منح وسام الاستحقاق من الحكومة الألمانية لما قام به من عمليات جراحية تطوعية في بلدان العالم الثالث، وما قدمه من أبحاث علمية في المؤتمرات بجميع أنحاء العالم، وانتشرت المراجع الطبية التي ألفها عن جراحة اليد بين كل الأطباء الذين يعملون بهذه الجراحة
...(الأستاذ الدكتور عبد القادر مارتيني) أحد أشهر ثلاثة أطباء جراحة يد في العالم.. ولد عام (1942) ودرس بمحافظة (ادلب) طيلة فترة دراسته المدرسية، ليلتحق بكلية الطب في جامعة دمشق.. في لقائنا مع (المغترب السوري مارتيني) (26/6/2008) عاد بنا إلى ذكرياته بالمسرح القومي. منتقلاً إلى العمليات الجراحية التطوعية، ماراً بالهدف من إنشاء (جامعة الأندلس)، وصولاً إلى الفترة الذهبية للحياة الاجتماعية للمغتربين في ألمانيا.. مستخلصاً العبرة التي وصل إليها.يقول (د.مارتيني): "بعد أن حصلت على علامات أهلتني دخول كلية الطب انتقلت إلى(دمشق) لمتابعة دراستي في جامعتها، وبجانب دراستي شاركت مع (الأستاذ رفيق الصبان) بندوة "الفكر والفن" فترة من الزمن، لتتبناها فيما بعد وزارة الثقافة، ومن ثم عملنا بالمسرح القومي وأصبحنا أعضاءً به كممثلين رغم أن التمثيل كان بالنسبة لي هواية سابقاً وعندما دخلت المسرح القومي أصبح وظيفة لها أهميتها براتب شهري يبلغ (400ل س) وهذا مبلغ لا يحصل عليه إلا قلة في تلك المرحلة.. ومولت دراستي منها، وعشت حياة مريحة مادياً على اختلاف زملائي في الكلية.. كما فتح لي المجال للتمثيل في التلفزيون. وكان معي عدد من الممثلين وهم الآن مشهورين وفنانين كبار (كهاني الروماني، ومنى واصف، سليم كلاس، رياض نحاس، أسعد فضة ومها الصالح(سمعت بوفاتها منذ أيام قليلة رحمها الله)) كما كان (علي عقلة عرسان) مسؤولاً بالمسرح القومي في بداية عهده.. شاركت بعدد من المسرحيات وأكبر دور لعبته كان بمسرحية "توفيق الحكيم" حصلت على الدور الرئيسي وهو دور (سلطان الحاير) وإلى جانبي (كوثر ماردو).. وشاركت بمسرحيات عدة لشكسبير وماري بوي وغيرها.."
وبعد تخرجي من الجامعة (1966) حصلت على التعويضات من عملي، وسافرت (ألمانيا)، وهذه التعويضات ساعدتني بنقطة الانطلاق للحصول على اللغة الألمانية هناك، وعشت الأشهر الأولى من المدخرات، إلى أن استلمت عملي في مجال الطب..
مضيفاً: "استفدت كثيراً من الخبرة التي حصلت عليها من عملي بالمسرح القومي، ساعدتني بإلقاء المحاضرات والأبحاث العلمية بعد فترة بسيطة من تعلم اللغة الألمانية الغريبة عني، فكانت الجرأة والانطلاق دون أي تعثر، وبأسلوب جاذب وملفت للجمهور والمستمعين.."
ليتابع: "التحقت (بجامعة هايد لبرغ) لأتخصص بالجراحة العظمية (1967-1972) بداية. ثم بالجراحة التجميلية والتصنيعية والتي استمرت من عام (1972- 1977). لأتخصص بجراحة اليد والجراحات الدقيقة. وتسلمت رئيس قسم (جراحة اليد في جامعة هايدلبرغ) في قسم الجراحة العظمية واستمر ذلك 31 سنة. خلال هذه الفترة اخترعت الكثير من الأدوات التي تساعد في جراحة اليد وهي تساعد في حالات الكسور لتثبيت العظم ضمن حالات الجراحات الدقيقة. واخترت طريقة معينة لجراحة الأعصاب المحيطة، حيث تصادف هناك مشكلة عند بعض المرضى قد يتشكل لديهم ورم عصبي مؤلم جداً وهي مشكلة قديمة في الطب، ورغم العمليات الجراحية كانت المحاولات صعبة ودون جدوى. فاخترعت طريقة حتى لا يتكون هذا الورم. أي لتحديد تكوينه وحصلت على جائزة علمية في ألمانيا كما براءة اختراع.. ثم أصبحت رئيس جمعية جراحي اليد بألمانيا. لأمنح فيما بعد الجائزة الكبرى التقديرية من الحكومة الألمانية "وسام الاستحقاق" نظراً لما قمت به من عمليات جراحية تطوعية في دول العالم الثالث. فقد أقمنا علاقات مع دول ومشافٍ عديدة في (الباكستان، الهند، أفغانستان، وأريتريا) وكوني مشاركاً بجمعيات تعاونية تقوم بعمليات جراحية تطوعية بنينا مشفى لجراحة الأطفال بكابول. كما قدمت الكثير من الأبحاث العلمية التي قدمت الفائدة الكبيرة لجراحة اليد.. وها أنا أحلت إلى التقاعد لكن لا يزال عملي الخاص، والمؤتمرات العلمية مستمرة. ورغم أن علاقاتي لم تنقطع مع سورية بفضل المؤتمرات العلمية الكثيرة والندوات الطبية العديدة، كما زيارة الكثير من زملائي في أيام الدراسة والعديد من الأصدقاء الذين قدموا ألمانيا للإطلاع على جراحة اليد. إضافة إلى أن سفري إلى سورية كان يتوج بالعمليات الجراحية.. لكن الآن اتجهت إلى سورية لأقدم الأكثر، ولأكثف نشاطي بها. فقد سعيت لبناء جامعة خاصة. وانتهى اليوم العام الدراسي الأول بها، (جامعة الأندلس في منطقة القدموس) وهذه الجامعة تمثل تفكير (سورية الحديثة)، لجذب المغتربين والعقول المهاجرة، وجلب رؤوس الأموال للاستثمار في سورية، وتطوير العلم وترقيته، وكوننا مغتربين ولدينا علاقات كثيرة مع الجامعات الألمانية، ولدينا اطلاع على نظامها، من الواجب علينا تشجيع البحث العلمي، وخلق التواصل بين السوريين والألمانيين."
وعن الحياة الاجتماعية في بلاد الاغتراب أكد (د.مارتيني) قائلاً: "كانت الحياة الاجتماعية معدومة ولم أعرف سورياً في السنوات الأولى ولم أتحدث بالعربية أبداً خلالها، ربما هذا ساعدني لتقوية اللغة الألمانية بسرعة كبيرة. وكنت أعرف شخص أو اثنين على الأكثر في البلد الذي عشت بها. لكن مرّ على المغتربين السوريين في ألمانيا فترة ذهبية للحياة الاجتماعية، وذلك عندما كان السفير "سليمان حداد" فقد كان يلم شمل السوريين جميعاً، وأنشأ لنا رابطة وجمعنا معاً. ولا أنسى أبداً اللقاء الأول الذي تقابلنا مع بعضنا في بيت السفير السابق، حيث التقيت مع أشخاص لم أشاهدهم من فترة تزيد عن الثلاثين عاماً، وهذه كانت محركة للعواطف والمشاعر.. وكبرت الجمعية وكثرت النشاطات وكنا سنوياً نقيم المؤتمرات العلمية في سورية إن كان بدمشق أو بغيرها.."
ويخلص إلى العبرة قائلاً: " العيش في وطنين مختلفين له ايجابياته وسلبياته، والسلبي به يتحدد بالغربة التي أشعر بها عندما كنت آتي سورية، وفي ألمانيا لست ألماني.. وهذا كان يسبب لي ولغيري الضياع. لكن الحالة الايجابية تظهر من سعة الأفق التي حصلت عليها كوني عشت بمجتمعين مختلفين، وأصبح بالإمكان أخذ الأمور الجيدة من هنا، والأمور الصائبة من هناك."