هذه بقعة من الأرض وجدت للعبادة منذ الأزل، حيث قام فوقها أول ذي بدء معبد وثني دل عليه (رسم الشمس ورأس الثور) على مدخله الشرقي، وهو القربان الذي كان يقدم للآلهة.

وظلّ هذا المعبد قائماً، حتى تم تحويله إلى كنيسة كبيرة، وحين حاصر أبو عبيدة بن الجراح المعرة، تم الاتفاق صلحاً مع أهلها على تحويل الكنيسة إلى مسجد، وذلك سنة 17 للهجرة.

ذكر الرحالة ناصر خسرو حين زار المعرة سنة (440) للهجرة قائلاً: "جامع المعرة بني على أكمة قائمة وسط المدينة، ومن أي جهة تأتيه ترتقي إليه بثلاث عشرة درجة، ويُدخل إليه اليوم نزولاً بعشر درجات، ويؤكد محمد سليم الجندي صحة ما راح إليه ناصر خسرو، حيث يرى أن المعرة تعرضت للخراب، بسبب الحروب والغارات والزلازل، ما جعل المباني ركاماً، وكان الناس وبسبب فقرهم وعجزهم عن إزالة الأنقاض، يعودون للبناء فوق الركام، لذلك صار المسجد منخفضاً، وينزل إليه بعشر درجات، بدل الصعود إليه بثلاث عشرة درجة. ويتابع محمد سليم الجندي سرد أدلته عن ذلك بقوله: "حين فُتح شارع أبي العلاء المعري سنة

(1930) أراد أصحاب الحمام والمعروفة بحمام الزهور إصلاحها، وتغيير شكلها فهدموها وكانت منخفضة عن السوق المجاورة، فوجدوا تحتها مخازن، وتحت المخازن دكاكين صاغة مردومة، وهذا يدل على أن المسجد كان أعلى من تلك الدكاكين.

وفي هذا الجامع أنماط مختلفة من البناء، لذلك زعم بعض المؤرخين أنه عمري (نسبة لعمر بن الخطاب)، ولكن الحقيقة غير ذلك حسب ما يرى كلّ من فايز قوصرة ومحمد سليم الجندي، فالقسم الشرقي منه يدل على أنه روماني، وهو ما ذكرناه عنه حين كان معبداً وثنياً يرجع إلى عهد الرومان، وفي صحنه قبة صغيرة قائمة على ستة أعمدة تشبه البناء في عهد عمر بن الخطاب، ويليها إلى الشرق قبة تحتها بركة ماء يتوضأ منها الشافعية، قائمة على عشر أعمدة من حجر، بناؤها يشبه الأبنية المتأخرة كثيراً عن عهد عمر بن الخطاب.

ويليها إلى الجنوب الشرقي قبة يسيل منها الماء، وهي مستورة الجوانب وتسمى حنفية، وقد كتب على وجهها الجنوبي (جدد هذه الحنفية المفتقر إلى رحمة ربه كيوان بك عز نصره في سنة (971)هـ مع بيتين من الشعر باللغة التركية).

ويقوم الحرم على ستة أعمدة وعضائد وركائز، تحمل السقف المصلّب والذي يتخلله ست قباب مدببة، ويتوسط هذا الحرم من الجنوب المحراب وإلى يساره في الأعلى نصُّ وقفي يعود إلى سنة (775)هـ، وللحرم ستة أبواب تطلّ على الساحة المكشوفة. وما يميز هذه الواجهة وجود نجوم مسدسة، وهو رمز عربي أصيل استخدم منذ عهود موغلة في القدم، وهو عبارة عن مثلثين متقاطعين يرمزان إلى تقاطع السماء والأرض، وتم استخدامه من قبل مماليك سورية، وأما الحرم الشمالي فيسمى حجازية ويشبه الحرم الجنوبي، من حيث الركائز والأعمدة والسقف، وبينهما ساحة كبيرة.

وتساعد القبة المدببة على معرفة الزوال وصلاة الظهر، وأما الميضأة التي تحدثنا عنها أخبرني أحمد غريب أمين متحف المعرة بأنها أيوبية، وتم الاعتماد على بقايا الأبنية الأثرية بدليل وجود تيجان تعود للعهد الروماني، ويبدو أنها نقلت من الآثار الموجودة في المنطقة حسب ماذكر.

وأما مئذنة المسجد فهي مربعة الشكل ترتفع (26.50)م، وتشبه إلى حد بعيد أبراج التنسك التي انتشرت زمن سمعان العمودي، والذي توفي سنة (449)م، وتتألف من ستة أبراج، وفي البرج الأخير قبة مدببة كانت تستخدم، للإنارة ليلاً، وخاصة في رمضان، حيث تتم إنارتها كلّ ليلة احتفالاً بهذا الشهر، وقد بنى هذه المئذنة قاهر بن علي بن قانت، وهو نفسه من بنى المدرسة النورية في المعرة في النصف الثاني من القرن السادس الميلادي.

وأخيراً يعتبر جامع المعرة الكبير من بين أهم أربعة مساجد في سورية وهي: (الجامع الأموي في دمشق، والأموي في حلب، والجامع النوري في حمص، وجامع المعرة الكبير).

المراجع:ـ فايز قوصرة/ الرحالة في محافظة ادلب ج 1

ـ محمد سليم الجندي/ تاريخ معرة النعمان ج1

ـ أحمد غريب أمين متحف معرة النعمان حالياً