في قرية بمنطقة جبلية جنوب شرق السويداء يشمخ دير أثري ضارب في ‏القدم منذ نحو ألفي عام بما تبقى من حجارته البازلتية؛ ليروي لنا قصصاً ‏مُذهلةً في غرابتها تعود للعصر الروماني، تلك القرية اسمها مياماس، أمَّا ‏الدير فهو دير ماسك.‏

الدير وبئر الإسكافي

يتحدث الباحث الأثري الدكتور نشأت كيوان لمدونة وطن ‏eSyria‏" عن ‏دير ماسك الذي يقبع ضمن منطقة حراجية، هادئة هدوء الخيال، متبادلاً ‏أحاديث الصباح والمساء مع شجرة التوت المعمِّرة، حيث ستلفتُ انتباه ‏زائر الدير تلك البئر القديمة الموجودة في محيطه والمسماة "الإسكافي" ‏والتي كانت في يوم من الأيام الشريان المائي المُطفِئ لظمأ من جاء هذا ‏الدير متعبداً، إلا أنَّه بعد أنْ ارتحل من كان في الحي ساكناً، فقد جفَّتْ ‏مياه البئر، ولم يبق منها سوى أطلالها، وحجارتها البازلتية المنحوتة ‏بإتقان.‏

وتتألف هذه البئر حسب الدكتور كيوان من غرفتين مبنيتين بأحجارٍ ‏منحوتةٍ ومزخرفةٍ يتجمَّع الماء بالغرفة الواقعة في الجهة الشرقية منها ‏ليخرج عبر الأبواب إلى الغرفة الغربية.‏

من أثار الدير

أوابد على الطريق

الباحث الدكتور نشأت كيوان

يذكر "كيوان" أن من يخرج من دير ماسك ومحيطه، متجهاً نحو الغرب ‏قاصداً أوابد قرية مياماس، فأوّل ما يصادفه في طريق رحلته الاستكشافية ‏تلك المنحوتات المزخرفة والمشغولة بطريقة نحتية جميلة، والتي ترشد ‏من يراها على تاريخ هذه القرية الذي يرجع للفترة البيزنطية، حيث ‏شُيَّدت في منطقة حراجية معانقة لنهرها المائي المسمَّى الزيدي، والذي ‏جعل منها مكاناً مستقطباً لمن يود الإقامة والاستيطان في هذه المنطقة.‏

وعلى ضفاف هذا الوادي بنى الأقدمون معبدين يعانق كلٌّ منهما الآخر ‏على طريقته المعمارية الخاصة، ومن يستطعْ فك طلاسمهما يستنتج أنَّهما ‏يعودان لفترتين زمنيتين متعاقبتين، وبقيا كذلك لحين مجيء العصر ‏البيزنطي، حيثُ تمَّ تحويلهما إلى كنيسة ذات جناح واحد، وهذا الأمر ليس ‏مُستغرباً، فكثيرٌ من المباني تغيَّرت وظيفتها المعمارية بتغير الزمن والعقلية ‏المعمارية والدينية للأشخاص والمجموعات التي استوطنت هذا المكان أو ‏ذاك.

الباحثة نجاة الرافع

أرباب وحمامات

وتتحدَّث الباحثة الأثرية نجاة الرافع أمينة متحف شهبا عن الأوابد الأثرية ‏التي تحتضنها قرية مياماس، حيث يعود معظمها إلى الفترة الرومانية ‏والبيزنطية، ولكنَّها تعكس مجتمعةً تطوّر العمارة في المحافظة قبل آلاف ‏السنين.‏

وتقول رافع: "الماضي في قرية مياماس يقصّ على الأجيال الحالية جميل ‏تلك الأيام، فعندما تشاهد هذه الأوابد ستشتمّ منها رائحة العراقة، التي ‏لا تزال تعبق في المكان وتأبى المغادرة، وبعد أنْ تمتِّعَ ناظريك بذلك ‏الدير الذي ما زال بمنزلة البصمة الأثرية التي لم تمحها عاتيات الزمن، ‏يوصلك الطريق إلى حمامات هذه القرية المشابهة لحمامات شهبا، ‏والمتصفح لتاريخها يرى أنَّها تعود للعصر الروماني، حيث ‏تفنَّنت في إشادتها أيادٍ ماهرة تتقن فن العمارة، وهذه الحمامات من النوع ‏الصغير، حيث جاءت ملبية لاحتياج قاطني هذه المنطقة، ووجودها دليل ‏على ميل الناس في تلك الفترات للترفيه والتسلية وهذه إحدى وظائف ‏الحمامات.

لغز يبحث عن حلّ

وتضيف رافع: "إنه بعد أن نفضت البعثات الأثرية التي زارت المنطقة ‏غبار الزمن عن الأوابد الموجودة، تمَّ العثور على لقى أثرية مثل بقايا ‏أجزاء معمارية كالتيجان وزخارف معمارية أهمها تمثيل لكرونوس (إله ‏الزمن)، ونقوش كتابية يونانية بعضُها موجود بالمعبد الغربي للقرية نقلت إلى مضافة شيخ مياماس التي كانت بالأصل كنيسة، حيثُ تطالعنا عبارة ‏منقوصة كاللغز الذي يبحث عن جواب وتقول: "أذينة بن فرايسخوس بن ‏ساميخوس"‏.