انطلاقاً من الظروف المعيشية وتجسيداً للتكافل الاجتماعي، أطلق المجتمع الأهلي في قرية "قنوات" مبادرة للتأمين الصحي تشمل كافة فئات المجتمع، وتسهم في تنمية الواقع الاجتماعي والصحي، من خلال إجراء العمليات الإسعافية الخاصة بأمراض القلب والعظمية، وباشتراك رمزي شهري لكل دفتر عائلة، على أن يقدم الدعم للمستحق وفق معايير تقررها اللجنة الصحية، والأهم اعتبار الدعم استحقاقاً وليس مساعدة.

طبيعة المبادرة

ولدت فكرة المبادرة من منزل أحد المساهمين في قرية "قنوات"، وذلك مع انطلاقة اليوم الأول من العام الجاري.

عن هذه المبادرة يقول الشيخ "مهران جزان" الوجه الاجتماعي ورئيس المبادرة لموقع مدونة وطن eSyria: إن المبادرة تعد واحدة من أهم المبادرات الإنسانية الخيرية التي تحمل في مضمونها شعور المريض أو المستحق بتكافل أهل قريته معه، وهو يساهم مع مرضى قريته لاشتراكه فيها.

الشيخ مهران جزان

ويضيف: "العامل الآخر السرية في منح الاستحقاق، والمفاجئ كان الاندفاع الإنساني والخيري من الإخوة المغتربين الذين ما إن علموا بطبيعة المبادرة حتى تداعوا لتقديم الدعم المادي بشكل جعل حس المسؤولية يتضاعف لتنامي العمل".

وينوه الشيخ "جزان" بأن هذا العمل منح قرية "قنوات" خصوصية في الاكتفاء الذاتي لمساعدة مرضاها، فطرح الفكرة وانطلاق تنفيذها لم يتجاوزا ساعتين، إذ تم تشكيل مجلس الإدارة من عائلات القرية وانطلق العمل، وخلال ستة أشهر حققت المبادرة حضوراً وقبولاً في المجتمع.

الدكنور ادهم خير

الرؤية الصحية

فواز زين الدين

بدوره يبين الدكتور "أدهم خير" أحد المؤسسين أن المبادرة اتسمت بطابع التكافل الاجتماعي الصحي، وهي تهدف إلى تحويل التبرع إلى استحقاق "لحفظ ماء وجه المستحق اجتماعياً"، وثانياً تكوين عقل جمعي تعاوني تخرج من الطبيعة الفردية بالتضامن والتكافل نحو العمل الجماعي، الأمر الذي دفع باللجنة المؤسسة لوضع نظام داخلي يتضمن كل حالة طبية تخضع لتقرير طبي وتحديد الكلفة المالية، وتقييم حالة المريض اجتماعياً ومدى الاستحقاق، إضافة للحالة الصحية بنسبة مئوية، بغية إيصال الدعم لأكبر شريحة ممكنة.

الهدف الأسمى حسبما يشرح الدكتور "خير" هو اعتبار المبلغ المقدم استحقاقاً وليس تبرعاً ليشابه طبيعة التأمين الصحي الاجتماعي، وأيضاً حصر الدعم لعمليات القلب والعظمية لكلفتهما المرتفعة في تأمين الشبكات أو صمام وكذلك للصفائح العظمية، وهي باهظة القيمة المالية بالمشافي سواء العامة أو الخاصة.

سير العمل

أمين سر المبادرة "فواز زين الدين" يتحدث بإسهاب أكبر عن طبيعة العمل ويقول: "في لحظة خروج الفكرة إلى التطبيق، تم تشكيل مجلس إدارة مكون من تسعة أشخاص، برصيد مالي بلغ سبع ملايين ليرة، وبرؤية تنموية تهدف إلى تحويل العمل من استحقاق إلى تأمين اجتماعي صحي، والاستراتيجية المستقبلية تتضمن السعي نحو التأمين الأشمل من الصحة".

ويشير "زين الدين" إلى أن منطلقات الصندوق تركزت على المساعدات الصحية الطبية المحصورة في أمراض القلب والعظمية، وتكمن أهميتها بالتكاليف الباهظة، والأمر الآخر العمليات التي تهدد الحياة أو العجز والتي لا يقل نسبتها عن 40 بالمئة، لذلك تم خلال إعداد النظام الداخلي وضع اشتراك رمزي مقدار ألف ليرة سورية شهرياً، بحيث يصل الاشتراك إلى اثني عشر ألف ليرة سورية سنوياً لكل دفتر عائلة من أهالي قرية "قنوات"، والمستفيد عائلة المشترك المسجلة بدفتره، حيث قدرت وسطياً العائلة بخمسة أشخاص، وكثير من الداعمين رفضوا ذكر أسمائهم واكتفوا بلقب فاعل خير، حتى باتت ثقافة عند الداعمين.

ويوضح أمين الصندوق "سلامي الحلال" أن عدد المشتركين في المبادرة وصل إلى 1200 مشترك بمتوسط أفراد العائلة خمسة أشخاص، وبهذا يصبح عدد المستحقين ستة آلاف، والعدد في تزايد مستمر إذ في كل لقاء شهري خلال الأشهر الستة الماضية يدخل مشتركون جدد.

ويضيف "الحلال": تم إحداث هيئة عامة تضم عدداً من مندوبي العائلات، يملك كل مندوب سجلاً لعائلته يدون فيه مشتركي عائلته، كذلك بلغ عدد المستفيدين أكثر من عشرين مستحقاً بقيمة مالية تجاوزت 62 مليون ليرة سورية، وحالياً يوجد رصيد لغاية الشهر الجاري قيمته حوالي 56 مليون ليرة سورية.

استحقاق

من جهته يبين "أشرف زريفة" أحد المستفيدين أن هذه المبادرة هي واحدة من أهم المبادرات التكافلية التي قام بها متطوعو القرية، فهي تعكس القيمة الحقيقة لعمل الخير وتسهم في رسم البسمة والبهجة في نفس المريض، الذي لن يشعر أنه محرج في استحقاقه المالي لاشتراكه، والأهم أن مجلس الإدارة ينشر ثقافة أن الدعم هو استحقاق وتأمين صحي اجتماعي.

ويقول: "حين علم مجلس الإدارة بما تعرضت له من وضع صحي، بادروا بتقديم الدعم بعد التأكد من التقرير الطبي المعتمد وتحديد الكلفة، الأمر الذي عكس عندي الشعور النفسي والاجتماعي بالراحة والسرعة في الشفاء، ولم يلحظ أحد من المستحقين على أعضاء مجلس الإدارة أي امتعاض بالعمل بل التفاني والإخلاص".