على مبدأ "علمني الصيد بدلاً من أن تطعمني سمكة"، تعمل المؤسسات الحكومية في محافظة حماة وبالتعاون مع المجتمع المحلي على إطلاق مشاريع تنموية مدرة للدخل تحقق استثماراً أفضل للموارد البشرية والطبيعية في المنطقة، ما يسهم في زيادة الإنتاج ويحسن مستوى معيشة الفرد والأسرة، إضافة إلى توفير فرص عمل وتأمين مصادر دخل ثابتة مستدامة.
وفي هذا السياق أطلقت وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي مشروعاً تنموياً في قرية "قطرة الريحان" في ريف محافظة حماة الغربي، أطلقت عليه تسمية "مشروع القرية النموذجية".
"معاً نبني حلماً"
حول هذا المشروع بينت مديرة التنمية الريفية في وزارة الزراعة، المهندسة "رائدة أيوب" في حديثها لمدونة وطن، أن التنمية الريفية كانت أحد المحاور الرئيسية التي تمت معالجتها في الملتقى الزراعي الأول، الذي انعقد تحت شعار "نحو اقتصاد زراعي تنموي وتنافسي" عام 2021، وصدرت عنه جملة من البرامج التي تمت ترجمتها إلى مشاريع تنفيذية، منها مبادرة "معاً نبني حلماً" وتعتبر أحد المشاريع التطبيقية التي تمخض عنها الملتقى.
وتشير "أيوب" إلى أن البرامج السابقة للتنمية الريفية كانت أحادية الجانب، منها ما ركز على التنمية الزراعية فقط، ومنها على التنمية الاجتماعية، والبعض الآخر على الخدمات في المناطق الريفية، مثل الصحة والتعليم ..... الخ، ولم يكن هناك برامج تناولت التنمية الريفية من منظور متكامل لكل الجوانب المجتمعية.
وتضيف: إن البرامج السابقة للتنمية الريفية قامت بتنفيذها جهة واحدة، ولم يكن هناك شراكات مع الجهات المعنية بالتنمية، سواء جهات رسمية أو اتحادات أو منظمات .... الخ، كما أن تلك البرامج غالباً ما كان اقتراح تنفيذها وتقويمها يتم مركزياً من الجهة المنفذة لها، بمعزل عن التشاركية مع أبناء المجتمع المحلي، ما استوجب إطلاق مبادرة "معاً نبني حلماً" لتراعي التكامل بكافة مكونات التنمية من جهة، والشراكة بين كل الجهات ذات الصلة بالتنمية، إضافة الى التشاركية بالتصميم والتنفيذ والتقييم مع أبناء المجتمع المحلي.
وعن خصوصية المشروع تقول "أيوب": "هي منهجية عمل لتحقيق تنمية متعددة الأبعاد تتوخى تغيراً إيجابياً كلياً في كافة مناحي الحياة الريفية ومتكاملة في عناصرها، حيث تشكل مخرجات النشاط الواحد مدخلات لنشاطات أخرى تغذي بعضها بعضاً عن طريق تساندها الوظيفي وروابطها التكاملية، من القرى القادرة على تنمية نفسها للتخفيف من أبعاد الفقر المتعدد فيها، وهذه هي مبررات انطلاق المبادرة في قرية "قطرة الريحان"، حيث تم ترشيح خمس قرى لتكون النموذج الأول لتطبيق مبادرة "معاً نبني حلما"، وبعد المفاضلة بينها تم اختيار قرية قطرة الريحان، التي تعتبر مورداً اقتصادياً وزراعياً وسياحياً خصباً مع تنوع الموارد البشرية، ويمكن أن تكون حاضنة النماذج التنموية للمبادرة".
نحو حياة أفضل
وتبين مديرة التنمية الريفية أن الهدف هو تطبيق نموذج تنموي متكامل وشامل، وتحسين نوعية حياة السكان والاستمرار بذلك، وتحسين واقع القرى تنموياً، وزيادة تفعيل مشاركة السكان المحليين في التنمية الريفية، وتعزيز الشراكة الفعالة بين كل الجهات ذات الصلة بالتنمية الريفية، لتقديم مدخلات تنموية متوازنة ومتوازية.
وعن مراحل العمل في مشروع القرية، تؤكد المهندسة "أيوب"، أن البداية كانت من مرحلة التهيئة والتمهيد، وتضمنت التواصل مع أهالي "قطرة الريحان" وتحفيزهم ومشاركتهم بكل مراحل العمل، وبناء نواة التنظيم المجتمعي (لجنة التنمية المحلية)، وتم التعرف على واقع القرية من ناحية الموارد الطبيعية (الوضع المائي، وضع التربة استعمالات الأراضي الوضع الحراجي، الجفاف والتغيرات المناخية)، ومن ثم دراسة واقع السكان من الناحية الديموغرافية والاقتصادية والتعليمية والخدمية والبنية التحتية، ودراسة القطاع الاقتصادي في القرية من حيث واقع القطاع الزراعي بشقيه النباتي والحيواني، وواقع القطاع الاقتصادي غير الزراعي (صناعة – تجارة – سياحة ...الخ)، بعد ذلك تم وضع مصفوفة المشكلات التنموية في قرية قطرة الريحان، ووضع مصفوفة الخطة النهائية لتنمية القرية.
مشاريع أسرية
بدأ المشروع حسبما توضح "أيوب" بتجهيز مكان وحدة التنمية الريفية بالمساهمة مع الأهالي، والبدء بتمويل المشاريع الأسرية المدرة للدخل، حيث بلغ عدد المشاريع المنفذة ٤٣٩ مشروعاً موزعة على "المسامك المنزلية" 28 مستفيداً، وحدة التصنيع الغذائي 6 مستفيدين، سماد الفيرمي كمبوست مستفيد واحد، الشعير المستنبت 13مستفيداً، الصبار الأملس 19مستفيداً، الهاضم الحيوي اثنان، قروض بنك الإبداع والتميز 296 مستفيداً، الصندوق الدوار 71 مستفيداً، الفرامة الزراعية 3 مستفيدين.
وعن الجهات المشاركة في مشروع القرية النموذجية تشير إلى وجود عدة وزارات منها (الصحة، التربية، الادارة المحلية والبيئة، والموارد المائية) إضافة إلى القطاع الخاص والجمعيات الأهلية والاتحادات والمنظمات الشعبية والمحافظة وبعض المنظمات الدولية ذات الصلة بالتنمية والمجتمع المحلي.
جدول الأولويات
من جانبه، يوضح رئيس لجنة التنمية الريفية في "قطرة الريحان" "فادي سعيد" أن مشروع القرية النموذجية تجربة تنموية أقامتها وزارة الزراعة بعنوان "معاً نبني حلماً" لتنمية القرى الريفية، حيث تم تشكيل لجنة التنمية من المجتمع المحلي في القرية، وتم أولاً جمع بيانات عن القرية تتعلق بالأشخاص وأعمالهم، وكذلك الموارد الطبيعية في القرية من أراض زراعية وثروات، بعد ذلك تم تحديد الاحتياجات ووضع جدول أولويات لها، وذلك طبعاً بإشراف وزارة الزراعة والمنظمات الدولية، بهدف تأمين متطلبات البدء بالمشروع وتم تأمين الآليات اللازمة.
ويضيف "سعيد": "انطلق المشروع في القرية بعدة مشاريع مهمة، منها وحدة التصنيع الغذائي متعددة الاستخدامات، ومشروع الهاضم الحيوي بمساعدة من منظمة أكساد، ومشروع المطعم عبر القروض من بنك الإبداع والتميز ، حيث تجاوزت قيمة القروض ستة مليارات ليرة".
ويختم حديثه بالتأكيد على أن هذه المشاريع عادت بالنفع والفائدة على أهالي القرية، حيث نشطت الصناعة الغذائية وازدادت أعداد الثروة الحيوانية، وكذلك تحسنت أسعار العقارات.
مشروع اقتصادي بيئي
صاحب مشروع الهاضم الحيوي "هيثم سعيد" وهو أحد مشاريع القرية النموذجية، يشير إلى أن الهاضم الحيوي يعتمد على مخلفات البقر، حيث يتم مزجه مع الماء بنسبة 50% ومن ثم وضعه في الهاضم ومن خلال عملية التخمير يخرج الغاز بنسبة 3 جرات شهرياً، ويستخرج منه أيضاً سماد طبيعي يوضع للمزروعات، ومن الناحية البيئية يتم التخلص من فضلات الأبقار ويفيد المزروعات، وفوائده الاقتصادية كبيرة من ناحية توفير الغاز للمنزل، مع ملاحظة، أن الهاضم لم يعمل سوى شهر واحد فقط، بسبب سوء بنائه، وثمة وعود لإصلاحه ولكنها لم تنفذ حتى الآن، على حد قوله.