هو شاهد على (عصر الدراما) السورية، منذ إرهاصاتها الأولى، مروراً بذروتها الفنية والإنتاجية، وحتى حصارها الأخير خلال الحرب على سورية.. فقد كان للفنان مظهر الحكيم، الكثير من الشغل الفني في أكثر من مفصل من مفاصل الدراما التلفزيونية تمثيلاً وإخراجاً وإنتاجاً، وله أيضاً تجربته المهمة في الدراما الإذاعية، ومشاركته الواسعة في المسرح والسينما.

في الزمن البعيد

ففي العودة للزمن القديم؛ يذكر الحكيم فضلَ كلٍّ من المخرجين محمد شاهين، وراشد الزعبي وكان للأخير برنامج في إذاعة دمشق؛ هو برنامج (الريف).. يقول الحكيم: كان محمد شاهين أستاذي في المدرسة الابتدائية، وقد اكتشف لدي موهبة الفن من خلال حركات كنت أقوم بها (كولد)، فكان يأخذني معه لدار الإذاعة أسجل أدوارَ الأطفال، وكان راشد الزعبي مذيعاً هو الآخر في إذاعة دمشق، ومن هنا بدأت تتفتح عندي هذه الرؤية، وكنت خلالها في الصف الرابع الابتدائي حين أصبحت (نجم) الحفلات المدرسية، ولا سيما الأدوار التي تتضمن الكوميديا، فبدأت (مُهرجاً) واليوم طالما فتشت عن ذلك (المُهرج) الصغير، ولكنني لم أجده..

وأسأله: أين اختفى ذلك (المُهرج) وقد عرفك الجمهور (تراجيدياً) فيما بعد، كما كانت كلّ مسرحياتك كوميدية؟ فيُجيب: يمكن الحياة وقسوتها في بعض المراحل من خلال حالات اجتماعية وإنسانية وسياسية، والحروب؛ هي من أضاعت ذلك (المُهرّج)، وجعلته يذهب في التراجيديا المُتشعبة، وقلبت ذلك الإنسان الدافئ إلى إنسان جاد ومتجهم.. وعن عمر ذلك (المُهرج) يذكر: استمر ذلك المُهرج لمدة زمنية لابأس بها، ذلك المهرج الذي ساعدني للاشتراك بعددٍ لا يُستهان به من المسرحيات، التي كان طابعها جميعها كوميدياً.

الزميل علي الراعي مع الفنان الحكيم

حديث القاهرة

الفنان الحكيم مع اسرته

وإلى القاهرة سافر الحكيم للدراسة في معهد التمثيل، وهناك التقى بالسيناريست محمد كامل عبد السلام، الذي أطلعه على كلِّ هذا العالم من الفن، ويذكر: كنت أمامه في حالة اختبار دائمة، وقد استطاع أن يزرع في نفسي قوة الملاحظة، وهذا ما ساعدني في عملي كمخرج.

وفي المعهد كان الحكيم طالباً على السماع (مُستمع)، وهناك التقى بمجموعة أصبحوا فيما بعد رافعة الفن المصري، منهم: سيّد بدير، تهام الحسن، فتوح مشاطي، هؤلاء كان لهم الفضل في رعايته الفنية الأولى، ففي القاهرة – يُضيف- خضعت لعشرات الدورات في التمثيل والحوار والإخراج وغير ذلك من الدورات التي هي أساس العمل الفني، كما شاركت مع حسام الدين مصطفى وسيد عيسى، بالعديد من الأعمال المسرحية، وهذه المرحلة استمرت ثلاث سنوات، وكانت دراسة وعملاً في آنٍ معاً.

الفنانة حلا خيربك

مهنة المُلقن

أما أول عمل مسرحي شارك فيه بسورية؛ فكان في المسرح العسكري، ثم في مسرح العمال، وبعد ذلك أسس فرقته الخاصة. يقول: اشتغلت في بداياتي المسرحية (مُلقناً) وهي مهنة إنقاذ الممثلين الذين لم يحفظوا أدوارهم كما يجب، أو قد ينسونها بلحظةٍ معينة.. وهذا ما أفادني كثيراً؛ لأن العديد من الممثلين لم يكن يحفظ دوره، وذلك بأن اعتمد عليّ كلياً.. المُلقن الذي كان يدرس كل شخصيات المسرحية ويحفظ أدوارها وحتى "كريكترايتها"، وهو ما ساعدني في التنوّع فيما بعد بأداء أدوار شخصيات مُتعددة، وهذا ما أفادني أيضاً خلال عملي المسرحي في بيروت، فحينما كان يغيب أي ممثل ولأي سبب من الأسباب، كنت أحل مكانه.

حديث بيروت

في بيروت تنوّعت مشاركات الفنان الحكيم، بين المسرح والسينما، وهي من الأعمال المُبكرة التي تُسمّى اليوم (بان آراب)؛ وعن هذه المرحلة يذكر: عملت في (مسرح سرسق)، ومع الفنان الراحل سعد الدين بقدونس، ومع "زقزوق البيروتي"، كما عملت مع فرقة جميلة جداً أُسست حينها على مسرح الحمرا ومسرح الأمير، في مسرحية من بطولة: سعد الدين بقدونس، فريال كريم، ميشال تابت، ونص للكاتب الفرنسي (لابيش)، وهناك في العاصمة اللبنانية عملت في أكثر من تجربة سينمائية مع سمير غُصيني على سبيل المثال، ومع مخرج مصري، في فيلم (ثلاث عمليات داخل فلسطين)، مع سليم كلاس وخالد تاجا، وهذا كان من أنضج الأفلام التي اشتركت فيها، وشكل بدايات للعمل الفني العربي المُشترك. كما اشتغلت مع الفنانة نضال الأشقر ومع المخرج عدنان الروحي، وهو مسلسل تاريخي واشتهر لفترة طويلة، وكان اسمه (الزبّاء)، وهو من الأعمال التي فتحت لي مجال عمل واسعاً في الأردن، ولتأتي بعدها مسيرة الأعمال البدوية.

(29) فيلماً سينمائياً

يتذكر الحكيم: أول فيلم سينمائي أشترك فيه كان عمري ستة عشرة سنة مع الفنان زهير الشوا، وكان اسم ذلك الفيلم (الوادي الأخضر) كتابة خالد حمدي، وكان عملاً بالمجان وغير مأجور، وحتى بدون إطعام، وتمّ ذلك بكلِّ فرح، وكان بداية إرهاصات السينما في سورية، واستمرت مرحلة السينما حتى أمسى في رصيدي (29) فيلماً، وكان آخر فيلم هو (عودة حميدو) مع الفنان ناجي جبر، وإخراج فيصل الياسري، وهذه الأفلام كان لها طابعها، أو مسحتها الكوميدية دائماً، وما بينهما اشتغلت مع المخرجين: بشير صافية، محمد شاهين محمد سلمان، وفي التلفزيون تعاونت مع عشرات المخرجين: فيصل الياسري وشكيب غنّام وغسان جبري وعلاء الدين كوكش، ومع الأخير اشتغلت (الأميرة الشمّاء)، وهو ما شكّل لي انعطافة في تجربتي الفنية.

المخرج "البدوي"

كان لافتاً في تجربة الفنان الحكيم أمران: الأول: وهو ابن دمشق، لكنه لم يُشارك بأي مسلسل من مسلسلات البيئة الدمشقية، والأمر الثاني: وهو ابن مدينة دمشق عُرف كمخرج ل"المسلسلات البدوية"، عن هذه المُفارقة يتذكر أنه تمّ كلّ ذلك بالصدفة، حتى الإخراج التلفزيوني - يقول- دخلت عليه بالصدفة، حتى إنني عملت مؤسستي الخاصة لأكون ممثلاً فيها، وليس مخرجاً، لكن إصرار منتج سعودي لأخرج له مسلسلاً بدوياً (الحزم الضامي)، وتعني التلة الجافة، كان سبب دخولي هذا المجال، وكان النص لشاعر كويتي، وهو أيضاً من النوع العربي المشترك، شارك فيه ممثلان كويتيان وسعودي، كنت خلاله منتجاً منفذاً ومخرجاً، لكن سابقاً كنت أخرجت بعض الأفلام السينمائية. ويُضيف: في (الحزم الضامي) أقمت الكثير من الحوارات مع زعماء وشيوخ العديد من العشائر العربية لمعرفة العادات القبلية، وقام المؤلف نفسه بتدريب الممثلين، وكان فاتحة ل(أربعة مسلسلات) بدوية، فصار يطلق عليّ (المخرج البدوي)، بعد أن لاقى المسلسل صدى واسعاً في مختلف الصحافة الخليجية، وكنتُ قد شاركت حينها في جميع أفلام المطربة سميرة توفيق التي صورتها في سورية وهي ذات طابع بدوي، ومع ذلك كانت مفارقة أنني لم أشارك -وأنا ابن دمشق- في المسلسلات الدمشقية لا تمثيلاً ولا إخراجاً.

بعيداً عن الشلة

من المعروف عن الفنان مظهر الحكيم أنه كان متزوجاً من المطربة الراحلة إنعام الصالح، وله منها ابنتان ممثلتان (أماني ونسرين)، ويذكر: لما تزوجت من المطربة إنعام الصالح، بقيت ستة أشهر لم يُسمح لي بدخول التلفزيون، وإنعام كانت جارتي وبيننا عشرة عمر، وأنا من أدخلها إلى الوسط الفني، وقد اكتشف موهبتها الموسيقي المعروف ياسين العاشق، وبدل أن يباركوا زواجنا، تمّت مُحاربتنا على أكثر من صعيد، وعلى سبيل المثال لما أدّيت بطولة في مسلسل (الأميرة الشمّاء) الجميع تحدث حينها عن انطلاقة جديدة ونوعية لمظهر الحكيم، مع المخرج علاء الدين كوكش، وكان يضم هذا المسلسل أهم نجوم سورية حينها. البعض شبّه تلك الانطلاقة بانطلاقة الفنان رشيد عساف في مسلسل (البركان)، لكن ما تمّ تسهيله وتوفيره لرشيد عساف، لم يوفروه لي، وهذا ما أقصده بذهنية الشلة التي تقف حاجزاً أمام الكثير من المواهب، وللتذكير (الأميرة الشماء) مسلسل تاريخي أيضاً، وهو من إنتاج دبي، وتم تصويره هناك، وبعده بقيت ثلاث سنوات لم أشتغل.

وعن سؤاله لماذا لم تظهر إنعام الصالح مطربة – ممثلة على عادة نجوم زمان؟ يقول: مثلت إنعام في الدراما التلفزيونية مرة واحدة في مسلسل من بطولة سلمى المصري، جهاد سعد، وأماني الحكيم، وهذا كان أول إنتاج (شركة الحكيم)، وهو ما شجعني على الاستمرار في الإنتاج، فقد انتجت (330) ساعة دراما، وأنتجت لآخرين بحدود ال(70) ساعة، وقد توقفت المؤسسة مع تخريب الإهابيين لمكاتبها في عربين منذ بداية الحرب على سورية سنة 2011 .

شهادة في التجربة

تذكر الناقدة الفنية حلا خيربك في شهادتها عن الفنان مظهر الحكيم أنه فنان ذو تجربة فنية عملاقة، شاملة وقديمة قدم الدراما السورية بكلِّ أشكالها، وحسب متابعتنا عن قرب للوسط الفني و"اللوكيشن" والمشهد الدرامي ككل، وتاريخ الدراما السورية العريقة والمؤسسة بالحب وعلى الحب، وجدنا أنّ كل مجال خاضه الفنان مظهر الحكيم لوحده مدرسة، سواءٌ بالتمثيل أو الإخراج أو التأليف أو الإنتاج، ما يجعله قامة فنية كبيرة ومرجعاً مهماً، بالرغم من غيابه مؤخراً عن المشهد الفني الدرامي إلا كضيف في بعض المسلسلات.

وتُضيف خير بك: الحكيم فنان تمكّن من متابعة ومسايرة كلّ التغيرات والتطورات التي طرأت على العمل الفني السوري بدءاً من حوار الطاولة إلى الفيلم السينمائي إلى التقنيات الحديثة والأساليب المستخدمة في المسلسل التلفزيوني والأساليب الجديدة في عالمي التمثيل والإخراج وحتى في الكتابة.. ومظهر الحكيم ينتمي لجيلٍ مؤسس ورومانسي وذي قيمٍ عالية ومبادئ، يختلف نوعاً ما عن الجيل الحالي من الدراميين، كون الجيل الأول ما زالَ يتعامل مع هذا الفن كخالقين له ومتسببين بوجوده وحضوره، وكان لديهم الشغف والإبداع والتحدّيات الكبيرة ليحققوا ما يطمحون إليه، لذلك نجدهم مثابرين ويعرفون قيمة ما يعملون فيه، حيث كان وما زال الفنان القدير مستمراً كمخرج لبعض التمثيليات الإذاعية، ويحلُّ ضيفاً من حينٍ لآخر على بعض المسلسلات.

وبعد مسيرة عمل تتجاوز الستين عاماً لا يزال هذا المبدع يعتبر نفسه يتعلم، وفي بداياته، وهي من سمات الفنان الحقيقي..

أما على صعيد حياته الشخصية فهو والد الفنانتين أماني ونسرين الحكيم جميلتي الشاشة السورية، وما زال يتحدث عن حبه ووفائه لزوجته الأولى الفنانة إنعام الصالح والتي أحبّها سنوات طويلة وعاش معها خمساً وعشرين سنة، وهو ما يبثُّ الطمأنينة، ويزرعُ الأملَ في نفس كلِّ من يسمع حديثه.