شرقي "معرة النعمان" وعلى بعد 3 كيلومترات شرقاً يرقد ضريح الخليفة العادل والحاكم الزاهد "عمر بن عبد العزيز" في قرية "دير الشرقي" حالياً و"دير سمعان" سابقاً ضمن بناء يرجع إلى "العهد الأيوبي"..

تشير إلى ذلك لوحة حجرية كتب عليها: «أنشأ هذه المئذنة العبد الفقير إلى الله تعالى "أحمد عمر" العالم سنة 508هـ» تعلوه قبة بيضاء تم الانتهاء من تشييدها 1993م، وهي على طراز أبنية ذلك العهد.

ولّيت فلم تشتم علياً ولم تُخف بريئاً ولم تتبع مقالة مجرم

وبجوار هذا البناء قبة الراهب "سمعان" الذي سمي الدير باسمه واتخذها من بعده الشيخ "يحيى المنصور" أبو زكريا المعروف "يحيى المغربي" حيث كرّس حياته في خدمة ضريح الخليفة "عمر" وإكراماً له دفن بجواره وذلك في عهد السلطان "صلاح الدين الأيوبي".

وإلى جانب ضريح الخليفة "عمر" دفنت زوجته "فاطمة بنت عبد الملك بن مروان"، تحيط بالمبنى وبقبة الراهب حديقة عامة أنشئت حديثاً لاستراحة الزائرين الّذين يقصدونه من كل مكان، وهناك لوحة حجرية تشير إلى زيارة "صلاح الدين الأيوبي" لهذا الضريح، أما اليوم فيزوره السياح من كل مكان، ويقصده البسطاء، للتبرك والشفاء، والدعاء عند قبره عسى بكراماته تتحقق الأمنيات.

هناك العديد من القصص التي يرويها العامة عن كرامات خامس الخلفاء الراشدين وقد روى لي حارس المقام "أبو عمر علي الطوير" عن شفاء امرأة مشلولة قصدته، وكذلك شفاء رجل من "حلب"، كان مشلولاً، نام بجانب الضريح أسبوعاً قام بعدها ومشى، عدا عن حالات سرطانية تم الشفاء منها.

هذه اللوحة على مدخل الضريح

وكذلك كان الخليفة يرد اللصوص عن القرية فقد روى لي الحارس "أبو عمر" قصة ظريفة عن رجل نذر نعجة لضريح الخليفة بحيث يقدم ثمن ما تنتجه من حليب أو خراف لاحتياجات الضريح إلى أن جاء يوم وسرقت كل أغنامه ومع ذلك لم يتذمر فعجب الناس لأمره وحين سألوه قال لهم: «ستعيدها لي نعجة الخليفة وفعلاً بعد فترة تم إلقاء القبض على اللصوص وسيقوا مع مسروقاتهم إلى المخفر وحين قدم صاحب الأغنام سمع الثغاء فقال: اسمعوا هذا صوت نعجة الخليفة».

نبذة عن حياة الخليفة:

"أبو حفص هو عمر بن عبد العزيز بن مروان" ولد في مدينة "حلوان" في مصر حيث كان والده والياً عليها أرسله أبوه للمدينة المنورة ليتفقه في الدين وليتأثر بذلك الجو الروحي الذي يعبق في مدينة رسول الله (ص) وهناك وثق صلته بالعلماء حتى بلغ من تعمقه أن قيل: «كان العلماء مع "عمر بن عبد العزيز" كالتلاميذ، وبعد أن توفي والده أخذه الخليفة "عبد الملك بن مروان" وزوجه ابنته "فاطمة" ثم جعله والياً على الخناصرة وهي من أعمال "حلب" سنة 85 للهجرة فظل والياًً عليها إلى أن توفي "عبد الملك" وتولى الخلافة "الوليد بن عبد الملك" فولى "عمر" إمارة "المدينة المنورة".

قبر زوجة الخليفة العادل فاطمة بنت عبد الملك بن مروان

خلافته:

يوم الجمعة العاشر من صفر سنة 99 للهجرة (صلى) الخليفة "سليمان بن عبد الملك" بالناس وأصيب بعدها بمرض شديد ألزمه فراشه، فراح يفكر بالخلافة من بعده خاصة أن أولاده ما زالوا صغاراً فطلب النصح من "رجاء بن حيوة الكندي" وهو من كبار العلماء والأتقياء في عصره، فأشار عليه "بعمر بن عبد العزيز" فقال: «لأعقدن عقداً لا يكون للشيطان فيه نصيب» استخلف فيه "عمر ويزيد بن عبد الملك" من بعده وتوفي بعدها "سليمان" فدفن وصلي عليه ومشى "رجاء بن حيوة الكندي" مسلماً عليه بالإمارة فقال عمر: «أنشدك الله يا رجاء فقال رجاء أناشدك الله أن يضطرب بالناس حبل» فأخذه "رجاء" ودنا به من المنبر فلم يقدر على الصعود فأصعده ثم وقف "عمر" قائلاً: «إني قد ابتليت بهذا الأمر من غير رأي كان مني فيه ولا طلبة له ولا مشورة من المسلمين وكان الناس يصيحون في المسجد قد اخترناك ورضينا بك».

وكان الخليفة "العادل" الذي أنصف الجميع دون تفريق بين أحد من رعيته ومن أعماله النزيهة التي تذكر أمره بالكف عن سبِّ الشهيد "أبي الشهداء علي أبي الحسن" كرم الله وجهه، يقول "كثير عزة": «ولّيت فلم تشتم علياً ولم تُخف بريئاً ولم تتبع مقالة مجرم».

وقال العلامة "أبو نعيم الأصفهاني" في كتابه "حلية الأولياء وطبقات الأصفياء": «كان واحد أمته في الفضل، ونجيب عشيرته في العدل، جمع زهداً، وعفافاً، وورعأً وكفافاً، شغله آجل العيش عن عاجله، وألهاه إقامة العدل عن عاذله، كان للرعية أمناً وأماناً، وعلى من خالفه حجةً وبرهاناً، كان مفهوماً عليماً ومفهماً حكيماً».