يستذكر أبناء الجولان السوري المحتل، هذه الأيام، ليالي حصاد القمح اليدوي والطقوس المرافقة له من الأهازيج والغناء، والتي كانت تعد من محفزات العمل وتشعر المزارعين بالراحة وتبعدهم عن الشعور بالملل والتعب.

بين الأمس اليوم

يتحدث الموجه التربوي المتقاعد والمهتم بالتراث "محمد الرفاعي" /1953/ قرية "الفرج" التابعة لناحية "الخشنية" بالقطاع الأوسط، عن أيام الحصاد في الجولان الذي يبدأ منذ منتصف شهر أيار.

يقول "الرفاعي": "يبدأ الموسم بحصاد حقول البقوليات كالعدس والفول والبيقية والكرسنة والترمس، لأنها تنضج مبكراً قبل القمح والشعير، وفي أيام الحصيدة يذهب جميع أفراد العائلة للحصاد عدا الزوجة، لتتفرغ لرعاية أعمال البيت وتجهيز طعام الفطور للحصادين، وعادة ما كان يذهب الحصادون لعملهم مبكراً، أي قبل شروق الشمس بساعة أو ساعتين، ويجب أن يكون الجو فيه رطوبة (أي ندى) حتى يكون القش طرياً ويساعد على الحصاد من دون أن تتساقط الحبوب، وبعد شروق الشمس بساعتين تصبح أشعة الشمس قوية ويجف القش ويتوقف الحصادون عن العمل".

موسم الحصاد

ويشير" الرفاعي" إلى أنه خلال فترة الحصاد تكون هناك طقوس مرافقة، كأن يقوم الأب بترتيل بعض الأهازيج التي تحفز على العمل والإسراع في الإنجاز، ومن هذه الأهازيج والأغاني:

منجلي ما مت جلاه

راح للصايغ جلاه

ما جلاه إلا بعلبه

ليت العلبه دواه

منجلي يا بو الخرافش

راح بالزرع طافش

منجلي يا بو رزه

ما جلاه الا بغزة

الرجادة والبراكة

ويضيف: "أن حصاد البقوليات يسمى (حلاشة) أي الجمع باليدين من دون استخدام حاشوشة أو منجل، أما في بداية شهر حزيران يبدأ حصاد الشعير بالمناجل والحاشوشة، وإذا كانت الأرض سهلة وليس فيها حجارة ومستوية تستخدم آلة (الطربانة) ومثلها حصاد القمح، ويتم جمع القش ويحمل إما على الدواب أو الجرّار إلى البيادر، ويتم درس القش بواسطة النروج (اللوح) حيث يجر من ثورين أو حصان، وعند الانتهاء من الدراسة يجتمع معظم رجال البلد في تذراية البيدر وفرز الحب عن التبن الذي ينقل إلى خانات خاصة به وتعبأ الحبوب في أكياس كبيرة". ويستمر الحصاد مع (الدراسة) حسب قول "الرفاعي" قرابة ثلاثة أشهر، حتى يُجمع المحصول كاملاً.

خالد الفياض وعبدالله جمعة

ومن العادات الجميلة، يشير إلى أن هناك عادة يتزين بها القرويون بالجولان وهي أن الذي ينهي حصاده قبل جاره، يقوم بمساعدة جاره في الحصاد على البيدر وعلى جمع المحصول وهو ما يسمى رجادة أو رجيدة، وهناك شيء لا ينسى -كما يشير الرفاعي- أنه عقب كل انتهاء بيدر من القمح، فإنه يجتمع أولاد القرية عند البيدر ليقوم صاحب البيدر بتوزيع القمح على كل واحد منهم، وتسمى (براكة) ليأخذها الولد إلى الدكان ويشتري بثمنها حلوى (هريسة أو مطعم أو بقلاوة، ومن الصفات أيضاً أن العائلات الفقيرة حين لا يكون لديها زرع كثير، تذهب المرأة إلى الحقل الذي فيه حصيدة وتلقط السنابل الساقطة على الأرض وتجمعها وتأخذها على بيتها، أو تقوم بمساعدة أصحاب الحقل بالحصيدة ساعة من الزمان، يقوم الفلاح بمنحها (غُمر) من القمح، تأخذه على بيتها ومن دون أي حرج.

مواسم عطاء

بدوره يتحدث "عبد الله الجمعة" وهو من إحدى قرى البطيحة بالجولان المحتل، عن خيرات منطقة البطيحة بجبالها وسهولها، وخصوبة مواسمها، فضلاً عما كانت تحمله من فرحة غامرة.

محمود الرفاعي وأحمد الحسن

في ليلى الحصاد يتم السهر والمرح وقضاء ساعات ممتعة من الغناء والتسلية الممزوجة بلحظات التعب، يقول "الجمعة" ويضيف: إن الحصاد كان يدوياً حيث لم يكن يوجد آنذاك حصادات ولا آليات لنقل المحاصيل من الأراضي الزراعية إلى البيادر، أما عن التعاون فهناك الفريق الواحد المنظم بشكل نسقي أفقي من الأبناء والجيران والأقارب المجموعين كلهم لحصاد القمح في جو مفعم بالسعادة والفرح.

الباحث في التاريخ والتراث "خالد فياض" يرى أن قرى الجولان قاطبة كانت تتزين أيام الحصاد باللون الذهبي، وقرية "عين قنية" الواقفة خلف تلال جبل الشيخ واحدة من القرى الصامدة في الجولان السوري المحتل التي بقيت شامخة بسنديانها العتيق المتجذر في الأرض ومعطاءة بتينها وزيتونها المثمر وقمحها المتوج، وتعتبر المعالم الأثرية وآثار مطاحن القمح هناك شاهدة على مرور حضارات عدة.

اللاقوطة

ويتحدث "محمد المرزوقي" من أبناء الجولان عن بعض مفردات متعارف عليها في موسم الحصاد، فهناك ما يعرف بـ"اللاقوطة" وهم الذين يلتقطون السنابل المهملة بعد حصاد الحقل وجمعها، إذ إنه في أيام الحصاد تكون أيام الخير والبركة ومع حصاد القمح والحمص، تقوم بعض النسوة ممن حالتهم المادية غير مستقرة، بالتقاط القمح خلف الحصادين، حيث تدق السنابل آخر النهار، إما بالحقل أو بمنزلها، ومن ثم تصفيته وتذرايته وبيعه لسد حاجة البيت، أو تتركه كمونة للمنزل.

ويوضح "المرزوقي" أن عملية اللقاط تتم بأن تذهب اللاقوطة مع الحصادين بساعة متأخرة من الليل للحقل، وتساعدهم بالحصاد حتى شروق الشمس، وعندها يطلب منها صاحب الحقل أن تقوم لِلقاط وجمع السنابل من الأرض أو سنابل قد نسيت واقفة ولم تحصد، وذلك بعد أن ينهي المغمر تغمير القش وجمعه، وكثيراً مايقوم صاحب الحقل بإعطاء اللاقوطة بعضاً من شمائل القمح المحصود كرماً ومكافأة لهم على عملهم.

ويتذكر "المرزوقي" اللحظات التي كانت تقضى بأيام الحصاد على الفرح والغناء خاصة حين تستلم النساء مكافاتها مرددة أغنية ما زالت يتناقلها الناس إلى اليوم وتقول كلماتها:

حاصود ليك المنجل واحصد سبل معانا

نحنا بنات بلادك وريحة هلك ويانا

شوقي راح على الحصيدة يارمان

والشوك اكل دياته مالك زعلان

ومن الأهازيج ايضاً

من صلاة الصبح يا غافر التوبة

أمي غابت واحنا بهوش وقتالي

... ويوم لحق الامير وحميت الشوبة

تراث الحصاد

ولأهمية التراث ككل والحصاد خاصة وحفاظاً عليه من الضياع والانصهار، يجمع الباحث في الجولان "أحمد الحسن" بعض مفردات اللهجة العامية في "الجولان" المستخدمة بالحصاد، مع توضيح لمعانيها، حيث هناك ما يعرف "الكدانة" التي هي أداة مصنوعة من الخشب بشكل حرف /8/ توضع على رقبة الحصان مثقوبة من حرفيها لوضع حبال يستخدمها الفلاح أثناء فلاحة الأرض لتحريك الحصان يميناً وشمالاً، وهناك "الشحر" وهي أداة مصنوعة من الخشب بشكل السيبة الحالية معلق في نهايته السفلى حبار، يستخدم لترتيب القش عليه من الجانبين ويوضع على ظهر الدابة لنقل الحصاد إلى البيادر، وهناك "الشميلة" وهو ما تستطيع حمله قبضة اليد أثناء الحصاد، أما لفظ "الغمر" فهو ما تستطيع حمله الذراعان من الحصاد، و"المدراية" حسب قول "الحسن"، فهي أداة مصنوعة من الخشب بشكل أصابع اليد، وتستعمل لفصل الحب عن التبن على البيادر، كما هو الشاعوب الذي هو أداة معدنية بشكل أصابع اليد له يد خشبية طويلة، ويستعمل لرفع القش فوق بعضه بشكل قبة ويستعمل لتعليب القش عند هرسه.