في أزمانٍ وحقبٍ بعيدة مضت شكل وادي "الغار" العنصر المؤسس للتجمع السكاني لقرية سيع في ريف السويداء، والتي تعود إلى الألف الأول قبل الميلاد، وفيها تأسست حضارات ما زالت تتهامس أحاديث الصباح مع شريان حياتها (وادي الغار)، والذي ما زال الحارس الأمين لتلك الأوابد التي خلت من قاطنيها الأقدمين.
التاريخ بين يديك
يشير الباحث الأثري الدكتور "نشأت كيوان" في حديثه لمدونة وطن eSyria" إلى أن وادي الغار الذي ولد منذ نحو ألفي عام، جاء معانقاً لقرية سيع من جهتها الشرقية؛ ليلقي على قاطني تلك المنطقة تحية الصباح، ويطفئ ظمأهم ويروي زرعهم، ويغادرها مودعاً إياها مكملاً طريقه إلى الأم الكبرى ألا وهي قنوات، ولينتهي به المطاف إلى إحدى البرك الرومانية التي أوجدها قاطنو منطقة سيع، وما زالت تشكل هي والوادي توأماً روحياً. وعلى سفح هذا الوادي تتربع قرية سيع الغنية بمعالمها الأثرية والدينية، فعلى أرضها يوجد معبد بعل شمين.
ويضيف: "على الكتف الأيمن لمعبد بعل شمين يتكئ معبد ذو الشرى (ديونيسيوس )، أو ما يسمى آله الخمر وربما الآلهة اللات-أثينا، ومن يغادر هذين المعبدي، سيكون على موعد مع مجمع المعابد الذي يعد من أهم المراكز الدينية وحتى السياسية، فهو الراعي للحكام وصوتهم الصادح في ذلك الزمان، وفيه أوابد الآلهة ميترا "إله النور الفارسي"، حيث عثر على لوحتين من البازلت تحكيان أسطورة هذا الآلهة".
ويشير كيوان" إلى أن سيع تحتضن كل أنواع الحضارة والفنون التي تنم عن فكر ثقافي متنوع ومتنور لسكان الموقع في الفترة النبطية والعصرين الروماني والبيزنطي، هذه الحضارة تمت إشادتها بأيادٍ ماهرة متمرسة بفن العمارة، وهندسة العمائر الدينية والمدنية، والناظر لقرية سيع من جارتها قنوات سيقرأ وعبر طرقاتها ومعابرها الأثرية، أنها كانت مكاناً لرحلات الحج الديني للقبائل البدوية والحضر إلى ذلك المكان المشبع بالقداسة، وما طريق سيع - السويداء المبلط قديماً الا أكبر شاهد على ذلك.
ذاكرة سيع المائية
بدورها تشير "نجاة الرافع" أمين متحف شهبا إلى فنون سكان القرية القدماء، والذين عملوا وبهدف الاستفادة من المياه المنسابة من تلة القرية المرتفعة، إلى تنظيم جريان المياه وعدم هدرها، فكان وادي الغار هو المستقطب الأكبر لهذه المياه، إلا أن الأهالي لم يتوقفوا عند الوادي بل ذهبوا إلى حفر المزيد من الآبار والخزانات الصغيرة في بيوتهم، ما أدى إلى تحقيق معادلة العيش المستدام في هذه القرية منذ أكثر من ألفي عام مضت، ومن يزور قرية سيع سيلحظ أن التاريخ له ألف شفة وألف لسان، فأينما اتجهنا نقرأه ونترحم على أيام مضت".
وتوضح "الرافع" أن الأعمال التنقبية التي أجريت في منطقة سيع أظهرت تاريخها المدفون بين بواطن هذه الأرض منذ آلاف السنين، ولا سيما بعد أن اكتشف على أرضها رواق مكرس للإله بعل شمين، ومذابح أثرية غاية في الروعة والجمال، إضافة لمباخر وزخارف محفورة بالبازلت ذات عناصر هندسية متقنة النحت، كما نفضت البعثة غبار الزمن عن مجموعة من المعابد الذي يعود تأسيسها الى الفترة النبطية، من أهمها معابد ذو الشراة، وباحة رومانية تمتد من البوابة الرومانية للموقع شرقاً وحتى البوابة النبطية غرباً كما تم العثور على نقشين أحدهما إغريقي والآخر نبطي".