دفعت أزمة الغاز التي لا تنتهي أهالي ريف السويداء لنفض غبار الزمن عن بوابير الكاز المخبأةِ في مستودعاتهم، ليعود صوت هديرها الذي كاد أن يغيبه الزمن، إذ دفعت الحاجة الأهالي وبعض أصحاب الفعاليات كالمطاعم والمقاهي والمنشآت الحرفية والصناعية إلى إحيائه من جديد.
الأيام الخوالي
تعود السيدة "أم طلال مقلد" بذاكرتها إلى أربعين عاماً خلت، حيث كان صوت هدير بوابير الكاز حينها يصدح على أيادي الأمهات، مستذكرة الأيام الخوالي، التي جمعت عند أهلها البساطة والطيبة والكرم.
تقول "أم طلال": "ما أشبه الماضي بالحاضر، وإن اختلفت الوجوه واستخدامات هذه الآلة، فبالماضي البعيد كان بابور الكاز من أساسيات المطبخ، ورغم أن الزمن طواه لعقود وأبعده عن حيز الاستخدام، إلا أن عدم توافر بدائل أخرى، ولا سيما الغاز أعاده إلينا بخجلٍ كبديلٍ مؤقت عن هذه المادة، ليذكرنا بماضِ لم يزل يسكن ذاكرتنا ويستوطن قلوبنا، فهنا صنعت أمهاتنا مادة رب البندورة المنزلية، وهناك حضّرن منسفاً للضيوف.. أمكنة بتنا نستذكرها ونحنّ إليها، بعدما كنا نترحم عليها لمجرد مرورنا بجانبها".
حاجة أساسية
بدوره يشير الحرفي "عاطف الأوس " إلى أن الأيام الصعبة التي نمر بها، أرغمتنا لنعيد تقليب صفحات دفاتر آبائنا وأجدادنا، التي تركها لنا جيل الثلاثينيات والأربعينيات، مسترجعين قراءتها من جديد، باحثين في داخلها عن حلٍّ لمشكلاتنا مع حوامل الطاقة، فكان بابور الكاز أول تلك الحلول المدونة على هذه الصفحات، وكأنهم كانوا على دراية تامة أنه سيأتي يوم ونعود إلى ذاكرة الزمن الجميل وننبش في تفاصيل حياتهم المنسية".
ويضيف "الأوس": إن العودة إلى استخدام بابور الكاز بعد غياب طويل مردها إلى تأخر وصول رسالة استلام أسطوانة الغاز المنزلي، إلا أن المشكلة التي أضحت تعترضهم بعد أن أعادوا لهذه البوابير ألقها، هي عدم توافر مادة الكاز بشكلٍ دائم، وإن توافرت فسعرها مرتفع ويصل إلى 25 ألف ليرة لليتر الواحد، ما يضطرهم لتشغيله على مادة المازوت مخلوطاً بقليل من البنزين".
ويبين الحرفي أنه يملك منشأة لتصنيع الألبان والأجبان، وقد اضطر أمام عدم توافر مادة الغاز، لاستخدام البابور في تسخين الحليب، حتى بات من أساسيات منشأته، التي كادت تتوقف في يوم من الأيام بسبب تأخر استلام أسطوانة الغاز، وبالرغم من الحاجة الماسة له، إلا أن استخداماته أضحت تحمل بين طياتها الكثير من الأضرار لمستخدميه، بسبب الدخان ورائحة المازوت المنبعثين منه.
تكاليف باهظة
الحاجة إلى البوابير دفعت الكثيرين من الأهالي لإصلاح القديمة لديهم وصيانتها من جديد، كون البوابير الجديدة تشهد ارتفاعاً كبيراً في الأسعار وتتراوح بين 180 ألفاً للبابور قياس صغير، ومليون ليرة للبابور من القياس الكبير، وذلك لارتفاع أسعار النحاس وزيادة الإقبال عليها.
وفي هذا السياق، يقول أحد مصلحي بوابير الكاز "رفيق أبو نجم": إن البوابير لم تعد من منسيات الماضي، فذكريات الآباء والأجداد، باتت تسترجع من جديد على أيدي الأبناء والأحفاد، فالكثير من الأسر يلجؤون لإصلاح البوابير القديمة، حيث زادت بنسبة 50% عن السنين الماضية.
ويبين أن أغلب أعطال هذه البوابير تكمن في انسداد البواري، جراء إقدام الأهالي على استخدام المازوت بدلاً من الكاز لتشغيله، مؤكداً ضرورة أخذ الحيطة والحذر من مستخدمي هذه البوابير، من خلال التأكد من سلامتها قبل استخدامها، والانتباه إلى عدم وجود ثقوب في الخزان يتسرب منها الكاز أو المازوت، وتجنّب خلط المازوت مع البنزين، كون نتيجتها ستؤدي إلى انفجار البابور.