مجددأ، سطَّرت الدكتورة "ألما سليمان المحمد" إنجازاً يضاف إلى سلسلة إنجازاتها المتميزة التي حققتها من قبل كأول سورية كفيفة تنال شهادة "الدكتوراه" في اللغة العربية، ثمّ حصولها على شهادة قيادة الحاسوب الدوليةICDLعام 2019، وصولاً لتحصيلها الشهادة الدولية الخاصة ببرنامج "الإكسل" من الدرجة المتقدمة، وكلّ ذلك في ظلِّ تعاونٍ دائم مع "الجمعية العلمية السورية للمعلوماتية".
تعود مدونة وطن "eSyria" لتنفردَ باللقاء مع الدكتورة "ألما" ومع المشرفين الذين واكبوا مراحل عملها في فرع "الجمعية العلمية السورية للمعلوماتية" بحمص"، حيث يخبرنا "طارق مراد" أمين سر اللجنة الإدارية عن التسهيلات والإمكانيات التي وُضعت من قبلهم للدكتورة ألما ويقول: «علاقة "ألما" مع الجمعية تعود لعام 2007 حينما بدأت التردُّد إليها، رغبةً منها بالاطلاع على مفاهيم عالم "الإنترنت" الذي كان الاتصال فيه بدائياً وقتها، ويعمل بنظامDIAL UP. حيث قدمت لها الجمعية من منطلق عملها المجتمعي كل الإمكانيات المتوافرة، من قاعة التدريب والأجهزة الحاسوبية والوصول إلى شبكة الانترنت مجاناً، إضافةً لاختيار المشرف المناسب الذي يمكنه التعامل مع الأشخاص الذين لديهم حالات إعاقة مشابهة، ووقع الاختيار وقتها على الأستاذ "ربيع بيرقدار" الذي كان مسؤولاً عن تحضير المواد الدراسية، والأجهزة الحاسوبية ووضع البرامج الملائمة لهم".
ويشير مراد إلى أنه بسبب الأحداث التي شهدتها المدينة، انقطع تواصل الدكتورة "ألما" مع فرع الجمعية، لكن شغفها لم يتوقف وعادت في سنة 2018 لتواصل تدريباتها، وحققت إنجازها الأول والفريد عام 2019 كأول امرأة سورية كفيفة تحصل على شهادة قيادة الحاسوب الدوليةICDL. وجدَّدت تميُّزها بحصولها مؤخَّراً على شهادة برنامج "الإكسل المتقدّم" وذلك ليس بالأمر السهل مطلقاً.
أهمية إنجاز ألما.. وماذا قدَّمت الجمعية؟
يتابع "طارق مراد" حديثه شارحاً لمدونة وطن "eSyria" أهمية ما أنجزته الدكتورة "ألما" ويقول: "بنك الأسئلة المعتمد في الامتحان النهائي معقَّد وواسع ويحتوي أدقَِّ التفاصيل المتعلقة بالبرنامج، من خلال 29 سؤالاً، وعلى المتقدِّم أن يجيب عليها خلال ساعة واحدة فقط، وهذا الموضوع يحتاج كمَّاً كبيراً من الجهد الذهني وذاكرة نشطة، وهذا قد لا نجده عند الأشخاص الأصحاء أحياناً ممن يتقدَّمون للامتحان النهائي وهذا ما تمَّيزت به الدكتورة "ألما".
ويؤكد مراد أن الشهادة التي حصلت عليها ألما مطلوبةٌ في سوق العمل ولدى الشركات الكبرى، وحتى من المنظمات الدولية. والجمعية بدورها أمنَّت الكتاب الإلكتروني الخاص بالبرنامج والذي يتضمن بنك معلومات عامة، وقد وضعت الخطة اللازمة للحصص التدريبية التي بلغ مجموعها 60 ساعة، بمعدل ساعتين للحصة الواحدة.
أما اختبار برنامجICDL الذي تجاوزته الدكتورة "ألما" فيؤكّد المدرب "ربيع بيرقدار" أنه أكثر صعوبةً من برنامج "الإكسل" المتقدّم، نظراً لاحتوائه على 7 برامج منفصلة وقد أنجزت التدرُّب عليه، من خلال برنامج الناطق الصوتي الموجود على جهازها الخاص وكان عليها التعلُّم من خلاله، بخلاف الأشخاص الأصحاء الذين يستخدمون لوحة التحكم وفأر المؤشِّر، لكن رغم تلك الصعوبة إلّا أنها استطاعت اجتياز الاختبارات الخاصَّة به والحصول على الشهادة الدولية.
ويوضح بيرقدار بخصوص شهادة الإكسل الدولية أن الأمر احتاج من ألما إلى جهد كبير ومتواصل حتى في المنزل، مبيناً أنه اتبع معها نمط التدريب المكثَّف والدقيق، حيث لا ينتقل معها إلى فقرة جديدة دون التأكُّد من تمكُّنها من الخطوة السابقة حتى لو اضطر إلى إعادة الحصة التدريبية مرَّة أخرى، بهدف تحقيق النجاح النهائي.
وعندما سألنا المدرِّب بيرقدار عن تفاصيل الامتحان أجاب بأنه تقدم برفقة الدكتورة ألما 7 متقدِّمين أصِّحاء، وكان لكل طالب نموذج أسئلة يختلف عن الآخر، عدا أنَّ الكتاب المخصَّص للبرنامج محمي بواسطة كلمة مرور، بحيث لا يتم فتحه إلّا عبر جهاز الطالب، مبيناً أنه كان مع ألما في الامتحان كمرافق معتمد لها، ووظيفته قراءة السؤال لها، وإدخال خطوات الحل الذي تتلوه عليه دون مساعدتها مطلقاً، ورغم كلِّ تلك الصعوبات استطاعت الدكتورة "ألما" النجاح باقتدار والحصول على درجة مقدارها 93% وهذا إنجاز كبير لا يحققه طلاب أصحاء وحتى الخريجون الأكاديميون أحياناً.
جاء دور الحديث مع الدكتورة "ألما" كي تروي لمدونة وطن "eSyria" عن مسيرتها ودوافعها لتحقيق هذا الإنجاز وعن طموحاتها المستقبلية، حيث قالت: «لم تبخل "الجمعية العلمية السورية للمعلوماتية" عليَ بأي مساعدة منذ التحاقي سابقاً بدورةICDLودورة "الإكسل المتقدِّم" الأخيرة وتقديم كل مايلزم لكي أحقق النجاح فيها، بدءاً من ترشيح الأستاذ "ربيع" مدرِّباً لي والذي لم يبخل بأيّ معلومة، عدا عن تجاوبه الإيجابي أثناء الحصص التدريبية وأثناء مراجعة الدروس في المنزل لأن هناك فروقات كبيرة بين العمل على برنامج الناطق الصوتي الموجود على جهاز الحاسوب الخاص بي، وبين أجهزة الجمعية المخصصة للأشخاص الأصحاء. ذلك الأمر تطلَّب جهداً أكثر لكونه يتطلَّب البحث من خلال شبكة "الإنترنت" في بعض التفاصيل والرموز وإنشاء اختصارات جديدة غير المعروفة على الأجهزة العادية وكلُّ ذلك من أجل حلِّ خطوة واحدة ربما.
وتؤكد الدكتورة ألما أنها على مدى أشهر تمكَّنت من معرفة تفاصيل خطوات العمل على البرنامج، وباتت جاهزة للخضوع للامتحان النهائي، حيث عزَّز المدرب بيرقدار عندها هذه القناعة بعد تأكُّده من قدرتها على النجاح بها.
وفي سبيل النجاح بالاختبار رسمت الدكتورة "ألما" في مخيلتها صورة تخيلية لشاشة البرنامج الجديد، من خلال متابعة معطيات برنامج الإبصار عن كلِّ خطوة عملٍ تؤدي لحصولها على النتيجة الصحيحة المطلوبة وهذا الأمر احتاج لتركيز عالٍ وسرعة إدراك ولذاكرة قوية كما ذكرت.
وتتابع: "استهلك الأمر وقتاً وجهداً كبيرين، فقد خصصت ساعات طويلة في المنزل على مراجعة الدروس والتدريب، بمقدار 6 ساعات بين فترتي الصباح والمساء، في خضَّم صعوبات التقنين الكهربائي وضعف شبكة "الإنترنت" أحياناً".
هذا الإصرار على النجاح لم يكن جديداً على ألما، وبدأ منذ قررت التجهيز لأطروحة "الدكتوراه" في سنة 2001 رغم فقدانها البصر، والذي تُرجم بحصولها عليها في عام 2005. كما أن تعاملها مع برنامج الإبصار الخاص بالمكفوفين خلال تلك السنوات الأربع عزَّز من شغفها بتعلُّم برامج المعلوماتية ومنه كانت رحلتها مع "الجمعية العلمية السورية للمعلوماتية" التي حققت لها ذلك الهدف.
طموح "الدكتورة "ألما المحمد" لن يقف عند إنجازها الأخير بل إن خططها المستقبلية تتسع وبفضل تشجيع الأستاذ "ربيع" لها كما ذكرت، وإيمانه بطموحها ومقدرتها، حيث عزمت على خوض مرحلة جديدة تتمثَّل بدراسة برنامج "التسويق الإلكتروني"، من ثمّ في مراحل لاحقة اتباع دورات تتعلق ببرنامجي "إدارة المشاريع" و"البرمجة"، إضافة لبرنامج "تصميم المواقع الإلكترونية".
وتؤكد ألما أن الهدف من كلِّ ما أنجزته هو إيصال رسالة مفادها بأنَّ الإنسان أيَّاً كان سليماً أو صاحب إعاقة قادرٌ على تحقيق هدفه شرط وجود إرادة وتصميم لديه.