ظلت الذاكرة الشعبية تحتفظ ببعض التقاليد التراثية القديمة لأهل "الرقة"، مثل احتفال "الْسَكاَرات"، وهن الصبايا اللواتي كنَّ يقمن بتسكير الماء في مجرى النهر لإرواء الأراضي الزراعية، وحكايا "السدو"، وهو طريقة نسج وصنع بيت "الْشَعَرْ" كما يسميه أهل "الرقة" وما يلي ذلك من احتفالية جميلة نسميها اليوم بالافتتاحية، وأخيراً "الطهور" وما ولَّدته هذه العادات في ذاكرة الرقاويين من حكايا أقرب للأساطير.
موقع eRaqqa مدونة وطن التقى الباحث والمختص في علم الآثار، وتاريخ وادي الفرات اللامادي، السيد "محمد العزو" الذي حدثنا عن هذه العادات التي صارت أقرب للاندثار قائلاً: «استقرت المجموعات السكانية الجديدة الوافدة إلى "الرقة" على ضفاف نهري "الفرات"، ورافده "البليخ"، في مرحلة مبكرة من وصولها، فمنذ بداية النصف الثاني من القرن التاسع عشر ميلادي استوعب سكان "الرقة" الجدد المحيط البيئوي الذي يلفهم، وهذا الاستيعاب ناتج عن أنَّ هذه الجماعات الجديدة كانت تتمتع بقيم حضارية واجتماعية، وأنَّ النفس الإنسانية وراء كل تجديد مبدع، وأنَّ الفكر هو المختبر الجماعي الذي تُعد النفس الإنسانية في رحابه تغيراتها الكبرى، أما اليوم فإنّ كل شيء قد تغيّر، ومع العولمة الجديدة كدنا أنْ ننسى كل شيء، لكن الذاكرة أقوى من كل المؤثرات الأخرى، ومازلنا نتذكر ونتحدث عن بعض العادات والتقاليد التي كان يمارسها الآباء والأجداد، والجدات والأمهات، والخالات والعمات وغيرهم، فهذه التقاليد وتلك العادات كانت ومازالت تشكل جزءاً من ثقافتنا الشعبية، وكان التعبير عن هذه الثقافة يتم عبر الممارسات التي تتم بشكل جماعي، وأحياناً تأخذ شكلاً احتفالياً مثل احتفال "السكارات"، و"السكارات" هن فتياتٌ ريفيات يشاركن الزُّراع والفلاحين، بإقامة السدود الاصطناعية المؤقتة على نهر "البليخ"، كان ذلك في ثلاثينيات القرن الثامن عشر الميلادي، حيث لا وجود بعد للمولدات الكهربائية، التي تساعد في رفع الماء من النهر لري الأراضي المعدة للزراعة، لذلك لجأ الزراع والفلاحون إلى سدِّ جزء من مجرى النهر، كي يرتفع منسوب المياه حيث تجري في السواقي التي أعدوها مسبقاً لري الحقول المحروثة».
استقرت المجموعات السكانية الجديدة الوافدة إلى "الرقة" على ضفاف نهري "الفرات"، ورافده "البليخ"، في مرحلة مبكرة من وصولها، فمنذ بداية النصف الثاني من القرن التاسع عشر ميلادي استوعب سكان "الرقة" الجدد المحيط البيئوي الذي يلفهم، وهذا الاستيعاب ناتج عن أنَّ هذه الجماعات الجديدة كانت تتمتع بقيم حضارية واجتماعية، وأنَّ النفس الإنسانية وراء كل تجديد مبدع، وأنَّ الفكر هو المختبر الجماعي الذي تُعد النفس الإنسانية في رحابه تغيراتها الكبرى، أما اليوم فإنّ كل شيء قد تغيّر، ومع العولمة الجديدة كدنا أنْ ننسى كل شيء، لكن الذاكرة أقوى من كل المؤثرات الأخرى، ومازلنا نتذكر ونتحدث عن بعض العادات والتقاليد التي كان يمارسها الآباء والأجداد، والجدات والأمهات، والخالات والعمات وغيرهم، فهذه التقاليد وتلك العادات كانت ومازالت تشكل جزءاً من ثقافتنا الشعبية، وكان التعبير عن هذه الثقافة يتم عبر الممارسات التي تتم بشكل جماعي، وأحياناً تأخذ شكلاً احتفالياً مثل احتفال "السكارات"، و"السكارات" هن فتياتٌ ريفيات يشاركن الزُّراع والفلاحين، بإقامة السدود الاصطناعية المؤقتة على نهر "البليخ"، كان ذلك في ثلاثينيات القرن الثامن عشر الميلادي، حيث لا وجود بعد للمولدات الكهربائية، التي تساعد في رفع الماء من النهر لري الأراضي المعدة للزراعة، لذلك لجأ الزراع والفلاحون إلى سدِّ جزء من مجرى النهر، كي يرتفع منسوب المياه حيث تجري في السواقي التي أعدوها مسبقاً لري الحقول المحروثة
ويتابع "العزو" حديثه بالقول: «كانت هذه الطريقة معروفة لدى سكان الجزيرة السورية العليا منذ الألف الثالث ق.م، وكانت هذه السدود أو "السُّكور" تُبنى أو تُعد على النحو التالي: بدايةً يُقسَّم العمل إلى فريقين، الفريق الأول يتكون من عشر فتيات أو أكثر، أما الفريق الثاني فيتكون من الشباب وعددهم غير محدد، يبدأ العمل قبل خمسة عشر يوماً من تسكير مجرى الماء، والبداية تكون عادة مع الفتيات، حيث يبدأن بتحضير نبات الشوك صباحاً ومساءً، وفي الليل كن ينمن في خيمٍ نصبت لهن عند الموضع الذي سيقام عليه ما نسميه "بالسِكْرْ"، وقبل النوم كانت الفتيات يتسامرن ويتجاذبن أطراف الحديث، حول الحب والشباب والمستقبل وغالباً ما يُقمن الدبكات والأهازيج والغناء، خاصة بعد أن يضع الرجال "الهوكات" وهي حِزَمْ كبيرة مستطيلة الشكل، يصنعها الرجال من نبات الشوك المحضَّرْ من قبل الصبايا، حيث توضع في عرض مجرى النهر فوق بعضها البعض، ثم يقوم الفتية من الرجال بوضع "أكياس" مملوءة بالتراب فوق هذه "الهوكات"، وفي اليوم الأخير تقيم الصبايا احتفالاً كرنفالياً يذكرنا بالاحتفالات "الدينيسيوسية" التي كانت تقام في اليونان، وبعد سد المجرى يقوم الفلاحون والزراع، ومعهم النساء من كافة الأعمار بالاحتفال الكبير، فتأخذهم نشوة الانتصار على الطبيعة، وشعورهم بأنهم أوجدوا جملة من الابتكارات والتجديدات التي لها غايات نفسية ومادية، على أنها طرائق جديدة في حياتهم، مشروطة نفسانياً فيما عملوه بطريقة واقعية ورمزية بآن واحد.
أما "السدو" فهو مثل الآلة اليدوية مكوَّنْ من عدة قطع، لنسج مكونات الخيمة العربية أو ما يعرف ببيت الْشَعَرْ، المصنوع من شَعْر الماعز، ويتكون "السدو" من أربعة أوتاد خشبية تنصب على شكل متصالب، حيث كل وتدين متصالبين ينصبان بشكل قائم قبالة بعضهما البعض، وتكون نهاية الأوتاد المثبتة في الأرض أطول من النهايات العلوية، وهناك المنساج، والصيصة وهي قرن ماعز أو غزال، والميشع، والنيرة، وتبدأ عميلة نسج قطع الخيمة العربية، وتسمى بالفصيح العامي المحكي بـ"الشكاك" وتلفظ الكاف جيماً مصرية مخففة، باحتفالية تراثية لدى كل أهل "النزل" المكون من مجموعة من الخيام المنصوبة، إما على أرض مستطيلة أو مربعة الشكل، تكون البيوت فيها متقابلة، وتبدأ عملية نسج "الشكاك"، وعادة ما تجري قبيل حلول فصل الخريف، حيث تبدأ النسوة بغزل شعر الماعز بواسطة ما يسمى محلياً بـ"الدوك"، وهو عبارة عن عصا رفيعة مبرومة الشكل طولها لا يتجاوز نصف المتر، في أحد طرفي هذه العصا أو العود الخشبي كما يسميه الأهالي محلياً، قطعتان خشبيتان مثبتتان فوق بعضهما على شكل أنثى وذكر، طول الواحدة لا يتجاوز /10/سم، وبعرض /3/سم، ففي المرحلة الأولى تعمل النساء من شعر الماعز بواسطة "الدوك" خيوطاً سوداء سميكة وخشنة الملمس، وفي المرحلة الثانية تبدأ النسوة بغزل هذه الخيوط بواسطة "المبرم" لجعل الخيوط مفتولة ورقيقة الملمس، والمبرم يشبه "الدوك" تماماً، إلاَّ أنَّ القطعة المثبتة في نهاية العصا مكونة من قطعة واحدة أسطوانية الشكل، تتكون بيوت الْشَعَرْ عادةً من عدة أشكال وحجوم وأصغر حجم فيها هو المسمى بــ "الخص"، الذي يقوم على عمود واحد، ثم يليه "المقورن" الذي يقوم على ثلاثة أعمدة ويلفظ بـ" المكورن" وتلفظ الكاف جيماً مصرية مخففة، ثم "المثولث" ذو الأعمدة الثلاث، و"المروبع"، و"المخومس"، ويليه "المسوبع"، و"المثومن" فالمتوسع، والغريب في الأمر أنه لا يوجد حجم المسودس "السداسي"، وتبدأ عملية الغزل بأن تربط المرأة طرف الخيط الخشن بنهاية عصا "المبرم" التي تخترق القطعة الاسطوانية، فتحرك عصا "المبرم" على فخذها الأيسر وبكفها الأيسر من بداية أطراف أصابع الكف حتى نهايتها، بينما ترفع يدها اليمنى إلى الأعلى ممسكة بالخيط الخشن، وهكذا تستمر العملية على هذا المنوال حتى تتم المرأة غزل كافة الكمية التي تسمى محلياً "درْجةْ الغزل" أو الشعر أو الصوف، ثم تبدأ بالأخرى من جديد إلى أن يتم غزل كافة الكمية المخصصة للخيمة أو البيت، حسب حجمه، حيث تبدأ النسوة بنسج هذه الخيوط فتجعل منها ما أطلقنا عليها اسم "الشكاك"».
وعند سؤالنا "العزو" عن دور الرجل بكل ما سبق، أجاب بقوله: «بعد هذا الجهد المضني والذي يدوم طويلاً بغزل ونسج قطع بيت الشعر (الخيمة العربية)، يأتي دور الرجال في "النزل" أو المخيم، بخياطة هذه القطع المنسوجة من وبر الماعز بعضها البعض بطريقة متقنة جداً، ثم يُبنى البيت بواسطة الأعمدة الخشبية، وعددها حسب حجم البيت طولاً وعرضاً، وعادة ما تتكون الخيمة العربية من الغطاء العلوي ثم الرواق ويلفظ "بالرواك" أيضاً بالجيم المصرية المخففة، والرواق هو الآخر مصنوع من وبر الماعز ويلف الخيمة "بيت الشعر" كاملةً، ويثبت على أوتاد خشبية، وللبيت العربي مدخلان واحد خاص بالنساء والآخر خاص بالرجال، أما أجزاء الخيمة "بيت الشعر" الأخرى، فتتكون من "الرصايع" و"الطرايج" وحبال "المرس"، ولكل جزء من هذه الأجزاء وظيفته الخاصة، وبعد الانتهاء من نصب الخيمة، يقوم صاحبه بإقامة وليمة كبيرة يُدْعى إليها أهل المخيم "النزل" وكذلك النزل المجاور لهم، فتذبح الخراف والنعاج ثم يقوم علية القوم وشيخ العشيرة، بتدشين البيت بوضع القليل من دم الذبيحة على الرواق "الرواك"، وإذا كان صاحبه من أغنياء العشيرة، يطلق الرصاص من البنادق وتزغرد النساء وتقام الدبكات فرحاً بهذا الانتصار العظيم، وبعد الانتهاء من الأكل يقوم الرجال بمسح أيديهم بأطراف الخيمة اعتقاداً منهم أنَّ الدسم يمنح بيت الْشَعَرْ الثبات الطويل، هذه الحالة الافتتاحية ظلت متداولة حتى سكنت هذه الجماعات البشرية في مساكن ثابتة مبنية من الحجر، فأخذت شكلاً تواصلياً وجديداً، ولابد من الإشارة إلى أنَّ شكل "الدوك" أو المغزل كان معروفاً منذ مرحلة العصر الحجري الحديث، وأنَّ أوتاد وأعمدة البيت العربي "بيْتُ الْشَعَرْ"، كانت هي الباعث والأساس في اكتشاف الأعمدة الحجرية، التي تحمل الأسقف وواجهات المباني، القديم منها والحديث حسب رأي بعض مؤرخي الفن والعمارة».
وكانت المجموعات السكانية الجديدة الوافدة إلى "الرقة" استقرت على ضفاف نهري "الفرات"، ورافده "البليخ"، في مرحلة مبكرة من وصولها، فمنذ بداية النصف الثاني من القرن التاسع عشر ميلادي استوعب سكان "الرقة" الجدد المحيط البيئوي الذي يلفهم، وهذا الاستيعاب ناتج عن أنَّ هذه الجماعات الجديدة كانت تتمتع بقيم حضارية واجتماعية، وأنَّ النفس الإنسانية وراء كل تجديد مبدع، وأنَّ الفكر هو المختبر الجماعي الذي تُعد النفس الإنسانية في رحابه تغيراتها الكبرى، أما اليوم فإنّ كل شيء قد تغيّر، ومع العولمة الجديدة كدنا أنْ ننسى كل شيء، لكن الذاكرة أقوى من كل المؤثرات الأخرى، ومازلنا نتذكر ونتحدث عن بعض العادات والتقاليد التي كان يمارسها الآباء والأجداد، والجدات والأمهات، والخالات والعمات وغيرهم، فهذه التقاليد وتلك العادات كانت ومازالت تشكل جزءاً من ثقافتنا الشعبية، وكان التعبير عن هذه الثقافة يتم عبر الممارسات التي تتم بشكل جماعي، وأحياناً تأخذ شكلاً احتفالياً مثل احتفال "السكارات"، و"السكارات" هن فتياتٌ ريفيات يشاركن الزُّراع والفلاحين، بإقامة السدود الاصطناعية المؤقتة على نهر "البليخ"، كان ذلك في ثلاثينيات القرن الثامن عشر الميلادي، حيث لا وجود بعد للمولدات الكهربائية، التي تساعد في رفع الماء من النهر لري الأراضي المعدة للزراعة، لذلك لجأ الزراع والفلاحون إلى سدِّ جزء من مجرى النهر، كي يرتفع منسوب المياه حيث تجري في السواقي التي أعدوها مسبقاً لري الحقول المحروثة
ويذكر أن لعبة "السكارات" قد انقرضت تماماً في المنطقة، ولم تعد سوى فلكلور شعبي تروى عنه الحكايا والقصص، ومادةً فيها الكثير من الغنى بحيث تناولها قصاصو "الرقة" وروائيوها كمادة أدبية، وفي مقدمتهم الأديب "إبراهيم الخليل"، أما "السدو" فلقد تضاءل العمل به حتى بات قاب قوسين أو أدنى من الانقراض، حيث طغت الخيّم المعدنية، التي وفرت الكثير من الجهد والوقت، في زمن الهرولة.