تحدى ظروفه ليكون عضواً مؤثراً في مجتمعات عدة من العالم، منطلقاً من رحِم بيئة فقيرة، سافر إلى "لبنان" وتخرج من إحدى جامعاتها حاصلاً على بكالوريوس في الأدب العربي، ثم إلى "المغرب" و"كندا"، وأكمل دراسته في جامعة فولار"أمريكا"، ونال "مظهر الملوحي" دكتوراه فخرية وألّف عدة روايات ومؤلفات في اللاهوت، ثم استقر في أستراليا.
مسيرة حياة ملأى بالجهد والكفاح والعمل
في عائلة مؤلفة من عشرة أفراد معيلها يعمل سمساراً لبيع الأغنام ولد "مظهر الملوحي" عام 1935 في "سلمية"، حسب حديثه إلى مدونة وطن مضيفاً: عانت أسرتي من دخل محدود لا يكفي لتأمين مستقبلنا، ولا حتى تأمين مصباح كهربائي يضيء بيتنا؛ فقاتلت الظلمة ومارست هواية المطالعة مذ كنت طفلاً تحت مصباح وحيد في ساحة "سلمية".
ويتابع حديثه: "سافرت إلى "لبنان" عام 1961 بعمر ستة وعشرين عاماً وبقيت فيها حتى أواخر الستينات؛ أنهيت خلالها دراسة الأدب العربي في الجامعة اللبنانية، وأسست داراً للنشر "مركز المطبوعات" واتخذت من بيتي صالوناً ثقافياً وملتقى للأدباء أمثال "سامي الجندي" و"أمين الحافظ" و"أكرم الحوراني" ومصطفى غالب" و"أحمد سويداني" و"أحمد الجندي" و"مصطفى ميرزا"، ولكني غادرتها في 1969 بعد أن هاجر رفاقي لـ"العراق" إلى "المغرب" العربي وأسست معملاً لبيع القهوة عام 1969 حتى 1971، سافرت بعدها إلى "كندا" وأمضيت 7 شهور وانطلقت بعدها إلى "أمريكا" لأكمل دراسة اللاهوت في جامعة فولار، وعملت هناك في محطة بنزين وتنظيف السيارات لأعيل نفسي، وحين بلغت الأربعين 1975 التقيت بزوجتي الأسترالية، وأقمنا في "إبسبن" أجمل مدينة في "أمريكا".
ويتابع حديثه.: "بعد زواجي بـ 7 شهور سافرنا إلى "مصر" وأنجبت ابني "فارس" فيها، كنت وقتها مندوب شركة أسترالية للأغذية ولثلاث سنوات حتى 1979، لأعود إلى "فاس" في "المغرب" العربي وأسست شركة لصناعة السجاد القديم وبيعه كتحفة أثرية، وبقيت في "المغرب" 10 سنوات ثم سافرت إلى "أستراليا"، وبعدها انطلقت إلى "تونس" كمستشار لشركة أمريكية تعنى بالاتصالات".
يعد "الملوحي" همزة وصل بين ماض موجع وأمل بمستقبل واعد
يعد "الملوحي" همزة وصل بين ماض موجع وأمل بمستقبل واعد، إنه يؤمن بالإنسان متخطياً حدود الجنس واللون والدين حسب ما حدثنا "ميشيل جبور" من "لبنان" ويتابع كلامه قائلاً: إن معاناته في السجن خلقت لديه قناعات تجاوزت مجتمعه الضيق فأطلق فكراً نيّراً نزع كل الأقنعة التي كبلت بيئته وأكثر ما كان يؤلم "الملوحي" حالة العالم العربي الباحث عن هوية ضائعة، لكن شوقه الدائم إلى جذوره ورغبة العودة لبلاده التي حرم زيارتها زمناً، كان وجعه الدائم، إنه كريم اليد كقلبه، متواضع، قليل الكلام، كثير التفكير، وروح الدعابة لا تفارقه مهما كان يعاني من ألم، ينسى الإساءة ويغفر للمسيء بفرح، نشتاق لمجلسه وحضوره كلما غاب عنا، إنه شرقي الجذور وهذا ما دفعه للغوص في حياة المسيح ليعيده إلى أذهاننا إنساناً شرقياً في مجتمع شرقي وكتابه (قراءة صوفية لإنجيل يوحنا) و(الإنجيل قراءة شرقية) أكبر برهان على قولنا هذا.
ومن جامعة جندوبة في "تونس" أضاف أستاذ الحضارة "علي المخلبي" الذي شارك في ترجمة العهد الجديد للباحث "مظهر الملوحي": عرفت "أبا فارس الملوحي" منذ عشرين عاماً، وهو مثال للرجل المتفتح فكرياً ودينياً، والشديد الإيمان بمن يفتح باب السلام، دافع بكل قوة في أدبه عن المهمشين، وعبّر عن ذلك في روايته ضائعة في المدينة، ويمكن للمرء أن يتعلم منه الكثير كالصبر على أصدقائه وحرصه ألا يفقد صداقة أو محبة أحدهم".
اهتم " الملوحي" بالمعاناة الإنسانية في الحياة تحت وطأة الحداثة القاسية
ويضيف الدكتور "ناجي الحجلاوي" من "تونس": لقد اهتم الكاتب "مظهر الملوحي" بالمعاناة الإنسانية في الحياة تحت وطأة الحداثة القاسية والمدينة الصماء والحضارة الجوفاء، والقارئ لأدب "الملوحي" يجد نفسه في حركة سردية مزدوجة الوظيفة ما بين سحر الواقع وعمق المعالجة الأدبية ويشير الحجلاوي قائلاً: ساهم باللاهوت وقضاياه لأهميته في حياة الناس الروحية، ومن رصيده نذكر "قراءة صوفية لإنجيل يوحنا" من إصدار دار الجيل في "بيروت" والذي يسلط الضوء على الأبعاد الروحية والرمزية في تعاليم المسيح العالية والرفيعة، فأخرج النص الديني من الحرفية المقيتة، و"للملوحي" أثر فعّال في بيان صلاحية التعاليم الإنجيلية إذا تم فهمها على الوجه المطلوب وفي هذا المجال أعد مشروعاً صدر منه جزءان الأول بعنوان "المعنى الصحيح في إنجيل المسيح" وكتاب "البيان الصريح لحواري المسيح " وهو الجزء الثاني لمشروع فكري وثقافي طموح يهتم بمسائل العهد الجديد وهو عمل نشر بـ2016، وقيمة هذا الكتاب تتمثل في أن رسائل الحواريين تحتوي على دروس أخلاقية وقيم روحية كفيلة بإسعاد البشر بكل آونة وعصر، والمجلدات تكشف عن إرادة صلبة لتقديم فكر مستنير وغير متعصب وما زال القارئ
متعطشاً إلى مثل هذه الجهود العلمية من الأستاذ "مظهر الملوحي".
صاحب مكتبة "دار "سلمية" للكتاب "حسين الحاج" قال: أختصر معرفتي بالأديب "الملوحي" بـ "الكتاب يجمعنا"، والتي بدأت من سنوات عديدة على أرضية مشروع تعاون يتعلق بالكتاب؛ و"الملوحي" مختلف عمن عرفت بكل معنى الكلمة، فمشوار حياته لم يكن سهلاً مذ غادر سلمية "هرباً من قسوة الحياة وبحثاً عن حياة أفضل وبناء نفسه، وفي نفس الوقت أقام علاقة وثيقة مع الكتاب، ما ترك أثراً واضحاً في شخصيته وصموده أمام صعوبات الغربة والحياة الجديدة. إنه محب للحياة؛ مغامر؛ يحب الترحال؛ عاشق للكتابة والثقافة؛ سريع البديهة؛ حاضر النكتة؛ محب للفرح وفعل الخير؛ ومخلص لـ"سلمية"، ومن خلال قراءتي لمؤلفاته وجدت فيه قراءة عصرية واضحة للكتاب المقدس، إضافة إلى الكثير من الجحود والوجع الإنساني، و الخير الموجود دائما، ، أتمنى له طول العمر ودوام العطاء.