ترك الفنان الراحل "أحمد السيد" إرثاً فنيًاً غنياً يُخلد ذكراه في قلوب محبيه، وتُعد أعماله الفنية شهادة على موهبته وتميزه، وهو الذي برز إبداعه في كتابة العديد من المسلسلات الإذاعية والمسرحيات، ووصفته نقابة الفنانين في نعيها بـ "الفنان القدير والممثل الموهوب والكاتب المبدع".

السيرة الذاتية

ولد الكاتب والممثل "أحمد السيد" عام ١٩٥٤ في قرية "سحم الجولان"، وعاش في دمشق ودرس فيها كل مراحل الدراسة والجامعة، وهو عضو في نقابة الفنانين منذ الثمانينات وله خمسة أبناء.

كان الراحل مشبعاً بحب الفن والمسرح منذ طفولته، وشكل فرقة مسرحية أثناء دراسته الجامعية باسم معاهد دمشق، وعمل في المسرح العسكري والقومي وعاصر فنانين كباراً أمثال (محمود جبر ومنى واصف وأديب شحادة ومحمد الشماط) ودخل مرحلة الاحتراف الفني ونال عضوية نقابة الفنانين سنة 1984، حيث بدأ مرحلة مهمة في مسيرته بمواجهة مباشرة بينه وبين نجوم الفن بالبلد.

الراحل مع صديقه وزميله أوجا أبو الذهب

مع الناس

الراحل السيد مع المخرج باسل يوسف

يقول صديقه وزميل مسيرته الشخصية والفنية الفنان "أوجا أبو الذهب" لمدونة وطن: إن الراحل كان ينبوعاً للحكايا والقصص الدرامية المتميزة والشفافة والإنسانية، إذ تميز بعطاء ينبض بالحياة والشغف، خلوق ومحب للجميع قلمه غزير لا ينضب، وهو عاشق مخلص لوطنه وكان دائما يقول عندما نحقق أعمالاً متميزة في الدراما العربية علينا ألا ننسى جذورنا السورية وهويتنا الأصلية التي احتضنتنا وفتحت لنا أبواب الشهرة والانتشار.

ويضيف "أبو الذهب": "صداقتي مع الراحل بدأت من عام 1976 ومشينا مسيرة الحياة معاً، حيث كوّنا صداقة عمل وعائلة، فالراحل كان ملتصقاً بعائلته عطوفاً متسامحاً متعاوناً، كما عرفته مكافحاً كريماً وصادقاً، وكان معروفاً عنه عدم ميله إلى الاهتمام "بالأضواء والشهرة" بقدر اتجاهه لاختيار ما يُناسب شخصيته وحضورها، فخلال قرابة الـ 40 عاماً قضاها الفنان والكاتب في مسيرة فنية ودرامية تلفزيونية وإذاعية اعتنى فيها بهموم الناس واهتماماتهم كمؤلف لبعض الأعمال الدرامية الشهيرة وكممثل في العديد من الأعمال المسرحية والتلفزيونية والإذاعية".

الفنان الراحل أحمد السيد أثناء العمل

في التلفزيون

كتب مسرحية "أحلام مختومة بالشمع الأحمر" التي أعجب بها المرحوم الفنان "محمد الحريري" كما يوضح "ابو الذهب"،حيث اقترح عليه "الحريري" عرضها على الفنان "دريد لحام" والذي أشار عليه أن يحول نص المسرحية لعمل تلفزيوني بنفس الشخصية والأحداث، لأنه لن يعود للمسرح فكان مسلسل "عودة غوار" ما فتح أمامه أبواباً أوسع.

شارك الراحل كممثل في العديد من الأعمال التلفزيونية المهمة خلال مسيرته الفنية، بينها: "باب الحارة، دقيقة صمت، الولادة من الخاصرة، أبو المفهومية، مسافة أمان، الفصول الأربعة، الحب كله، أبو جانتي، صراع الزمن" وغيرها.

ويضيف "ابو الذهب": إن الراحل كان أول من كتب اللوحات التلفزيونية القصيرة بقصة كاملة، إضافة لعمله ككاتب، وقدم العديد من الأدوار التلفزيونية لكنه كان يجد نفسه أكثر في الكتابة وبقي متواجداً كممثل في بعض الأعمال وكانت تستهويه جداَ الأدوار في المسلسلات التاريخية وباللغة الفصحى.

عشق الإذاعة

يشير "أبو الذهب" في حديث للمدونة عن مرحلة الدراما الإذاعية، وكيف دخلها الراحل "السيد"، وكان ذلك أثناء جلسة حوارية في نقابة الفنانين بحضور الفنانة "ثراء دبسي" التي عرضت عليه كتابة برنامج حزورة رمضان والذي كان يخرجه "زياد مولوي" من ثم استملته الفنانة "ثراء دبسي". وعند سمع البرنامج أخبرها أنه سيكتبه بطريقته الخاصة وبالفعل سجل العمل وتم بثه.

وهكذا أصبح العمل الإذاعي هوساً للفنان الراحل، وعندما كان الإعلامي "جمال الجيش" مديراً لدائرة التمثيليات في الإذاعة، طلب منه أن يكتب برنامجاً وصفه بالروحاني، ووافق الكاتب فكان "محكمة الضمير" الذي وصل إلى الحلقة 630 واستمر 17 عاما وتعامل مع كبار الفنانين والمخرجين مثل (نذير عقيل وفهمي البكار ورفيق السبيعي وطلحت حمدي وعدنان بركات وياسين بقوش ومحمد غزاوي وأحمد جنيد وأحمد فراج وحسن حناوي وباسل يوسف وفراس عباس ومظهر الحكيم) .

ويتابع أبو الذهب حديثه بالقول: "كان الراحل أول من قدم المونودراما الإذاعية، وكتب العديد من التمثيليات والبرامج الإذاعية كان من أبطالها قامات كبيرة كالفنان رفيق سبيعي إضافة لكتابة أغان مختلفة وكانت آخر أعماله الإذاعية مسلسل "قصص الأنبياء" وفي رصيده بأرشيف الدراما الإذاعية ما ينوف عن الثلاثة آلاف ساعة دراما.

نال العديد من الجوائز والتكريمات في سورية والوطن العربية في مهرجانات عربية ودولية منها خمس ذهبيات.

قاضي محكمة الضمير

كان الراحل حاضراً دائما في أروقة الدراما الإذاعية بحديثه الثري وابتسامته اللطيفة وذهنه المتقد، كما يصفه الأستاذ "باسل يوسف" رئيس دائرة الدراما الإذاعية في الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون.

ويضيف: "كان الراحل يستقي شخصياته من الناس ويجسد همومهم وتطلعاتهم وأملهم بالغد الأجمل، وكان له حكاية عشق للدراما الإذاعية وهو الذي لم يفارقها طيلة 25 عاماً، كتب فيها آلاف الساعات والتي تنوعت بين الوطني والاجتماعي والديني، فلم يخلُ موسم رمضاني من عمل تزين شارته باسمه، ومن أبرز ما قدم (مسحر رمضان) وآخر ماقدم مسلسل (قصص الأنبياء)، كما تعاون مع فنان الشعب "رفيق سبيعي" في يوميات (قعود لنتفاهم) والتي تجاوزت حلقاته الألف حلقة، أما عن المحطة الأبرز في حياته الدرامية فكانت مع برنامج "محكمة الضمير" قدم 630 حلقة، حاكم من خلالها قضايا اجتماعية وقفت أمام الضمير لتنال حكمه العادل فيها.. ومن أهم أعماله الإذاعية (قابيل وهابيل ورسائل تشرينية والحال من بعضو وحب في خريف العمر وياسمين الشام و حارة الأكابر ورمضانيات) وتزخر مكتبة الإذاعة السورية بمئات الأعمال وآلاف الساعات الدرامية له.

توفي الممثل والكاتب أحمد السيد صباح يوم الأحد 14/7/2024 عن عمر 70 عامًا، في أحد مشافي العاصمة دمشق، نتيجة مضاعفات عمل جراحي خضع له قبل أشهر، ونعته نقابة الفنانين السوريين، فرع دمشق عبر صفحتها الرسمية على موقع فيسبوك.