ذكر الأستاذ "نزيه حمزة" ان هناك لقى أثرية تحتاج إلى بعثات للدراسة والتنقيب، مثل: سُرُج فخارية وصحون وجرار فخارية بالإضافة إلى أساور وخلاخل وخواتم ونقود وأقراط برونزية وأقراط ذهبية وعدد من الأساور الزجاجية بالإضافة إلى قارورة زجاجية وكسر لفوهات وقواعد لكاسات زجاجية، وحلقات معدنية للتوابيت الخشبية، وكم هائل من المسامير الحديدية لتثبيت الأخشاب، وقائمة كاملة مرفقة باللقى الأثرية المكتشفة في المنطقة.

والسؤال: هل تستطيع المديرية العامة للآثار والمتاحف الإجابة عن أسئلة أوابدنا التاريخية بصمتها أم إنها تسعى لإظهار مفاتن تلك الكنوز التاريخية الدفينة...؟

وما نرجوه أن تتكاتف الجهود من كافة الجهات المعنية لتلقى الآثار والمتاحف في "السويداء" اهتماماً أكثر ويرصد ما يمكن رصده من اعتمادات لتسهيل عمليات التنقيب وتوفير مستلزمات العمل لتتمكن الدائرة في السويداء من إنجاز ما يمكن إنجازه للكشف والتنقيب عن كنوزنا العريقة في أرض تعبق بالأصالة والتاريخ المشرف.

المهندس وسيم الشعراني

موقع eSuweda أجرى حواراً مع رئيس الدائرة الآثار المهندس وسيم الشعراني (الأحد 15/6/2008):

  • هل لك أن تعطينا فكرة عامة عن أعمال دائرة الآثار والمتاحف في السويداء وبعثة أعمال التنقيب؟..
  • متحف السويداء

    ** إن أعمال شعبة التنقيب التي أنجزت مهامها بدءاً من إعادة توصيف القطع الأثرية، واستكمال تسجيل القطع غير المسجلة وأرشفتها، وصولاً إلى تشكيل لجنة لدراسة العرض المتحفي وإعادة تأهيل المتحف وصيانته، كما تم التنقيب في قلعة "صلخد" الأثرية التي تستصرخ المعنيين لما أصابها من نسيان، والقبور المحيطة بها والمسرح الصغير بالسويداء /الأوديون/، وتل "دبة بريكة"، والمدافن الأثرية، وأعمال المسح والتوثيق الأثري والهندسي لمدينة "شهبا"، والنفق الأثري بين قريتي "داما وعريقة".

  • هذا يعني أن المنطقة غنية بالأوابد والحكايات التاريخية؟..
  • قلعة صلخد

    ** إن المنطقة تعد من المناطق الغنية بالآثار والأوابد التاريخية الهامة، فكل حجر من أحجارها فيه حكايات وحكايات تفصح عن تاريخ حضاري عريق، فمنذ العصور الحجرية الوسيطة والحديثة (12000-4000) ق.م، سكن الإنسان القديم هذه المنطقة وخلف وراءه آثار مساكنه وكهوفه وأدواته الحجرية والصوانية، واستقرت في هذه المنطقة مختلف الموجات القادمة من شبه الجزيرة العربية وغيرها: أكادية، آمورية، كنعانية، آرامية، آشورية، نبطية، صفائية، غسانية، بدءاً من الألف الثالثة ق.م وتعرضت للعديد من أشكال الغزو ومنها اليوناني والسلوقي والبلطمي ثم الروماني والبيزنطي بدءاً من القرن الرابع ق.م إلى أن قدمت الفتوحات العربية الإسلامية عام (635)م.

  • من خلال ما ورد في حديثك فقد عرفت المنطقة بأسماء مختلفة وذلك للموجات المتكررة؟..
  • ** عرفت مناطق جنوب سورية قديماً باسم "باشان" أو "بازان" خلال العصر الكنعاني في الألف الثانية ق.م، وحكمها الملك "عوج" ثم خضعت لحكم مملكة دمشق الآرامية خلال الألف الأولى ق.م، وفي أيام الآشوريين حملت تسمية "جبرانوي" أي الأرض المجوفة. كما حملت تسميات مختلفة: "أورانيتيس" بلاد الكهوف والمغائر. و"تراخونيتس"، بلاد الحجارة الكثيرة، و"جولانيتيس" منقطة الهضاب ذات التحصينات، وسمي جبل العرب وقتئذٍ "أسلداموس" وكان ذلك خلال العهود: اليونانية – الرومانية – البيزنطية، أما خلال العصر العربي الإسلامي فقد سمي جبل العرب بـ" جبل الريان" أي المرتوي والمشبع بالأمطار والخصب، حيث تغنى الشاعر الأموي جرير قائلاً:

    يا حبذا جبل الريان من جبل/ وحبذا ساكن الريان من كانا

    كما سمي في القرن الحادي عشر الميلادي جبل "بني هلال" نسبة إلى قبيلة بني هلال التي استوطنته قبل مغادرتها إلى شمال أفريقيا والآن يعرف بمحافظة السويداء وتبلغ مساحة السويداء نحو حوالي (555)هكتاراً، وعدد سكانها حسب سجلات عام 2003 (421) ألف نسمة، أي بمعدل نمو سكاني 17 بالألف، والكثافة السكانية 56 نسمة لكل م2، وتتكون طبيعياً من سلسلة من الهضاب البركانية الممتدة من الجنوب إلى الشمال، خلال الحقب الجيولوجي الثالث "الباليوسين" وقد بقيت المظاهر البركانية ناشطة حيث خمدت قبل (7000) عام.

    تقسم محافظة السويداء إلى أربع مناطق: الجبلية– اللجاة الصخرية– الصفا والبادية– السهلية، وتندرج ارتفاعاتها في مناطق الهضاب بين/1100 – 1840 /م.

  • ما الأعمال التي قامت بها البعثة الفرنسية في هذه المنطقة؟...
  • ** التقرير الأولي لأعمال البعثة السورية الفرنسية في منطقة "القريا وبصرى" التي قامت بالدراسات الأثرية في المنطقة ومنها نظام الري في العصور القديمة، ركزت بأعمالها في دراسة القناة الأثرية التي تجر مياه ينابيع تل القينه الذي يحوي على خزانات مبنية قديماً لتصل إلى بصرى مروراً بحرش "الكفر" إلى الجنوب من التل وتتجه غرباً لتصل إلى الجنوب من قرية "العفينة" وإلى الشمال من خربة "حزحز" وإلى الغرب من بلدة "القريا" بمحاذاة خربة "كوم مضحك" حتى تصل إلى مدينة بصرى لتزود سكانها بالمياه عبر خزانات تختفي عن الأنظار حالياً.

  • هل اعتمدت البعثة في عملها على مدلولات أو معلومات أو صور؟
  • ** البعثة اعتمدت في دراستها على معلومات وصور قديمة جوية أخذت إبان الاحتلال الفرنسي لسورية، ساعدتها على معرفة مكان القناة، حيث كان يبدو واضحاً فيها الطريق الأثري الذي بنيت القناة بجانبه وخاصة في منطقة حرش الكفر والذي تم خلال العام الماضي العمل والكشف عن أحد المعالم التي ظنت البعثة أنها محطة تصفية تابعة للقناة. لكننا لم نجد ما يدل على ذلك فتم إيقاف العمل فيها وخاصة بعد أن أرشدتهم إلى الطريق الذي تقع القناة بجانبه والذي يقع على محاذاة مطار الكفر إلى الجنوب من تل قليب، بعد أن تم أخذ نظرة عامة عن بقايا القناة وكذلك الكشف عن مقاطع من القناة وتركز العمل في البركة والمطحنة اللتين بنيتا على القناة بعد ترميمها في العصور القديمة وتقع هذه المعالم إلى الشرق من بصرى وكوم مضحك في أرض القريا.

  • هل قامت البعثة الوطنية بأعمال تنقيب مرادفة للبعثة الفرنسية؟..
  • ** نعم البعثة الوطنية وبمساعدة أحد المختصين من جامعة البعث قامت بالعديد من أعمال التنقيب منها على سبيل المثال مقبرة "صلخد" وحصلت على النتائج التالية:

    المقبرة كانت جماعية استخدمت لأكثر من فترة زمنية وبالاستعانة بالسرج واللقى الفخارية فإن هذه الفترات هي على الأغلب: رومانية– نبطية– بيزنطية.

    وكانت مقسومة إلى قسمين واحد للدفن وهو مؤلف من الغرف الثلاث الخامسة والسادسة والسابعة وباقي الغرف كانت عبارة عن مكان لتجميع الهياكل العظمية سواء كانت مدفونة ضمن قبر أم كانت ضمن توابيت حيث نقلت التوابيت من مكانها الأصلي أيضاً ووزعت في الغرفة الرابعة وفي فسحة المقبرة.

    وبينت اللجنة أن المقبرة تتميز بشيءٍ هام ونادر، هو وجود الكم الهائل من الألواح الخشبية التي مازالت محافظة على لونها وشكلها حتى الآن، وهناك اختلاف في طريقة الدفن ضمن المقبرة حدا باللجنة أن تضع ثلاثة احتمالات لحالات الدفن في الغرفة الخامسة والسادسة وهي عبارة عن عوارض خشبية طولانية على أرضية طينية أو كلسية ثم وضع الجثث ضمن العوارض على الأرضية ثم تغطيتها بألواح خشبية وإحاطتها بحجارة لتثبيتها وتهدئتها، الغرفة السابعة نشاهد حالتين للدفن الحالة الأولى تابوت خشبي كامل ولكنه مكسور وغير جيد للحفظ أما الحالة الثانية فهي تلك المجموعة المتكاملة عبارة عن تابوت مؤلف من طبقتين مفتوح من جانب واحد ومغلق من الجانب الآخر مع تغطية خشبية كاملة ووجود فصالات واضحة لألواح الأخشاب العليا.

    وقد أوضح الأستاذ القاص فواز العيسمي أن الآثار والأوابد التاريخية هي دلالة واضحة على الأصالة والعراقة في ماضي المنطقة التي ظهرت منها التحف التاريخية، فهي تحاصرنا بحكاياتها الدافئة بشيء من الحب والود، والآثار تحمل صورة ماضٍ حضاري وثقافي فكري فتسرد لنا حكايات الشعوب والأمم الغابرة بتاريخها المشرف وحضارتها، وهذه الأوابد تتساءل بصمتٍ هادئ فيه الكثير من العتب وفيه من اللوم الشيء الأكثر كأنها تقول: هل استطاع المهتمون بالآثار والمحبون للحضارة التاريخية وللثقافة العربية أن يسعوا بأعمال التنقيب ليظهروا الكنوز الدفينة المخبأة في بطن الأرض وإظهارها إلى النور لتتعرف شعوب العالم أجمع عن ماهية الكنوز التاريخية والحضارة العربية العريقة؟...

    ولابد من التذكير بالأوابد المنسية وفي طليعتها قلعة صلخد الأثرية التي كادت تندثر وتطمس آثارها ومزاياها، فهي تستغيث آملة وصول المدد لها قبل فوات الأوان.