لا تقدم "الويكيبيديا" أي معلومات عن الفنان الراحل "بسام البيطار"، الفنان الذي كان يصدح صوته في كل مكان من جبال الساحل السوري وخاصة اللاذقية، ولكن من يستمع لأغانيه سوف يشعر أن ثمة تمازجاً بين صوته وبين أشجار الزيتون والسنديان والوديان والينابيع وصخور الجبال الشاقة، فالفنان الراحل الذي اشتهر بجملة "قولو الأوف" غادرنا منذ ثلاث سنوات وهو في قمة عطائه، وما تزال أغانيه حاضرة في لمة الأصدقاء وجمعة محبي العتابا والأغاني الشعبية الساحلية.

بركان العتابا

ما زال صوت الفنان "بسام البيطار" يصدح في آذان محبي التراث الغنائي الشعبي في سورية، رغم مرور ثلاثة أعوام على رحيله بعد صراعه مع المرض عن عمر لم يتجاوز خمسين عاماً.

"البيطار" الذي لقبه محبوه بملك وبركان العتابا، كان على مدى عشرين عاماً صاحب تجربة مميزة في الغناء الشعبي وحاول الكثير من مغني العتابا والنمط الجبلي تقليده وتقديم أغانيه في حفلاتهم، ولكن ظل صوتاً مميزاً في هذا المجال.

الر احل مع الفنان عادل خضور والشاعر الراحل أحمد شحادة

يقول "بشار العجوز" مدير أعمال الراحل وصديقه لمدونة وطن: "عملت معه منذ عام 2008 وحالياً أدير صفحة خاصة باسم محبي الفنان تضم 125 ألف متابع، وأعرض فيها كل أعماله وحفلاته وبعض الأغاني النادرة".

كان انتشار "البيطار" متواضعاً قياساً بصوته القوي والمتميز، ربما وحسب ما يشير "العجوز" كان ذلك بسبب عدم سعيه إلى الشهرة واهتمامه بها بقدر اهتمامه وإخلاصه لفنه الجميل، فكانت بداياته عام 1985 بحفلات مدارس وأصدقاء، وتميز بأغاني وعتابات (فؤاد غازي ومحمد أبو سلمو وسمير يزبك ووديع الصافي) وكان أول ألبوم رسمي له" الدنيا دوارة" كلمات الراحل "احمد شحادة" وألحان "ظافر جنيد".

الراحل مكرما في مهرجان الأغنية الشعبية

ويتابع "العجوز" حديثه بالقول: "انتشرت أغانيه ومواويله ذات الطابع الشعبي وسبقته على يد الكثير من المطربين السوريين، فغنوا له (عذاب الهوى وهاجر فوق الرعوشي وعاشق بنت البيك وطير البياديري وياحادي العيس ودي نامي ولا تسألوني)، وله أغنية واحدة مسجلة في التلفزيون اسمها الزلزال كلمات وألحان "أحمد شحادة" توزيع "صديق الدمشقي".

تكريمٌ مستحق

كرمت وزارة الثقافة "البيطار" في شباط 2019 بمهرجان الأغنية التراثية الساحلية الذي أقيم بمجمع دمر الثقافي، إلى جانب إبراهيم صقر وعادل خضور تقديراً منها لما قدموه للأغنية والتراث اللامادي السوري.

المخرج فاطر البيطار والإعلامي ادريس مراد مع الزميل نديم معلا

بدوره، يوضح الإعلامي" إدريس مراد" والذي كان مديراً لمهرجان الأغنية الساحلية، أن عملية طويلة من البحث والتقصي جرت عن الأصوات التي لها حضور على مستوى الطرب الشعبي الساحلي من خلال أوساط الناس والمختصين ووسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، وكان "البيطار" من الأصوات المهمة التي تحمل في ثناياها روح البيئة الساحلية والتراث المرتبط بها، وهو يختلف عن الآخرين في هذا النوع فيختار أغانيه بعناية وله أسلوب خاص بالأداء وخاصة المواويل الجبلية التي تفرد بأداء حصري سجل له.

واعتبر "مراد" أن البيطار كان مطرباً متميزاً بصوته القوي وانتقائه المتميز لأغانيه، ولم يحصل على ما يستحق من الأضواء والشهرة مع أنه كان خير من يمثل الأغنية الساحلية السورية، وبرحيله افتقدنا صوتاً مهماً على مستوى سورية ورائداً في الأغنية التراثية الساحلية.

الصوتُ الواثق

يتذكر صديقه الشاعر والملحن الراحل "أحمد شحادة" في حديث أجرته معه مدونة وطن قبل وفاته محطات من مسيرة الفنان الراحل يقول فيه: "في تسعينيات القرن الماضي، ظهر على ساحة الغناء الشعبي الشاب "بسام البيطار" واشتهر بصوت قوي وواثق، يؤدي ببراعة واحداً من أصعب أنواع الشعر "العتابا"، ذكرني بسلطان العتابا "فؤاد غازي"، وهكذا بدأت رحلتنا معاً مع الغناء الشعبي، وقدمنا معاً مجموعة من الأغاني خلال مسيرة 20 عاماً، في ساحة الغناء الشعبي، خطّ فيها "البيطار" طريقاً خاصاً به لا يشبه أحداً في عالم الفن الشعبي الواسع".

ويضيف" شحادة": " في بداية عملنا أسسنا معاً فرقة خاصة، ضمت الفنان "ثائر العلي" عازف العود، والفنان "ماهر العلي" عازف الناي، وكانت النتيجة جيدة وجديدة على هذا الفن، ومن بيتي في قرية "بكراما" خرجت أجمل الأغاني وأعذب أبيات العتابا التي غناها، فكان أول البوم رسمي بعنوان " الدنيا دوارة" وكذلك ألبوم "بحرك يا زمان" وفيه يغني: "ل هجر دار خلاني ورحلن، علي وصل ديارن ورحلن، يا جاني لون ع غيابك وراح لون، السواد وشاب شعري من المصاب".

مع الأهل والأصدقاء

يتحدث المخرج التلفزيوني "فاطر البيطار" عن ابن عمه الفنان الراحل قائلا: "كان شديد الخجل مهذباً وحساساً محباً لعائلته وقريب من الجميع، أما "بسام" الفنان فقد كان يعمل بصمت ولا ينتظر المديح ولا يسعى خلف الشهرة، ولم تعنه الأضواء، بقي المطرب الشعبي القريب من الناس الذي يشاركهم أفراحهم وأتراحهم، وأكثر ما كان يسعده جلسة شعبية تحت أشجار السنديان برفقة أصدقائه أو في منزل أحد المعارف تجمعهم مناسبة ما".

ويتابع "فاطر": "تميز الراحل بغنائه المليء بالمشاعر الصادقة، وغنى للوطن وللحب والفرح والحزن، وعرف بصوته القوي وخاصة فن "العتابا الجبلية " وبحضوره الهادئ ولم يكن يحب فلاشات الكاميرات ولا "الفيديو كليبات"، بل كان يرتجل أغانيه على مسارح الأهل والأصدقاء في منطقته القرداحة وما حولها ، مطلقاً العنان لمواويل العتابا بحرية في الفضاء الرحب".

وفي العاشر من أيلول/ 2021، تبارى" بسام البيطار" (القرداحة 1971) مع الموت في جدلية "عتابا" مؤثرة، غنى فيها: "حزني يا جبال ع غيابن ودلي، بيوم ال راح عم صرخ ودلي، أنا تارك قهوتي وهيلي ودلي، وهاجر خيمتي وكل الصحاب" ثم أغلق عينيه على 50 عاماً، عاشها في ربوع بلده وبين أهله وأصدقائه، لم يغادرها رغم العروض التي قدمت له للسفر والغناء في الخارج، وفي أرضه التي شهدت أول أنفاسه ونظراته وعبراته، غفا "البيطار"، وما زال صوته عالياً يتردد في الجبال:

"سألتا وين راح الولف و دار/ أجابت بيه لف الزمن و دار، بدت تسقط تلوج شباط و دار/ وأنا ناطر وليفي ع البواب".