رغم مضي أكثر من ألفي عام على ولادته بنائياً وإنشائياً، إلا أن البرج الأثري في قرية "بوسان"، ما زال يقف شامخاً كحارسٍ أمينٍ على حضارةٍ لم تمحها السنين، وما تزال لغة الاقدمين مدونة على جدرانه البازلتية.
قصة حضارة
يوضح رئيس دائرة أثار السويداء "خلدون الشمعة" أن تاريخ البرج يعود للعصور البيزنطية، وما زالت أطلاله حاضرة لتحكي قصة حضارة لم تمت.
ويقول: "من يأتي قرية بوسان قاصداً برجها الأثري، فلا يمكن له أن يغادرها قبل أن تكتحل عيناه برؤية تلك الغرفتين المتبقيتين منه، اللتين لم تنل منهما عاتيات الزمن، فمن يدخلهما، ويستنطقهما يشعر كأنه يجالس التاريخ ليحدثه عن أيام زمان وأحداث تلك الأيام، فالتاريخ بين يديك ورهن إشارتك له ألف شفة وألف لسان".
ويضيف "الشمعة":" بدأت دائرة آثار السويداء بالعمل على نفض غبار السنين عن البرج عام 2004، وتبين وجود مكتشفات أثرية مدفونة تحت هذه الأنقاض وقد تم تبيانها، ولتكتمل أيقونة هذا البرج الأثري مع العثور على العديد من الكتابات العربية والنقوش المنحوتة حفراً ونفراً، والتي تعود للفترة الوسيطة الأيوبية والمملوكية، وأهم هذه النقوش التي أرخ لها الباحثون ما تم تدوينه على صفحته البازليتية عن تدمر أيام القيصر الروماني هدريانوس، إضافة لنقشٍ آخر مؤرخ في السنة التي قدم فيها القيصر إلى سورية".
بصمة أثرية
الباحثة الأثرية "رابيا زين الدين" تقول: إن برج بوسان الأثري ليس هو المعلم الوحيد، الذي خط حروفه البنائية معماريو تلك العصور، فالبصمة الأثرية ما زالت تقرأ سراً وجهراً على أبواب وجدران نحو 800 منزل تعود للفترة الرومانية، وقد صفت حجارتها أيادٍ ماهرة متمرسة في فن العمارة، بدليل أنها ما زالت محافظة على نسيجها المعماري، المبني من الحجارة البازلتية المشذبة، والمصفوفة بإتقان جميل، وعلى جدران هذه المنازل تتكئ أسقفها المعمولة من الربد، والمحمولة على أقواس وقناطر بازلتية.
ولعل ما يزين هذه البيوت ويزيدها ألقاً -حسب قول الباحثة- تلك الكتابات العربية والنقوش التي ترجع إلى الفترة الأيوبية والمملوكية.
وتضيف "زين الدين": "يبدو أن لقرية بوسان حكاياتها غير المنتهية مع تلك الآوابد، فالرحلة الاستطلاعية تأخذك إلى قصورها الخمسة، التي لم يبق منها سوى بقايا قصرين أحدهما للنبي أيوب، وهو يتألف من ثلاثة طوابق، لم تبقِ منهم العوامل الطبيعية والأيادي العابثة، سوى بعض الجدران التي أبت الاندثار وسط زحمة التعديات، ولعل أهم ما يتزين به هذا القصر ذلك الباب الحجري أو ما يعرف بباب الحلس، ويطل هذا القصر على نبع ماء كانت تطفئ ظمأ ساكنيه في تلك العصور".