لا تزال تجربة سينما الأطفال في سورية تحبو رغم قدمها وحصولها على جوائز عالمية عبر عقود من الزمن، فلا نمتلك إلى الآن برامجَ ولا قواعدَ ثابتة لتقديم هذه الأفلام ، وليستْ لدينا صالات أو عروض مخصصة للصغار كما نجده في كثير من الدول، وفي هذا الصدد يحاول الإعلامي محمد سمير طحان ضمن تجربته التأليفية والإخراجية تحريك المياه الراكدة، وإنعاش هذا القطاع الذي عانى الإهمال لسنوات.
حكاية عمرها تسع سنوات
تجربة طحان التي بدأها بشكل هاو قبل ثماني سنوات واقتصرت على سينما الأطفال التي كانت خياراً عن سابق إصرار وتصميم، وشملت حتى الآن ستة من الأفلام القصيرة، وفي كل مرة كان الأبطال هم أطفال سوريون، وحبكة الفيلم تحكي عن أحلامهم وأمنياتهم ومعاناتهم، ولكنها في النهاية أيضا تفتح كوة من الضوء نحو أمل ما.
بدأت تجربة طحان من خلال مشروع دعم سينما الشباب الذي أطلقه المدير العام لمؤسسة السينما الأسبق محمد الأحمد في العام 2012، وكان بمثابة ورشة تدرب فيها العديد من الأسماء على صناعة الفن السابع، مستعينين بكوادر المؤسسة الفنية وبالجيل المخضرم من الفنانين، ليتخرج طحان من هذه الورشة الفنية التي أخرج فيها عملين هما إشارة حمرا ورائد فضاء، وليبدأ بتقديم أفلام احترافية قصيرة ضمن موضوعه المفضل "الأطفال"، فقدّم في بحر عامين ثلاثة أفلام هي بوظة واماني ونجمة.
مخرج شغوف بسينما الأطفال
يقول طحان في تصريح ل e syria عن تعلقه بسينما الأطفال: "لقد التزمتُ بشريحة الأطفال لأحكي عنها بوصفها الأكثر تضرراً من الحرب على سورية كونها الأضعف والأهم، ولأنها تمثل المستقبل الذي نتطلع نحوه، لأذكر بضرورة الاهتمام بهم وبقضاياهم".
ويجد طحان أنه من الضرورة بمكان تعويض الأطفال السوريين عما يعانونه جراء ما مر بنا من أزمات من الحرب والزلزال، ليتعافوا من آثار هذه الأزمات وليكونوا فاعلين ومنتجين في المجتمع وليمثلوا مستقبل سورية الجميل والواعد، وبرأيه فإن ذلك لا يتحقق من دون احتضان مواهب الأطفال وتشجيعهم ودعم قضاياهم ليحققوا ما يصبون إليه.
ويؤمن طحان كثيراً بورشات العمل مع فريق خلال التحضير لإنجازه، حيث يخبرنا أنه بعد كتابة النص والشروع بالعمل الإخراجي يطلق حوارات طويلة مع الممثلين المشاركين ويستمزج آراءهم للوصول إلى الصيغة الأفضل للنص وللشخصيات التي سيؤدونها داخل العمل ووفق الإمكانيات المتاحة، للوصول في النهاية إلى رؤية فنية هي خلاصة الآراء، كما حدث في فيلم أماني عندما اقترح الفنان الراحل أسامة الروماني أحد أبطال العمل، نهاية للفيلم بطريقة تبقي الأبواب مشرعة والتساؤلات مفتوحة حول مصير الفتاة التي يبحث عنها الطفل.
ورغم هذه الحصيلة الجيدة في سينما الأطفال عند طحان فإنه يرى أن المشوار لا يزال طويلاً للوصول إلى الطموحات المرجوة، لجهة الحاجة إلى إمكانيات كبيرة في التقنيات والتصوير والعمليات الفنية، وورشات عمل تخصصية لتدريب الأطفال الممثلين، وورشات مماثلة لكل المشتغلين بهذا القطاع ولا سيما الكتّاب بإشراف تربويين في علم نفس الطفل، وإجراء استبيانات للأطفال لمعرفة رأيهم فيما يُقدم لهم من أعمال سينمائية.
ولدى استعراض أفلام طحان سنجد أن الأبطال لديه وهم جميعاً من الأطفال لديهم شغف معين يصاحبهم رغم أوضاعهم الصعبة، كالشغف بالموسيقا في فيلم إشارة حمرا أو بعالم النجوم والكواكب في فيلم رائد فضاء أو بالرسم في فيلم بوظة، أو متعلقين بالدراسة والقراءة كما عند بطل فيلم أماني، أو بألعابهم وبالبحث عنها كما في فيلم نجمة، مع الأختين الحزينتين لفقدانهما دميتهما نجمة تحت أنقاض الزلزال.
لغة سينمائية بسيطة تستهدف الأطفال
ومن الآراء التي رصدت هذه التجربة السينمائية استطلعنا رأي الكاتبة الإعلامية زينب شحود التي تولت تقديم فيلم أماني عند عرضه في صالة سينما الكندي بدمشق العام الفائت بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة عمالة الأطفال، حيث تقول "يقدم الإعلامي محمد سمير طحان أفكاره بقالب مؤثر وجذاب يعالج العديد من القضايا المجتمعية، بلغة سينمائية بسيطة ومدروسة وهادفة، من خلال رفع الوعي حول قضايا الأطفال عبر عرض واقعهم ودعوة المشاهدين إلى التفكير في مسؤوليتهم تجاههم بصورة تجمع بين الفن والرسالة الاجتماعية".
وحول فيلم "أماني" الذي عالج ظاهرة إجبار الأطفال على ترك الدراسة والانخراط بسوق العمل، ترى شحود أن الفيلم تصدى لإحدى المشكلات الاجتماعية التي تؤثر في المجتمعات من خلال لقطات مؤثرة تشد المُشاهد، منها مشهد انتظار الأطفال لعربات القمامة في مكب النفايات والذي بدا واقعياً جداً لما وثقه من حجم المأساة التي يعيشها هؤلاء الأطفال بطريقة إخراجية من حيث استخدام أساليب تصوير تعكس الواقع وتعزز من الشعور بالمعاناة، ما أضاف عمقاً لنص الفيلم وجعل المُشاهد يشعر بالتعاطف مع الأطفال ويعي حجم المأساة التي يعيشونها، فضلاً عن الموسيقا التصويرية التي كانت أيضًا مؤثرة وأسهمت في خلق جو من التأمل.
في مسيرة طحان العديد من الجوائز فحصل على 3 جوائز من مؤسسة السينما في مسابقة السيناريو لأعوام 2015 و2021 و2024، كما شاركت أفلامه باسم المؤسسة في مهرجاني الغردقة والفيوم بمصر، على أمل أن تحظى تجربته الفريدة مع سينما الأطفال بالمزيد من الدعم وتتوافر لها إمكانيات الاستمرار والتطور