ثم أضاف الأستاذ "ياسر" قائلاً :« أخي وصديقي الدكتور "صباح قباني" نشر في جريدة تشرين مقالة نادرة في إخراجه عنوانها "رئيس وشاعر" تتحدث عن علاقة القائد الخالد "حافظ الأسد" والشاعر الكبير "نزار قباني" التي قال فيها :«على مدى سنوات طويلة بادل نزار رئيسه حباً بحب، وكان الرئيس يعرف أن شاعر دمشق الذي نشأ في بيت وطني مناضل، ينطلق في ما يكتب من إيمانه القومي الأصيل بوطنه وبعروبته وبمواقف رئيسه، ظل الرئيس يحيط "نزار" على امتداد السنوات بحبه، ورعايته، واهتمامه وعندما كان في تلك الغيبوبة الطويلة في لندن كانت اتصالات الرئاسة السورية معي لا تتوقف للاطمئنان عليه ، كما جرى إستنفار أعضاء السفارة السورية في لندن بتكليف من الرئاسة ليقوموا يومياً بالمجيء إلى المستشفى لعيادة "نزار" والاطمئنان عليه».
ثم تحدث الدكتور "صباح قباني" بدوره قائلاً :« أبدأ بعبارة كتبها الكاتب السوداني الكبير الراحل "الطيب صالح" عن "نزار"- يصعب تصور العالم العربي من دون "نزار" والأحداث تأخذ معناها من وصفه لها، النصر لا يكون نصراً إلا إذا أعتبره "نزار" نصراً، والهزيمة لا تفهم أبعادها حتى يقول فيها "نزار قباني" شعراً, وكأن المحبين لم يعرفوا الحب حتى قرؤوا شعر "نزار" - لماذا أحتل هذه المكانة في العالم العربي وأحبه الناس، لأنه أستعمل اللغة السهلة الممتنعة لغة الناس أخذها من شفاههم وأعادها إليهم، كل واحد كان يتصور وهو يقرأ قصيدة "نزار" أنه هو الذي كتب هذه القصيدة كتبها باللغة الفصحى الميسرة، وهو الذي رفع الكلفة بينه وبين الناس،وكان يقول دائماً «أنا الشفاه للذين مالهم شفاه، أنا العيون للذين مالهم عيون، أنا كتاب البحر للذين ليس يقرأون, أنا الكتابات التي يحفرها الدمع على عنابر السجون»، بهذه اللغة السلسة استطاع "نزار" أن يتخطى حدود الوطن العربي الذي لم يستطع السياسيون أن يوحدوه في حين استطاع شعر "نزار" أن يفعل ذلك».
كلما غنيت باسم إمرآةٍ أسقطوا قوميتي عني وقالوا لماذا لا تكتب شعراً عن الوطن،آهٍ لو يعرف من يقرأني أن ما أكتبه في الحب مكتوب لتحرير الوطن
وعن الصفات التي أطلقت على "نزار" ورأيه فيها قال:« أطلقت عليه صفات كثيرة شاعر الحب، شاعر المرآة, شاعر المجون, كان لا يرضى عن هذه الصفات التي ألصقت به ويقول :« أنا شاعر قضية المرآة وليس المرآة، قضية الوطن, قضية الحرية»، هذا ماكان ينشده ويصبوا إليه وكان يقول أيضاً :« كلما غنيت باسم إمرآةٍ أسقطوا قوميتي عني وقالوا لماذا لا تكتب شعراً عن الوطن،آهٍ لو يعرف من يقرأني أن ما أكتبه في الحب مكتوب لتحرير الوطن». وعن علاقات "نزار" العاطفية قال الدكتور "صباح" :« كان في علاقاته العاطفية ملتزماً مبدأ الصدق مع نفسه ومع من عرفهن كما قال:«عرفت نساء هنا ونساء هناك ووجها جميلا هنا ووجها جميلا هناك وغنيت أحلى القصائد تحت نوافذ كل بلد، لكنني لم أقل مرة لأية سيدةٍ جالستني وأية عابرةٍ صافحتني "أحبكِ حتى الأبد"،ليس هناك في لغة العشقِِِ شيء يسمى الأبد فكل الجميلات يأتين يوماً ويرحلن يوماً ويبقى الوحيد الأحد».
وتطرق الدكتور "صباح" إلى بدايات "نزار" الشعرية في قوله:«مارس الرسم والموسيقا والخط الذي تعلمه على يد واحد من أشهر الخطاطين السوريين وهو "بدوي الديراني"، ثم أنتقل إلى الشعر الذي رأى فيه قدره، كان غالباً ما يرسم أغلفة دواوينه ويكتب خطوطها بنفسه أما الموسيقى فكل قارئ لشعره يحس بأن الموسيقى متغلغلة في كل حرف من قصائده، وأتى ذلك على لسان الموسيقار الراحل "محمد عبد الوهاب" حيث قال لي ذات مرة: «القصائد التي تأتيني من "نزار" لا تحتاج إلى جهد كبير في التلحين».ولأهمية الأغاني التي غناها كبار المطربين العرب وهي من أشعار "نزار قباني" تم الاستماع خلال الأمسية إلى أغنية "أيظن أني لعبة بيديه" للمطربة "نجاة الصغيرة" وألحان الموسيقار "عبد الوهاب"، وأغنية "قارئة الفنجان" للراحل "عبد الحليم حافظ" ، وفي نهاية الأمسية تم عرض فيلم وهو عبارة عن مقابلة نادرة جداً قام بها الشاعر "فاروق أبو شوشة" مع الراحل "نزار قباني" والفيلم قام بإعداده السيد "أحمد القاضي" الذي قال لنا :« قمنا وعلى مدى أيام بالتجهيز لهذا الفيلم لعرضه في يوم الذكرى الحادية عشرة لوفاة شاعرنا العظيم ، وتم الحصول على المواد المطلوبة بمساعدة الأستاذ "ياسر المالح" والدكتور "صباح قباني"».
وفي مقالة الدكتور "صباح" المنشورة في جريدة تشرين في يوم 30/4/2009 قال:« هزت بادرة الرئيس الأسد الرائعة وجدان "نزار" حين أمر السيد الرئيس بإطلاق أسمه على واحد من أجمل شوارع دمشق فكتب في 27/3/1998 أي قبل أن يغمض عينيه إلى الأبد بشهر واحد، مقالته الأخيرة قال فيها:« إن هذا الشارع الذي أهدته دمشق إلى هو أجمل بيت امتلكته على تراب الجنة. فالسكنى في الجنة ... والسكنى في دمشق شيء واحد الأولى تجري من تحتها الأنهار والثانية تجري من تحتها القصائد والأشعار».