حلقات وسيطة ومن دون نسب الأرباح التي تضيفها هذه الحلقات (تاجر جملة- تاجر نصف جملة إلى آخره".
ويضيف "فضيلة": "ارتفاع وتيرة البيع والشراء في هذه الأسواق هي بسبب طريقة العرض المباشر للسلع وآلية الترويج وهدايا الشراء، ومجانية تقديم بعض السلع عند شراء سلع أخرى والمغريات السعرية التي تتاح للمشتري عند شراء كميات أكبر من السلع، إضافة إلى عامل التقليد والتشجيع التي تخلقها طوابير المشترين".
ويتابع الخبير الاقتصادي حديثه للمدونة: "لذلك نشهد حالياً انتشار العشرات من مثل هذه الأسواق في معظم المدن والبلدات السورية، كما يحدث غالباً في المناسبات والأعياد، مع سبب إضافي آخر هو ميل الناس للخروج والنزهة ورغبتهم بالشراء بالأسعار الأرخص".