استمدّتْ قرية اللاوية في الجولان السوريّ المحتلّ، لقب السنابل الذهبيّة لكثرةِ حقول القمح والشعير المزروعة في أرضها، والتي كانتْ تجعل الفلاحين يجتمعون في ليالي الصيف لحصادِ محاصيلهم وجمعِها ودراستِها وطحنِها.
إطلالةٌ على طبريا
للتعرُّف على اللاوية أكثر وعلى لسان أبنائها حاور موقع مدوّنة وطن الحاج الثمانيني موسى مرعي الحسن أبا عبد الله تولد 1942، والذي أخبرَنا قائلاً: قرية اللاوية ذاتُ موقعٍ إستراتيجيٍّ على ارتفاع 200 مترٍ عن سطح البحر، وقد أطلقَ عليها أبناء الجولان (كنف وكناف ومطلة البحرين) نظراً لموقعها الجغرافيّ المتفرّد بين قرى الجولان وبحيرة طبريا، وإطلالتِها على البطيحة في الجولان وصفد وعكا في فلسطين.
ويحدِّد الحسن بدقّة موقع اللاوية التي تتبع إدارياً لناحية فيق، فالقريةُ تقع شرق بحيرة طبريا وتتصل حدودياً مع قرية الكرسي بالجنوب الغربي، وعمرة الفريج أو ما يسمى "المليجي" شرقاً، وقريتي الشقيف شمالاً والدوكا غرباً، ومنطقة وادي السمك جنوباً، والذي تنتمي له قرية اللاوية ويتألَّف من ثلاثة فروع جريان مائية، الأوّل يأتي من قريةِ القصيبةِ، والثاني من قرية العقاربة، أما الثالثُ فيجيء من قرية العال، لتشتبكَ هذا الفروع معَ بعضها بمجرى واحدٍ نحو الكرسي، وتصبُّ مجتمعةً في مرفأ البارد ببحيرة طبريا.
أرض الينابيع
يستذكرُ الحسن عيون الماء المنتشرة في قريته، حيثُ كانت تنبع في كلِّ مكان، وكان يمكن الوصول إليها بمجرَّد الحفر على عمقٍ قريبٍ من سطح الأرض، لتستجرَّ مياهها من الجبال وجوف الصخر التلية إلى باقي المناطق المجاورة، وتنقلها النساءُ بتحميلها على رؤوسهنَّ، وكانت بعضاً منهن يستخدمنَ الحمير بواسطة "الراوية" المتعلِّقة بالسقاية القديمة، ففي تلك الفترة لم تكن هناك شبكاتُ مياه.
ويعدّد الحسن عيون الماء الموجودة في اللاوية وهي عينا التحتا والفوقا وعينا معاوية الغربية والشرقية من الجنوب، ومن الشمال عينُ الغنم الشرقية والبستان الغربية، وعينا أم خصام والمابرة، إضافةً إلى بئر ساري غرب اللاوية، وكانتْ تردُ إلى هذه المناطق قطعانُ المواشي لتشربَ الماء من تلك العيون، التي كانتْ تحوطها أشجار الغار والبطم المتشابكة مع شجر الملول.
طقوس الحصاد
يحدِّثُنا الحسن أن فلاحي القرية كانوا مشغولينَ طوالَ فصل الصيف في طقوس الحصاد، وكانُوا يطحنونَ أقماحَهم في مطحنة تحيط بها أشجارُ الرمان اسمها العيساوي وتقع بوادي السمك، وهذه الطاحونة كانتْ تعمل على المياه بعد حصرها من كلِّ جوانبها لتسهيل تدفّق الماء عليها، وكانتْ هناك طاحونةٌ أخرى تعود للفريج.
أرض خضراء
عن التنوّع الشديد للزراعات في اللاوية حدَّثَنا مختار حجيرة حسين كنيهر وهو من تولد اللاوية 1959، حيثُ أوضح في البدء أنَّ موقعَ القرية على أرض مرتفعة بين تربةٍ وعرةٍ وأخرى مُنبسطةٍ، جعلتْ منطقتها من أهم مناطق الزراعات المُتدرّجة بين الأراضي العليا والسفلى، لزراعة العدس والقمح والشعير والسمسم والبطيخ، فضلاً عن أشجار اللوز والزيتون والسدر والملول والخروب والزعرور والبطم، والخضراوات كالفول.
وينتشر في حقول القمح باللاوية نباتُ الربيض "الربض"، والذي كان ينمو في أوِّل موسم الحصاد حسبَ المختار كنيهر، حيثُ تتفرّع وتفرش وتصبح خضراءَ مثمرةً حول المنازل، ثمَّ تتحول إلى حمراء وتتساقط لوحدها بعد نضوجها، وكذلك شجرُ السدر والذي تتميَّز ثمرته بأنَّ لها طعمَ ثمار التفاح.
أمَّا عن الحيوانات فهناك الجمالُ والخيولُ والأبقارُ والأغنامُ والماعزُ التي يربيها الأهالي، وهناك الحيواناتُ البريةُ، وعلى رأسها الغزلانُ والضباعُ والذئابُ والوبرياتُ، والأخيرة كان الأهالي شغوفين بصيدها، وكان أشخاصٌ من قرية كفر حارب يأتون لهذه الغاية، حيثُ كانت تعيشُ بكثرةٍ على أشجار الملول والخروب وكان وزنها يصل إلى /2/ كيلو غرام.
أوابد أثرية
يكشف لنا المختار كنيهر غنى قرية اللاوية بالآثار، ولا سيما المدافن والأحجار البازلتية والتي يعود الكثير منها للرومان والبيزنطيين، ومن الأوابد الأثرية مقام مرزوق الذي يقع بين قريتي شقيف واللاوية، وتأتي أهميّته كونه نقطةَ علامٍ معروفةً للكثيرين، كما أنَّ قرب قرية اللاوية من قرية الكرسي يعطيها المزيد من الأهمية، فالأخيرة ذاتُ قيمةٍ تاريخيةٍ معروفةٍ حتّى يقال بأنَّها واحدةٌ من أكبر المجمعات الكنسية القديمة في بلاد الشام، وفيها أيضاً بقايا بيوت للرُّهبان.
دمار على يد الاحتلال
ظلّتْ بيوت القرية تُصنَع من بيوت الشعر حتى عام 1952، ولكنَّ الناس تحوّلوا تدريجيًا وفق "الحسن" إلى البناء بالحجر الأزرق، ولم تزف سنة 1955 حتى كانت أغلب بيوت اللوية مبنيةً بالبلوك، والذي كان يؤتى به من شواطئ طبريا صانع بلوك اسمه الحاج إدريس العمر، فكان يدقُّ البلوك ويعمره، ثم ينقله إلى القرى الأخرى.
هذا الكمّ من الجمال والسّحر في القرية تدمَّر كليّاً على يد الاحتلال الصهيوني في حزيران سنة 1967 كما يقول المختار، أمَّا أهالي اللاوية فتعرَّضُوا للتهجير، حيث يقطنون حالياً في مناطق من مدينة دمشق وريفها ودرعا.
عادات وتقاليد
في قرية اللاوية عاداتٌ وتقاليدُ متينةٌ، يحدِّثنا عنها الشيخ علي اللحلوح، ولا سيما في الأفراح والأعراس، إذ تقومُ على المودة والمحبة والألفة والعون والإخاء الاجتماعي والتماسك القروي بين الناس، ويظهرُ ذلك من خلال إظهار الاهتمام والحرص قبلَ حفل الزفاف لتأمين حاجات أهل العريس من لوازم العرس والطعام، فمنهم من يقدِّم اللبن والزبدة والحليب والسمن والرز والسكر والقمح كلٌّ حسب إمكانياته.
ويتحدَّث الشيخ اللحلوح عن عاداتٍ خصَّت أهالي اللاوية في زفاف العريس، حيثُ كان الفرسان ينضمّون للمشاركة في الزفاف في التسابق بالخيل والتباري بالذبائح، وكانوا يتجمّعون بخيولهم حول فاردة "موكب" العروس حين الزفاف.
ويعود المختار كنيهر ليتحدَّثَ عن مهور الأعراس، والذي كان يُحدّد حسب إمكانيات كل أسرة أو عائلة، والأغلب كان يدفع برؤوس الأبقار أو الأغنام، أو كنقود، وكان لا يزيد غالباً على بضعِ ليرات سورية، لافتاً إلى أنَّ العروس كانتْ تجلس "تُصمد في مكان اسمه "البرزة" مصنوعٍ من القصيبِ المشبوك مع بعضه بمتانةٍ ومُدعّمٍ بأعمدةٍ من الصوان، ومُعدٍّ بفرش للجلوس، حيث تدخل العروس عليه مرتديةً العباءة مُنتظِرةً دخلة العريس.
أمّا عن جهاز العروس فيتألَّف من ملبوس البدن، حيثُ كان يوضع كما يخبرنا المختار كنيهر في صندوق خشبيٍّ حجمه مترٌ ونصف المتر، ملبّس بالقصدير الملون، تضعُ به العروس لباسها ولوازمها الخاصة، ويتألف الجهاز أيضاً من الفرش الذي كان يضم فرشتين ولحافين اثنين مع وسائد للنوم.
ولا تتوقّف الأفراح في بيت العريس وأهله مع انتهاء حفل الزفاف، بل كانتْ تستمرُّ لمدّة جيّدة من الوقت، من خلال إقامة الولائم، ما يعطي صورةً كبيرةً عن حياة الطيبة والكرم في ذلك الوقت.
أهلٌ في الملمّات
ينتمي معظم سكان قرية اللاوية إلى العشائر العربية، ومنها التلاوية والعيايدة والذياب، ويتفرَّع عنها العديد من الأسر كالمرعي والكنيهر والشطي والخلف والحشيش والفريج والفهد والتوهان والعيد والحسن، كما كان هناك أسرٌ من خارج اللاوية ولكنَّها أقامتْ فيها بقصد العمل، واعتمدتْ على الزراعة والفلاحة في قوت يومها، ومنهم النواد والبهميت والعلو وعائلات أخرى.
وبالنسبة إلى العلاقة بين أهل القرية فلم تكن الروابط بين أبناء اللاوية في الأفراح فقط، بل كانوا يتعاضدونَ أيضاً في الملمّات والأحزان، وحين يتوفى شخصٌ ما كانت كلُّ القرية والقرى المجاورة تأتي للعزاء والمشاركة الاجتماعية، ومن اللافت أنَّ الموت كان مُستهجناً في ذلك الزمن، لقلةِ حدوثه إلّا لأسبابٍ تتعلَّق بكبر السن، ما يدلّ على صحة الغذاء والطعام وعذوبة الماء ونظافتهما.