تشكل بحيرة طبريا بأهميتها التاريخية والمائية والسياحية وموقعها الجغرافي نقطة جذب هامة فقد تعاقبت عليها الحضارات القديمة، وأصبحت ملهماً فكرياً وشعرياً للكثير من الفنانين والأدباء والمثقفين في كتاباتهم وإبداعاتهم.
أهمية الموقع
تقع بحيرة طبريا بين الجليل في شمال فلسطين والجولان السوري المحتل، وذلك على الجزء الشمالي من مسار نهر الأردن، إذ تُحيط بالبحيرة تلالٌ من كلّ الجوانب؛ فمن الغرب يقع جبل أربيل، ومن الشرق يحيط بها الجولان.
وتتميز بحيرة طبريا بوجود العديد من الينابيع المعدنيّة التي تُغذِّيها.
ويوضح الباحث والموجه الاختصاصي في مادة الجغرافيا بتربية القنيطرة "خالد الموسى" في حديثه لمدونة وطن أن طول سواحل البحيرة يبلغ / 53 / كم ومساحتها / 166/ كم مربع، وأقصى عمق فيها يصل الى /46/ متراً، وتنخفض عن سطح البحر 212م، حيُث تُعتبر البحيرة ثاني أخفض بحيرة في العالم بعد البحر الميت.
من الجدير بالذكر أنّه أطلق عليها العديد من الأسماء الأخرى، مثل: بحيرة "جينيسارت" ، وبحر "جينوسار".
ويتابع الموسى حديثه: "تتغذى البحيرة من قمة جبل الشيخ الثلجية البيضاء، عبر مجموعة من الينابيع لتكوّن ما يعرف بنهر الأردن الذي يخترق البحيرة ويخرج منها باتجاه مساير للحدود الأردنية والفلسطينية ليصب أخيراً في البحر الميت".
كانت منطقة البحيرة - حسب قول الموسى - مَحلّ استقرار الإنسان الأوّل، فقد ساعدت السهول المُحيطة بها وتربتها الخصبة، والمناخ المُعتدل، ووَفرة المياه على أن تكون مصدراً للرزق لمُختلف الشعوب على مرّ العصور.
ومن الناحية الاقتصاديّة تُشكِّل بحيرة طبريّا خزاناً كبيراً للمياه في منطقة تُعاني من شُحِّ مصادر المياه، كما تشتهرُ بأنَّها منطقة سياحيّة مُميَّزة.
معالم اثرية
ويبين"الموسى" أن منطقة البحيرة غنية بالمعالم الأثريّة حيث كشفت بعض الرواسب التي تعود إلى الفترة ما قبل بين 400 ألف إلى 500 ألف عام تقريباً عن أدوات ما قبل التاريخ، إضافة إلى اكتشاف هياكل كنعانيّة تعود إلى الفترة ما بين 1000 و2000 قبل الميلاد، وكما تتميز بحيرة طبريا بكونها مقصداً سياحياً بارزاً وذلك للاعتقاد السائد في مرور اليسوع من هذه المنطقة، فتُعتبر بذلك مكاناً مهماً للمرور فيه وتتبع خطى اليسوع.
بدوره مدير الآثار بالقنيطرة "فارس الصفدي" يقول: إن للبحيرة أهمية تاريخية وأثرية، حيث تقع على ضفتها الشرقية قرى (النقيب والكرسي والدوكا والمسعدية)، وهي ذات قيمة أثرية من أهمها قرية (الكرسي) والتي يوجد فيها كنائس وأديرة أثرية، حيث إن هذه المواقع لها مكانة قدسية في الموروث المسيحي مثل (بيت صيدا وكفر ناحوم) والتي زارها السيد المسيح وقدم فيها معجزات معروفة.
مَن جهته يكشف أستاذ التاريخ "محمد الحسين" من أصل فلسطيني (قضاء صفد في فلسطين عام 1950)، ويسكن حالياً في مخيم سبينة، أن تسمية البحيرة حسب الرواة تعود لأصل روماني مشتق من اسم القيصر الروماني طيباريوس، وقد سميت البحيرة على اسمه في عام 17 ميلادي، لافتاً الى أن مدينة طبريا تزخر حتى اليوم بآثار عمرانية كثيرة تعكس تعاقب الغزاة والحضارات عليها منذ الفينيقيين والرومان والبيزنطيين وحتى الفتوحات العربية الإسلامية إلى العثمانية، وقد شكلت أحد مراكز الصليبيين إلى أن هزموا في معركة حطين عام 1187 على بعد كيلومترات قليلة غرباً.
ويوضح "الحسين" أن العدو الاسرائيلي الغاصب قام بسرقة مياه البحيرة ونقلها إلى مستوطناته داخل الجولان وفلسطين المحتلين، وهذا ما أدى إلى استنزاف مياهها بشكل واضح وانخفاض كبير في مياهها المغذية للبحر الميت.
مصدر مائي ضخم
أما عن أهميتها المائية فيقول الباحث الدكتور "عرسان عرسان" مدير الموارد المائية بمحافظة القنيطرة سابقاً: إن بحيرة طبريا تعتبر خزاناً مائياً طبيعياً بالمنطقة، وكما هو معروف فإن البحيرة شريان مائي ضخم للجولان وفلسطين والأردن، وهناك العديد من الأودية المائية في الجولان المحتل التي تصب فيها، ابتداء من الجنوب، حيث وادي الخياطة الذي يبدأ من غرب قرية غزيل ووادي المندسة الذي يبدأ من غرب قرية الحسينية، وإلى الشمال من الجولان هناك وادي شقيف الذي يبدأ من قطوع الشيخ علي، ويمر بقرية الدوكة ليصب في البحيرة، ووادي السماط الذي يبدأ من قرية الدوكا ثم بحيرة طبريا، ووادي المراوي الذي يبدأ من جنوب قرية القصيبة ويرفد وادي حواء، وهناك وادي جرمايا الذي يبدأ من قرية جرمايا ويسير غرباً، ليأخذ اسم وادي الدالية ثم يغير مجراه ليصبح اسمه وادي زبيد ويصب في البحيرة.
ويؤكد الباحث أن هناك وادي زويتينان الذي يبدأ من قصرين فالقصيبة فالشيخ حسين فاليعربية ويرفد وادي حواء، أما وادي بترا حسب قوله فهو يتشكل من التقاء عدد من المسيلات تبدأ من مسيل وادي النخيلة ووادي زيتة ليصب في بحيرة "طبريا"، يليه وادي زيتة الذي يتشكل من التقاء عدد من الأودية أهمها مسيل القلق الشمالي، حيث يلتقي بـمسيل القلق الجنوبي ووادي جرمايا ووادي سنديانة، لينتهي وادي زيتة في البحيرة.
ويشير "عرسان" إلى أن وادي دير عزيز أيضاً يبدأ من عين القصبية على بعد /1.5/ كم جنوب قرية جرمايا وعلى ارتفاع /390/ م وينحدر نحو الجنوب الغربي ليعبر قرية دير عزيز حاملاً اسمها، ثم ينخفض إلى دون مستوى سطح البحر ويصبح اسمه وادي الزعتر ويصب فيها، فيما يقع وادي الزيتون إلى الغرب من مدينة "فيق" ويدعى المجرى الأدنى منه وادي "النقيب ويصب فيها أيضا.
ويذكر "عرسان" وادي حواء الذي يبدأ من الجنوب الغربي للقنيطرة على ارتفاع /750/ م، وترفده مياه عين السمسم وقرية نعران، وتزداد غزارته من جراء رفده بعدة أودية غرب قرية الفاخورة التي ترتفع /600/ م، ويتابع مجراه ليصب في بحيرة طبريا.
ويلفت عرسان إلى أهمية وادي السمك أيضا باعتباره أكثر أودية الجولان جرياناً، فهو آخر رافد لبحيرة طبريا، حيث يبدأ من غرب قرية البجورية على ارتفاع /430/ متراً، ثم يلتقي بوادي الدفيلة على ارتفاع /25/ م وينحدر ليصب في بحيرة طبريا عند قرية الكرسي منخفضاً/212/ م عن سطح البحر. وهناك مجموعة أخرى من الأودية، مثل وادي الهوا ووادي "الصفا ووادي الديلية ووادي "الشيخ علي" هذه الوديان تصب في بحيرة البطيحة" وتنتهي في بحيرة طبريا.
جمال طبيعي
وعن جمال الطبيعة للمناطق المحيطة بالبحيرة يشير الحاج "عمر عبد الرحيم العلي" تولد 1948 من قرية شقيف القريبة من بحيرة طبريا، إلى أن البحيرة تتخذ شكلاً دائرياً يشبه حبة الإجاص، حيث رأسها في الجنوب وقاعدتها في الشمال، وبتوصيفها كانت البحيرة ترى من تلال وسفوح الجولان المرتفعة، وكأنها مرسومة على الورق، فيها من المتعة للمشاهدة وقرة العين ما يبهج الفؤاد.
ويضيف: "كانت البحيرة قبل نزوح السوريين والفلسطينيين"، مصدراً هاماً للثروة السمكية، وخاصة سمك السردين والمشط الطبراني المعروف أيضاً باسم سمك القديس بطرس، والذي يفضل العيش في الجزء الجنوبي لأنه الأدفأ".
بدوره، يوضح " تركي الحسين" مختار الحسينية من قرية وادي السمك بالجولان المحتل، أن البحيرة تبعد عن قريته نحو 15 كيلو متراً، وتفصلها التلال والمنخفضات للوصول إلى البحيرة، ليشكل جريان الأودية الأخرى ومعها وادي السمك التي تصب في بحيرة طبريا مساراً آخر، مشيراً إلى انخفاض منسوب مياهها نتيجة اغتصاب العدو الإسرائيلي واستجراره المياه لمنشآته ومستوطناته.
إلهام للشعراء
وفضلاً عن أهميتها السياحية والمائية، فقد شكلت البحيرة مصدر إلهام للمفكرين والأدباء والمبدعين، حسبما يذكر الأستاذ "محمد الحسين"، حيث استلهموا أفكارهم منها فأفرزت مبدعين حقيقين، وأنجبت العديد من الفنانين والأدباء والشعراء، فكان منهم النحات السوري "فيصل ذياب" من قرية المسعدية القريبة من البحيرة، وكذلك الكاتب الروائي الفلسطيني "عدنان عمامة"، والشاعر "فواز عيد" ، والكاتب "يحيى يخلف"، وهناك الكثيرون من الذين ولدوا بجانب شاطئ "طبريا وأصبحوا مبدعين وأثروا بتجاربهم الأدبية..