لا تزال نقوش أكاليل الغار الأثرية المنسوخة على صفحات أبواب وسواكف العديد من منازل قرى وبلدات جبل العرب حفراً ونحتاً منذ أكثر من ألفي عام، تْشكل قصة حضارة عريقة كانت سائدة في هذه المنطقة.
مدلولات تاريخية
يكشف الباحث الأثري الدكتور "نشأت كيوان" في حديثه لمدونة وطن eSYria " أن زخارف أكاليل الغار المنحوتة على الحجارة البازلتية لم تكن مجرد رسومات بعثرتها عوامل الطبيعة على حين غرة، بل كانت نقوشاً لها مدلولاتها التاريخية، تحمل بين طياتها، تقريراً مفصلاً غير مكتوب عن الواقع الديني والاجتماعي للإسكان الأوائل، حيث حملت هذه الزخارف تاريخ حضارات تعاقبت على هذه المنطقة".
ويضيف:" يعد نقش إكليل الغار المكللة به العديد من بيوت جبل العرب ذات الأهمية الأثرية والتاريخية، رمزاً للحضارة اليونانية، ليتخذه الرومان فيما بعد نحتاً زخرفياً ودينياً، كدليل على تقديم النذور للآلهة، ومن يتصفح أوراق التاريخ، سيجد أن للاكليل معاني تاريخية أخرى، إذ يرمز للحماية والانتصار في المعارك"، كما أنه لم يغب عن الألعاب الرياضية كدليل على انتصار هذا الفريق، وقد ظل التقليد بأكليل الغار متبعاً في وقتنا الحاضر ونراه في مسابقات الألعاب الأولمبية على سبيل المثال".
بدوره يرى الأثري "عماد النداف" أن إكليل الغار، لم يكن يحمل لغة حضارة واحدة، فلغاته التاريخية متنوعة، ففي العصر الروماني، يدل على سياسة الدولة سواءً أكانت ملكية أو إمبراطورية أي نظام الحكم، ومن يترجم اللغة المكتوبة نحتاً على الأبواب والسواكف، سيستنتج أن رمز إكليل الغار قد ظهر في الشرق الأدنى، اي في العصر اليوناني أو ما يسمى العصر الهلنيستي، إلا أنه تطور مع الزمن ليصبح مرتبطاً ارتباطاً وثيقا بالعمارة السكنية والدينية والجنائزية، وصولاً للفترة المسيحية، حيث استمر استخدامه لأغراض دينية".
لغة نحتية
ويتابع النداف قائلاً: "لقد أجاد النحاتون في ذلك الزمان، لغتهم النحتية لدرجة الابداع، حيث رسمت تلك النقوش بطرقٍ متعددة، فمنها ما كان واقعياً كإكليل ورقي على شكل باقة ورقية تجمعها حزمة مركزية، إضافة لإكليل أقل واقعية منحوتة على شكل قرون صغيرة متداخلة، ومن الصعب أن يتم من خلالها تحديد الهوية التاريخية للمباني، اعتماداً على شكل الإكاليل، ذلك لصعوبة التمييز، خاصة أنه استمر هذا النموذج لفترات طويلة في زخارف المنطقة".
ويلفت الى أن الزخارف المعمارية المنحوتة على واجهات الأبنية المدنية والدينية، متنوعة، وهي تختلف وتتباين من فترة زمنية لأخرى فزخارف القرن الأول قبل الميلاد والأول الميلادي ذات التأثيرات النبطية والمحلية تختلف ببعض التفاصيل عن القرنين الثاني والثالث الميلاديين حيث كانت التأثيرات الإغريقية -الرومانية واضحة ومؤثرة في زخارف المنطقة، وهذا التنوع في تلك الفترة ما هو إلا انعكاس بالإنتاج المعماري الكبير في جبل العرب كالمساكن والمعابد والمسارح والحمامات وبوابات المدن وغيرها".