وجدت السيدة السبعينية "نظمية الحسن" طريقتها الخاصة في مواجهة الظروف المعيشية الصعبة في محاولة للتغلب عليها، وذلك من خلال تعلم صناعة أطباق القش من والدتها في سن مبكرة، ومن ثم اعتمادها كوسيلة للعيش وكسب الرزق.
مورد رزق
تعلمت السيدة السبعينية حرفة صناعة أطباق القش من أمها واستمرت بممارستها حتى بعد زواجها.
تقول السيدة الحمصية المكناة "أم عدنان" لمدونة "وطن": "عدت لأعمل بها منذ خمس سنوات، بسبب الحرب وضيق الحالة المعيشية كمورد رزق، وأنا اليوم أصنع أطباقاً من القش ومفارش قماشية وأبيعها من أجل العيش، ولمساعدة عائلتي" .
وتتابع "الحسن" حديثها بتأكيد أن صناعة أطباق وسلل القش والمفارش القماشية الملونة تعد من الحرف اليدوية التراثية، وتحتاج الكثير من الوقت والصبر والفن، وقد أصبحت صناعتها تواجه تحديات كبيرة مع التطور الصناعي ما جعلها قريبة من الاندثار، إلا أن الكثيرين من محبي هذه المقتنيات لا يزالون يفضلون اليدوية منها ويستخدمونها كزينة في المنازل.
بيع وشراء
تشرح "أم عدنان" طرق الحصول على مستلزمات العمل، إذ تعيد السيدة الحمصية تدوير مخلفات قطع القماش التي تحصل عليها من محال الخياطة أو تستخدم أحياناً قطعاً بلاستيكية تسحب منها خيوطاً، فضلاً عن سنابل القمح التي تستخدم في مثل هذه الحرفة، لعدم توفرها، وتشتري بقية المواد الأولية من السوق.
وتضيف أم عدنان لمدونة "وطن" إنها اختارت نقاطاً محددة لبيع منتجاتها، ومنها بقعة رصيف
حولتها إلى سوقها الصغير قرب مطعم شعبي مشهور في حي الأرمن، أو قرب ساحة الزهراء نظراً لمرور عدد كبير من السكان في وقت ذروة الحركة التجارية، حيث تخرج من المنزل حوالي الساعة 12 ظهراً بعد إتمام أعمالها المنزلية لبيع منتجاتها، وتفرش القطع بجوار المطعم لأنها لا تملك محلاً ولا تستطيع أن تستأجر مكاناً مع ارتفاع الإيجارات بشكل كبير.
وتؤكد السيدة أن عملها لا يطغى على واجباتها المنزلية، مضيفة: "أستيقظ باكراً كي أنهي أعمال المنزل وواجباته، ومن ثم أخرج لأسعى وراء الرزق بفضل هذه الأطباق والسلل والأوجه القماشية تحت شمس الصيف الحارقة ولسعات البرد القارس".
وعن صعوبات العمل تشير إلى أنها كثيرة وفي مقدمتها التقدم بالسن، وتقول باللهجة العامية: "بتغبش عيوني أحياناً وبيوجعني ظهري من القعدة الطويلة"، ولا تخفي السيدة وهي أم لتسعة أبناء، وجود بعض التعب والإرهاق المرافق لهذه المهنة، فالجلوس لساعات طويلة يسبب بعض آلام الظهر، لاسيما وأن بعض الأطباق والسلل تأخذ وقتاً يصل أسبوعاً كاملاً أحياناً.
وتختم السيدة نظمية حديثها بالقول: "الإقبال متوسط على شراء منتجاتي بعد التقدم الصناعي الكبير وتوفر كل ما تحتاجه ربات البيوت في منازلهن، لكن بعض السيدات ترغبن بإضفاء لمسات تقليدية خاصة وبشكل خاص اللواتي يسكن في الأرياف".
إبداع يتجاوز العمر
"سوزان نكدلي" وهي سيدة تعمل في مجال الخرزيات، تبدي إعجابها الكبير بأعمال "أم عدنان"، مبينة أنها شكلت حالة متميزة للمرأة الراغبة بالنهوض والعمل، حيث استطاعت بأناملها تطويع أقسى المواد وتحويلها إلى مجسمات فنية غاية في الجمال والإتقان.
وتضيف "نكدلي" خلال حديثها للمدونة: "أقل ما يقال عن عمل السيدة الفاضلة "أم عدنان" بأنه إبداع يتجاوز العمر، وهي التي لم تتوقف عن العمل رغم كبرها في السن، وإنتاجها لأجمل الأوجه القماشية وأطباق القش".
وتشير إلى أن الكثيرين يعتقدون أن الأعمال اليدوية سهلة الإنجاز ولا تتطلب وقتاً طويلاً لكن هذا الأمر غير صحيح، إذ إن الأشغال اليدوية تتطلب مهارة ودقة وصبراً كي تخرج القطعة الفنية بأجمل صورة ممكنة.
إعادة التدوير
بدورها، تعبر "ابتسام ديب" في حديثها لمدونة "وطن" عن تقديرها للسيدة السبعينية أم عدنان التي يعرفها جميع سكان حي الأرمن نظراً لإتقان عملها وجمالية أطباق القش التي تصنعها.
وتشير "ديب" إلى الصبر الكبير وطول النفس الذي تتمتع به أم عدنان لإنجاز تلك الأعمال في كل الظروف ومختلف الفصول ودرجات الحرارة، رغم بساطة المكونات الداخلة في العمل وهذا يدل على الفن الكبير في منتجاتها.
وتقول: "أعرف صعوبة الأشغال اليدوية كوني ناشطة في هذا المجال، وذلك من خلال إبر الصنوبر وأشياء مهملة لا تخطر على البال، مثل قشور العرانيس والأغصان وأسلاك النحاس وغيرها، ولذلك أنحني تقديراً للسيدة نظمية وكل سيدة تعمل على إعانة أسرتها من خلال العمل.