تتميز قرية "العشة" باختلافها عن غيرها من قرى الجولان السوري المحتل، إذ تقع على مرتفع، محصنة بالتلال المحيطة بها، وأكثر اعتمادها على عادات وطقوس فريدة جعلت منها مكاناً يخلد الذكريات الخصبة لأبنائها النازحين منها.

حصن طبيعي

الحاج "عبد الله العبد الله " من نازحي قرية العشة ويسكن في بلدة "حجيرة"، تولد 1931يقول: "تقع القرية في القطاع الأوسط من الجولان السوري المحتل وتتبع لناحية الخشنية، يحدها من الجنوب الغربي تل الفرس، ومن الغرب قرى (الحفاير وقرية الفرج والفحام والخشنية وشعاف السنديان)، ومن الشمال قرى (الاصبح وتل الأحمر والشعاف الحمر والعجيمية) ، ومن الشرق قرية الرفيد وتل المهير وتبلغ مساحة القرية 18 ألف كيلو متر مربع، يقع ثلاثة أرباعها اليوم مع الاحتلال الإسرائيلي. والربع الأخر تم تحريره بمساحة 6 آلاف كيلو متر ويسكنه بعض الأهالي اليوم".

ويضيف: "كانت قرية الأصبح المجاورة للعشة مشتركة مع القرية في الأراضي والمعيشة بنفس القطاع، ولكن في عام 1966 قبل النزوح بعام انفصلت إدارياً وباتت قرية قائمة بذاتها، وقد نزح من قرية العشة عام 1967 حوالي 600 شخص ، بينما يبلغ عدد سكانها حالياً حوالي تسعة ألاف نسمة، ويحمل أبناؤها الشهادات العليا من أطباء ومهندسين ومحامين وضباط، وقدمت القرية كما باقي قرى الجولان شهداء لهذا الوطن الحبيب من زمن المستعمر الفرنسي وحتى الآن.

الباحث أحمد كنعان ومحمد الأحمد وموسى الصياح

الصخر والماء

المعمر عبدالله العيدالله

يشير "العبد الله" إلى أن الأرض بالقرية نصفها صخري والنصف الأخر ترابي، حيث إن الزراعات كانت بالقرية خفيفة معتمدة بسقايتها على الأمطار لندرة مياهها كون أراضيها تقع على سفوح ومرتفعات وتلال مجاورة لها، لتعتمد بزراعاتها على القمح والشعير والعدس والحمص والفول والبيقية ومحصول الترمس الذي اعتمدت القرية زراعته بالدرجة الأولى".

"محمد الأحمد" موظف متقاعد، لفت إلى أن أهالي "العشة" اعتمدوا في معيشتهم أيضاً على الرعي، فتربية الماشية من الأغنام والأبقار كانت سائدة إضافة لإعداد قليلة من الجمال.

قرية العشة في الشتاء والصيف

ويضيف: "كان وجود الخيول بالقرية أحد الأشياء المميزة، لتكون مضرب المثل من بين القرى، وذلك من خلال المشاركة بسباقات الخيول مع أبناء القرى الأخرى، والاهتمام بالخيل وزينتها".

ويشير "العبد الله" أن سكان القرية اعتمدوا على استجرار مياه الشرب من بئر السكر بحيث تميزت مياهه بالعذوبة والحلاوة، كما جلبوا الماء على ظهور الدواب من نبع اسمه القسطل، والذي يتميز بوجود ثلاثة أجران كبيره من الصخر يعبأ بها الماء لسقاية البقر والخيول والإبل، وتوجد بالقرية أيضاً عين النعصا، وعين المدوره ورأس العين، لكن القرية تعتبر أكثر القرى في الجولان بتربية الأغنام والأبقار ، وهناك الجمال والخيول أيضاً.

يمر بالقرية ثلاثة طرق ، طريق معبد من مدينة القنيطرة إلى الحمة، وطريق إلى محافظة درعا، وطريق من العشة إلى كودنة ، ومن ثم يعود إلى مدينة القنيطرة ، لكن لم تتوفر شبكتا الكهرباء والمياه بالقرية وهناك مدرسة ابتدائية وتستكمل باقي مراحل الدراسة في مدينة القنيطرة.

تاريخياً وجغرافياً

يقول الباحث "أحمد موسى كنعان" : إن قرية العشة تاريخياً كان اسمها قديما "كرفتة" وجرى بناؤها على مرتفع تحيط به التلال من كل جانب، منها أبو الندى والأحمر وهو ما جعل منها قلعة أسوار ونقطة إستراتيجية مطلة على العدو الإسرائيلي لكن العدو كشف هذه الثغرة وقام بتجريف القرية كاملة، كما كانت القرية تاريخياً مدفناً في العصور التاريخية القديمة ومنها الروماني يؤكده وجود القبور الأثرية بأراضيها، كما تمتاز القرية بوجود القساطل الفخارية المائية الممدودة تحت المنازل وهي تعود للعصر الروماني على الأغلب أيضاً وكانت مياهها تتسرب من تحت التلال المحيطة وتصب في مكان بئر السكر وهو عبارة عن مياه حلوة وعذبة فيها جرن حجري بقطر مترين كان موضوعاً لسقي الخيول والماشية.

طقوس وعادات

أما عن أن العادات الاجتماعية بالعشة فيتحدث "كنعان" قائلاً: "كانت الطقوس غريبة ولكنها جميلة بنفس الوقت، فمثلاً كان مهر العروس هو المواشي بما يقدر بأربعين نعجة أو عشرة رؤوس بقر، ومن الطقوس في الزواج أنه جرت العادة قديماً أن من يكون لديه عرس فإنه يجب تقديم الحليب بالكميات المتوفرة ويأتي بالأغنام ويدخلها في الخيمة لتدور حول بعضها كحلقة متسلسلة متزامنة مع دقة الطبل من قبل راعي الأغنام في جو مفعم بالمتعة والفرح، وغير ذلك ترقص النساء وتشكل حلقة فيها من الغناء وإلقاء الشعر".

أما بالنسبة للرجال وحسب قول المعمر "محمد الأحمد" فهناك الدحية والدبكة وعملية التصفيق الحارة التي تصل أصواتها للقرى البعيدة وكانت تستمر أسبوعاً كاملاً بلياليه.

فيما يقول "موسى ذياب الصياح" تولد العشة 1956: إن أجواء الأعراس لدينا تميزت بالبساطة والمحبة، فكل القرى المجاورة تشارك بهذه المناسبات لتكون هناك طقوس خاصة وبرتوكولات فرح، فكان صندوق العروس من الملابس والزينة مصنوعاً من الخشب وهو بمثابة مهرها كغرفة النوم اليوم ، ليتم استضافة العروس في إحدى البيوت كصمدية لها حيث تجتمع النسوة للغناء والرقص لتزف بالنهاية على سرج الخيل المزينة.

مضافات الكرم

وعن المضافات يتحدث الباحث "كنعان" إنها كانت من السمات السائدة بالقرية من تقديم القهوة رمز الكرم والجود بالجولان، خاصة أن مضافة المختار بالقرية كانت مميزة بفنائها وعمارها، حيث يبدو اختلافها عن مجمل البيوت الأخرى بالقرية، وغالباً كانت مصنوعة من الحجر الأزرق المتميز ببرودته بالصيف ودفئه بالشتاء وذلك لسماكة الحجر نحو/ 40 /سم وكان من يتعين مختاراً حسب قوله ، فإنه يخسر أكثر ما يربح وذلك يعود لفتح المضافات على أبوابها ، خاصة أن المختار ،كان يترك عمله بالأرض ويلبي ضيفه،.. ويتابع كنعان: أصبح هناك تطور عمراني كبير في العشة بعد 1958 إلى قبل النزوح، حيث كانت البيوت مصنوعة من اللبن والسقوف من الخشب وما شابه ، وأكثر أهل القرية بدأت تصنع بيوتها من الإسمنت والبلوك بعد التطور العمراني، وهناك ما كان منها من الحجر الأزرق، لينهي كلامه بأن العشة كانت آخر قرية حدودية بالجولان تخرج بالنزوح من أرضها وذلك في 11/ 6/ 1967 حيث لجأ سكانها إلى قريتي جاسم ونوى كونهما قريبتين من القرية.