يقوم جوهر نشاط "المساحات الآمنة" التي تقدم على أرض محافظة القنيطرة وتجمعاتها في ريف دمشق ودمشق، وينفذ بالتعاون مع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، على تنمية مواهب الشباب والأطفال في شتى القطاعات والأنشطة وصقلها، ورعاية الطفولة وتعزيز المشاركة المجتمعية للسيدات ودعمهن نفسياً إضافة إلى دعم المشاريع الصغيرة التي تندرج ضمن برامج تأهيل وإعداد هذه الشرائح.
حاضنة المواهب
رئيس مؤسسة "واجب" للثقافة والتنمية وعضو مجلس الشعب "رأفت البكار"، المسؤول عن مركز المساحة الآمنة في بلدة "الذيابية" يؤكد في حديثه لمدونة وطن، أن "المساحات الآمنة" بالتعريف هي بيئة تتيح للفرد التعبير عن أفكاره وتنمية مواهبه وقدراته وإبرازها، خاصة بعد سنوات من الحرب وما ترتب عليها من آثار اقتصادية واجتماعية.
ويضيف "البكار": "بدأت المساحة الآمنة العمل في 2023/11/11 ويقدر عدد المستفيدين من المركز حوالي /600/ مستفيد من منطقة الذيابية والمناطق المجاورة.. وعلى مدى قصير أثبت المشروع نجاحاً باهراً في تقديم الأنشطة الرياضية وتحقيق نتائج ملفتة للرياضيين المشاركين في الدورات التي تقيمها المساحة، وحصلوا على مراكز متقدمة في ألعاب القوى في بطولة محافظة القنيطرة وتجمع المنطقة الجنوبية وبطولة الجمهورية وتم تكريم اللاعبين المتميزين".
بدوره يوضح مدير فريق المساحة الآمنة في مؤسسة واجب للثقافة والتنمية في الذيابية "عوض المصطفى" أن فكرة إنشاء "المساحة الآمنة" لاقت استجابة قوية على المستوى الشعبي والاجتماعي، خاصة في بلدة لا تتوفر فيها مقومات الأنشطة الرياضية والإبداعية، فوجدت المساحة فريقاً رياضياً جاهزاً مؤهلاً ومدرباً ليقود هذه الأنشطة المتنوعة، ليكلل نجاح هذا المشروع هو عامل الحماس الموجود لدى المتطوعين الذين ساهموا في تكوين هذه الصالات والتي شملت شرائح متعددة من الأطفال والشباب والرجال والسيدات بمختلف الأعمار.
ويضيف "المصطفى": المساحة الآمنة في مركز الأنشطة شملت ألعاباً متعددة (كالايروبيك والزومبا والكراتيه والشطرنج ) بحيث إن كل لعبة انضم إليها (سن البراعم والأشبال حتى الكبار)، لتصل الأعداد المشتركة في المساحة الآمنة اليوم للعبتي (زومبا وايروبيك) الى 85 مشتركاً، ولعبة الكراتيه إلى 60 مشتركاً، في حين لعبة الشطرنح يصل العدد إلى 25 مشتركاً.
ويشير "المصطفى" إلى أن هذه المساحة وفرت فرصاً لتنمية مواهب وقدرات المشاركين في مختلف القطاعات الرياضية منها الثقافية والإبداعية ورعاية الطفولة، وساعدت في تحقيق حلم الكثيرين بالدخول لسوق العمل.
دورات رياضية
يتحدث "عنان سعيد" معاون مدير الفريق الرياضي في مركز المساحة الآمنة، عن النقلة النوعية التي أحدثتها المساحة في المحافظة ومنها بلدة الذيابية، حيث وفرت المناخ الملائم للشباب والأطفال لممارسة هواياتهم المتعددة، في مركز يتألف من طابقين ويوجد مساحة من الصالات المخصصة لألعاب الايروبيك والزومبا والكارتيه والشطرنج وغيرها.
ويقول "سعيد": إن مركز المساحة الآمنة منذ تشكيله، أطلق دورات رياضة الزومبا والايروبيك لمختلف الفئات العمرية في المساحة الرياضية الآمنة في منطقة الذيابية، بالتعاون مع الجمعية السورية للتنمية الاجتماعية والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، منها دورة الرياضة في الكاراتيه فكانت النتائج مثمرة في هذا الإطار بعد بلورة فريق متكامل ينافس الاندية الرياضية.
"ساندي بيل"
وفي بلدة حضر شكلت الحديقة الأمنة للأطفال، بيئة خصبة لتنمية مواهبهم وصقلهم بالتدريبات والأنشطة الاجتماعية والثقافية، فلاقت هذه المساحة صدى إيجابياً من سكان البلدة والقرى المجاورة في احتضان أطفالهم ببيئة زاخرة بكل مقومات النجاح.
رئيس جمعية شمس الجولان ومدير مشروع الحديقة الأمنة والتي أطلق عليها "ساندي بيل" في حضر المهندس "جمال حسون" يبين لمدونة وطن، أن فكرة الحديقة جاءت من افتقار محافظة القنيطرة لأماكن الترفيه والتسلية والتعليم للطفل، خاصة بالعطلة المدرسية الصيفية التي تمتد لأكثر من ثلاثة أشهر، ليكون مشروع الحديقة الآمنة بالقرية وبدعم من المفوضية السامية لشؤون اللاجئين والمجتمع المحلي ولجنة الوقف في البلدة، أنموذجاً راقياً لاكتشاف مواهب الأطفال وتنمية قدراتهم ليس بالعطلة فقط، وإنما طيلة أيام السنة.
ويضيف: الحديقة الآمنة هو بناء قديم لصالة السجاد بالقرية، تم الحصول على موافقته والعمل به من وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل التي سمحت لنا باستثماره وتحويله إلى مدينة للأطفال تبلغ مساحة البناء فيها حوالي 700 متر مربع، ويضم ألعاباً وأراجيح ومناشط تعليمية تربوية ومساحات للأنشطة الرياضية، وهو مشروع يخدم الشريحة العمرية للأطفال بين 3 إلى 10 سنوات بحيث يستوعب 60 طفلاً بالساعة الواحدة.
ويشير إلى أن المشروع الإنساني يؤمن فرص عمل كمعلمين ومشرفين وعمال وينظر في الفترة المقبلة لتوسيع خدماته ليشمل دورات إبداعية وتعليمية للأطفال .
ويضيف "حسون": الحديقة الآمنة لأطفال قرية حضر بالقطاع الشمالي من المحافظة، كانت حصيلة للتعاون والتكامل بين عمل الجمعية مع المجتمع المحلي وجمعية براعم الطفولة، بما يعكس قوة المجتمع السوري، على الرغم من الظروف الاقتصادية الصعبة الموجودة، لكن التكامل البناء والتعاون مع المجتمع الاهلي، قد عزز من ثقافة العمل التطوعي في إنجاح هذا المشروع.
دعم نفسي
وكانت المساحات الأمنة أيضا بيئة حاضنة في مجال الدعم النفسي، للنساء المعنفات عبر تقديم سبل الرعاية والاهتمام والدعم النفسي والتأهيل المهني لهذه الشريحة بما يمنح أفرادها القدرة على مواجهة العنف القائم على النوع الاجتماعي واتخاذ القرار والمضي قدماً، وهو الأمر الذي غير حياة الكثيرات ممن التحقن بهذه المراكز.
ولعل الدورات التي أقامها مركز (المساحات الآمنة) بالحلبوني قد شكلت كما تقول المشرفة الاجتماعية "ربا المشرقي" قصص نجاح حقيقية للعديد من الحالات للنساء من بينهم فتيات من محافظة القنيطرة في محاولة لمساعدة النساء المعنفات ودعمهن نفسياً وتمكينهن مهنياً.
وتضيف "المشرقي" في حديثها: جمعية تنظيم الأسرة وبالتعاون مع صندوق الأمم المتحدة، تنظم دوماً حملات لمنع العنف ضد النساء والفتيات، كما هي الفعاليات المشاركة بالجمعية لعرض المنتجات والأعمال اليدوية المميزة المحاكة بكل ود وإتقان من أيادي المستفيدات في مراكز دعم وتمكين المرأة المختلفة بالمساحات الآمنة".
وتتابع "المشرقي": مركز المساحات الامنة أقام مختلف الدورات المهنية المجانية لتمكينها اقتصادياً في مجال الخياطة والإسعاف الأولي والمكياج وغيره على مدار العام.
مساحة أمان
تقول "هنادي" 24 عاماً من مدينة خان ارنبة، إنها استفادت من هذه المساحة وتجاوزت الكثير من العوائق، حيث إن زوجها تركها منذ 7 سنوات مع طفلين من دون أي تواصل أو مساعدة، فبحثت عن عمل أو مكان تتعلم فيه حرفة تساعدها على تلبية متطلبات الحياة فوجدت (المساحة الآمنة) في مركز الحلبوني.
وتضيف: "هناك التحقت بدورة حاسوب وتقدمت بعدها إلى وظيفة، وقبلت بها حيث بدأت العمل منذ 5 شهور فـ (المساحة الآمنة) أنقذتني وغيرت حياتي ونظمت وقتي وكانت سبباً في توفير عمل أعيل به ولدي ويحول دون حاجتي للآخرين" .
أما "غادة" 31 عاماً والتي عانت من العنف الأسري القائم على النوع الاجتماعي، فوجدت لدى التحاقها بـ(المساحة الآمنة) بالمركز المذكور كل الدعم النفسي والتشجيع كي تتمكن من اتخاذ قراراتها بنفسها، والمضي قدماً في حياتها حيث طورت إمكاناتها عبر التحاقها بدورة للغة الإنكليزية وهو ما عزز ثقتها بنفسها وقدراتها.
الاتجاه الصحيح
مدير الشؤون الاجتماعية والعمل في القنيطرة المهندس "هلال النادر" يرى أن المشاريع المقامة من المساحات الآمنة على أرض المحافظة وتجمعاتها في ريف دمشق ودمشق، تعد تطوراً إيجابياً في سبيل التخديم البيئي والجمالي والاجتماعي، لافتاً إلى أن هناك مساحات آمنة يتم توفيرها لخدمة البيئات في المحافظة منها الرياضي والإبداعي والترفيهي والاجتماعي، وآخرها كان الحديقة الآمنة في بلدة حضر التي تعتبر الأولى من نوعها بالمحافظة، وهي خطوة في الاتجاه الصحيح لتأمين الحدائق الترفيهية للأطفال التي تهدف إلى تنمية المهارات وبناء القدرات لدى هذه الشريحة العمرية، من خلال تدريب الكادر المشرف على الأطفال بشكل احترافي والخروج بأفضل النتائج.
وتبين النادر أنه تمّ تجهيز البنية التحتية للحديقة الآمنة لجعله بيئة آمنة للأطفال لممارسة مختلف الأنشطة صيفاً وشتاء، كالتعليم والتدريب عن طريق اللعب واكتشاف مواهب الأطفال والاهتمام والتركيز على نقاط الضعف والقوة لديهم، وتمكينهم ذهنياً وعقلياً وجسدياً بطرائق تربية جاذبة للأطفال كالألعاب والموسيقا والفنون والرياضة.
ويلفت إلى أن المحافظة تجد في هذه المساحات الآمنة بعد سنوات الحرب وآثارها الاقتصادية والاجتماعية، البيئة الخصبة لتدريب الأطفال والشباب وصقل مواهبهم مع تحسين الخدمات والوسائل الترفيهية وإيجاد شرائح مجتمعية ناجحة على أرض الواقع بكافة الميادين.