يأتي شهر "رمضان" المبارك حاملاً معه الخير والبركات للناس أجمعين، وذلك من خلال الأجواء الدينية والروحانية والاجتماعية، إضافة إلى مجموعة من العادات والتقاليد الاجتماعية والأسرية التي تجعل منه شهراً استثنائياً ومختلفاً عن بقية أشهر السنة، ربما في هذه الشهر تغيرت الظروف الاقتصادية قليلاً عن السابق، إلا أن العادات والطقوس الرمضانية لا تزال هي نفسها، ولا سيما أن هذه الطقوس باتت قواعد صلبة لا تتغير في حياة أبناء الجولان عبر تمسكهم بالروابط الاجتماعية القوية ونسيجها المتآلف، فقد بقوا محافظين على عاداتهم الرمضانية.
عادات اجتماعية متوارثة لا تزال راسخة
شهر رمضان شهر له مكانته واحترامه عند أبناء الجولان ينتظره الناس بفارغ الصبر، تتجلى فيه الرحمة والمغفرة بحسب عدنان شبول أبو عمر من أبناء الجولان
" تجمع سبينة"، والذي أضاف في حديثه لمدونة وطن: هناك عادات اجتماعية متوارثة موجودة لدى أبنا ء الجولان منذ النزوح الى هذا الوقت، ومنها إقبال الجولانيين بكثرة على شراء اللبن خلال الشهر الفضيل كونها تدخل في أكلات كثيرة مع البرغل والشاكرية والكبة اللبنية وشيخ المحشي والمليحي والمنسف العربي والشيش برك والكشكة والفتة”، حيث تتم العزائم بهذا الشهر الفضيل التي تزيد من التماسك الاجتماعي، ناهيك عن جمعة الخلان والقرايب وأفراد الأسرة الواحدة.
ومحمد العوض العلي من أبناء الجولان يسكن في مساكن برزة، يقول: إن شهر رمضان هو شهر الخير والإحسان، وخاصة مع الجيران، وهذا ليس بجديد، بل معهود منذ أجدادنا السابقين، فالجار قبل الدار، حيث تتناقل الصحون قبل الأذان يحملها الأطفال بين المنازل.
ياسين شحادة الهودجي أبو عمر مواليد 1969 يقول: إنه منذ صغرنا كنا نصوم طيلة الشهر ولا نفطر ، هكذا نشأنا وتربينا على عادات رمضانية حميدة، ومنها كنا نشاهد الأطفال في الحارات القديمه في مشهد جميل وغاية الروعة تتناقل الصحون من دار الى دار، إضافة إلى الأعمال الخيرية القائمة في رمضان من خلال المساعدات والمبادرات المادية للفقراء والمحتاجين في هذا الشهر الفضيل والإفطارات الخيرية للمستحقين من خلال الجمعيات والمجتمع المحلي.
ويضيف الهودجي: إن هذا العمل الجميل كفيل لأن يجعل الناس متكافلين متحابين يداً واحده يساعد بعضهم بعض وغير ذلك، نشاهد بعد صلاه التراويح الرجال يتسامرون ويجلسون مع بعضهم يتناولون القهوه المرة مع التمر، أما النساء العفيفات فيجتمعون حول أولادهم، ومن يلوذ بهن من أقارب وأحفاد، ليبنوا قاعدة متينة قوامها المحبة والاحترام ؛ ليكون كل أهل الجولان بهذا العمل المتكامل عائلة واحدة تقف مع بعضها البعض في السراء والضراء.
ذكريات رمضان في الجولان المحتل
فراس أنور البشوات من قرية المجامع 1955 يتحدث عن طقوس رمضان قبل النزوح والمترافقة إلى اليوم بقوله: إن عمه المرحوم ذيب الشوات كان لديه مضافة بمساحة نحو 1500 متر مربع تتسع لعشرات الأشخاص، ويقوم بدعوة أبناء القرية للإفطار بالمضافة المعروفة عبر ذبح الأغنام، وكان أحيانا يأتي ضيوف من الشام للجولان لتدار القهوة المرة بالمجلس، وحين الصلاة يصعد للسطح المنزل ويؤذن للناس، حيث لم يكن بالقرية مسجد أو تراويح لتؤدي الصلاة بالمضافة ويؤم الصلاة رجل يدعى صالح الطويل.
أما عن السحور فيتحدث البشوات من قرية المجامع تولد 1955: إن النساء كانت تعد الطبخ من الخضراوات، ومن خلال وجود السمن والتمر واللبن، ويتذكر ذلك "الجدر" الوعاء الكبير الذي يتسع ل 250 كيلوغراماً من اللبن، يتم توزيعها على أبناء قرية المجامع، وخاصة ممن لا يملك أغناماً أو مواشي، تزين أطباق اللزاقيات المغموسة بالسمن العربي السهرة بالمضافة الكبيرة.
بدوره، يؤكد حسين كنيهر أبو مهران من سكان حجيرة أن العادات الرمضانية إلى هذا الوقت محافظة على أصولها من الإحسان للجيران وتوزيع السكبة والصدقات وصلاة التراويح، رغم أنه قلت بهذه الأيام العصيبة، مشيراً إلى أن رمضان لدينا لا يزال شهر عبادة وإحسان للفقراء، وأبناء الجولان محافظون على هذا الإرث المتوارث أباً عن جد.
أجواء خاصة بالشهر المبارك
هو شهر النظافة والأخلاق الحميدة حسب قول محمد البكر صاحب محلات جملة مواد غذائية في خان ارنبة، ويتابع حديثه: فالأجواء المعتادة في رمضان إننا نستقبله نحن اليوم كبائعين بتنظيف الطرقات من القمامة والأوساخ، ورشها بالمياه تيمناً بقدوم هذا الشهر الفضيل، كما أنه يتم تزيين المحلات بأغصان الأشجار وتعليق صور هلال شهر رمضان، ويتم فرش البسطات أمام المحلات، ووضع الأناشيد الدينية أمام المارة لإضافة أجواء رمضانية خاصة بالشهر المبارك.
ويضيف البكر من العادات الموجودة اليوم أنه خلال الشهر تغلق محلات المأكولات كالسندويش والوجبات السريعة خلال فترة النهار لتفتح قبل الإفطار بساعات قليلة، لتستبدل هذه بمحلات بيع مأكولات السحور والعرق سوس والتمر هندي، إضافة إلى المعروك وقمر الدين والكعك وخبز التنور.
أما تركي المحمود من قرية وادي السمك بالجولان المحتل ويقطن بالحسينية فقال: في الأيام الأخيرة منه، تقوم النسوة بإعداد خبز العيد والحلويات المتنوعة استعداداً لقدوم عيد الفطر المبارك، ومنها البتيفور والبرازق والغريبة، بعض منها يُعد بالسمن وآخر بالزيت، ثم يكون التسوق في الليالي الأخيرة من الشهر الفضيل لشراء ملابس العيد، وهو تقليد ممتع يتبعه الناس لرسم البهجة والفرحة على وجوه الأطفال.