إن كانت العرب تقول بأن الشعر هو ديوانها، فالخط العربي بكل تأكيد هو فلسفتها عن الجمال، ففيه تجلت الروحانية بأبهى حللها، ورحم الله "ياقوتاً المستعصمي" شيخ الخطاطين وقبلتهم في العصر العباسي، الذي قال: «الخط هندسة روحانية، ظهرت بآلةٍ جسمانية»، وهو بذلك كائن حي يُظهر لمن يتلمس روعته نفسيةَ من خطَّهُ، ويرسم حوله حالةً من الجلالة لا تليق لغيره من الفنون الأخرى التي حاول الإنسان خلالها، مقاربة روحه التوَّاقة إلى الكمال، وحُقَّ له ذلك فبه خُطَّ القرآن الكريم.
لقد مرَّ الخط العربي عبر تاريخ نشأته وتطوره، بمراحل عديدة، واكتسى حللاً شتى، عبَّر من خلالها عن المكان الذي نشأ فيه، وكان في زمانٍ جميلٍ مضى، صنعةً لا يمتهنها إلا سادة القوم وعليتهم، وحتى نقف على محطات عمره الطويل العريق، التقى موقع eRaqqa بتاريخ (21/10/2008)، الخطاط الأستاذ "أسامة الحمزاوي"، فسألناه عن تاريخ الخط العربي، وكيف نشأ؟ فأجاب بالقول: «لقد كان لكل من مدينتي "الحيرة" و"الأنبار"، الفضل في تعليم الكتابة للجزيرة العربية، حيث نشأ الخط العربي في الجزيرة العربية بتأثير من الخطوط المنتشرة بكلا المدينتين العراقيتين، وكان العرب قبل الإسلام يستعملون الخط لتدوين أمور حياتهم، ككتابة الشعر، وتدوين العقود، وعند دخوله إلى الحجاز، انتشر في "مكة" و"المدينة"، فتعلمه أناس أصبحوا بعد مجيء الإسلام من كبار الصحابة، حيث قاموا بتدوين القرآن الكريم بأمر من الرسول الأعظم، وكانوا ما يقارب من /25/ كاتباً للوحي، ولقدسية كتاب الله في نفوسهم، فإنهم تأنقوا في كتابته، وظهر ما يعرف حينها بالخط المكِّي، بحيث صارت الكتابة المكية ذات أسلوب جديد، وحرف مطور ومعدل، وعندما أنشأت مدينة "الكوفة" بعهد "عمر بن الخطاب" رضي الله عنه، انتقل النشاط السياسي إليها، فكثرت الكتابة وأصبحت صنعةً تحتاج إلى الاهتمام الكبير، وأطلق في هذه المدينة على الخط المكي اسم الخط الحجازي، ثم أطلق عليه فيما بعد اسم الخط الكوفي نسبةً لمدينة "الكوفة"».
أهم ما يحتاجه الخطاط من أدوات هو القلم، الذي كان يصنع عادةً من القصب، ويسمى بأسماء جميلة من قبيل: الطومار، والجليل، والمسلسل، والمحدث، ويحتاج القلم إلى قراب للحفاظ عليه، ولبري هذا القلم كانت السكاكين الحادة النصل ترافق الخطاط دائماً، ومن أدوات الخطاط أيضاً المداد والمحابر، حيث كان العرب يجلبون المداد من الصين
ويتابع "الحمزاوي" حديثه عن تاريخ الخط قائلاً: «لاتساع الدولة الإسلامية، وكثرة مراسلاتها، لم يعد هذا النوع من الخط كافياً لأداء عمل المراسلات، وتم تطويره إلى خط سلس وليِّن، ليحقق المرونة والسرعة، فأطلق على هذا الخط اسم الكتابة اللينة، أو خط التحرير، أو خط نسخ الكتب، لكن الحاجة دعت بعد ذلك للكتابة على الأحجار في المساجد، فتطلبت كتابته قسوة وجفافاً، فسمي بالخط الجاف، أما المصحف فإنَّ كتابته تطلبت عنايةً وإجلالاً، فكتب بطريقة وسط بين القاسي واللين، حيث أخذ من اللين مرونته، ومن اليباس هيبته، وسمي ذلك الخط بالخط المصحفي الذي ظل المصحف يكتب به لمدة ثلاثة قرون، ولاحقاً بعد عصر الفتوحات الإسلامية تتمازج الأمم مع بعضها البعض، فيتأثر الخط العربي بذلك وتنشأ خطوط أخرى فيها من تراث تلك الأمم الشيء الكثير، فالخط الكوفي لوحده كان يتألف من /120/ شكلاً من الخط في عهد الدولة العباسية».
وعن أنواع الخط العربي يحدثنا "الحمزاوي" بالقول: «من أشهر أنواع الخط العربي هو الخط الكوفي، الذي يعتبر من أجمل الخطوط شكلاً ومظهراً، وتنظيماً، بدأت كتابته في القرن الثاني الهجري، شاع استعماله في "إيران" بعهد السلاجقة، وفي مصر بالعهد الفاطمي، أما خط النسخ فقد ابتدعه الوزير "ابن مقلة"، من أجل أن يكتب الكاتب الخط بسرعة أكبر، وخط الثلث الذي يعتبر من أروع وأجمل الخطوط جمالاً وهيبةً، وأكثرها صعوبةً في التعلم، ثم هناك الخط المصحفي الذي جمع بين خطي النسخ والثلث، وكتب به القرآن الكريم، ثم الخط الديواني الذي كان حكراً على دواوين السلاطين، وسراً من أسرارها، وتوجد في كتابته مذاهب كثيرة، وهناك من أنواع الخطوط أيضاً الخط الأندلسي المشتق من الخط الكوفي، وكان ينسخ به القرآن في الأندلس، وخط الرقعة الذي يعتبر من أكثر الخطوط شيوعاً في الاستعمال، أما الخط الفارسي فهو يعتبر من أكثر الخطوط رشاقةً وليونة، ويتميز بذلك الطابع المميز الذي يجعله متفرداً في جماله عن بقية الخطوط».
وعمَّا يحتاجه الخطاط من أدوات يقول ضيفنا: «أهم ما يحتاجه الخطاط من أدوات هو القلم، الذي كان يصنع عادةً من القصب، ويسمى بأسماء جميلة من قبيل: الطومار، والجليل، والمسلسل، والمحدث، ويحتاج القلم إلى قراب للحفاظ عليه، ولبري هذا القلم كانت السكاكين الحادة النصل ترافق الخطاط دائماً، ومن أدوات الخطاط أيضاً المداد والمحابر، حيث كان العرب يجلبون المداد من الصين».
وعن أشهر الخطاطين يحدثنا "الحمزاوي" قائلاً: «من أشهرهم كان "ياقوت المستعصمي"، في العصر العباسي، و"ابن مقلة" الذي وضع ضوابط لتنسيق الخط العربي، والشيخ "حامد الله" الذي كان السلطان العثماني "بيازيد الثاني" حسبما تذكر كتب التاريخ، أنه كان يجلس الساعات الطوال يحمل المحبرة للشيخ "حامد"، و"ابن البوَّاب"، و"التبريزي"، و"عبد الكريم الخوارزمي"، هذا في العصر القديم، أما في العصر الحديث فهناك أسماء لامعة في عالم الخط العربي، نذكر منهم "أمير خان" رئيس رابطة الخطاطين الإيرانيين، و"رسول مرادي"، ومن "سورية" هناك الأستاذ "محمد القاضي" أطال الله عمره، ومن "العراق" المرحوم "هاشم البغدادي"».
ويذكر أن الخط العربي في محافظة "الرقة"، ومنذ عقد الثمانينيات يشهد نقلةً نوعية، عبر حضور خطاطي هذه المحافظة لكبرى المسابقات الدولية التي تعقد بالعالم، وأشهرها مسابقة منظمة المؤتمر الإسلامي المنعقدة في "اسطنبول"، والتي فاز ضيفنا "الحمزاوي" بمرتبتها الثانية، ولا يفوتنا ذكر مسابقة "عبد الحميد الكاتب"، التي ترعاها مديرية الثقافة في "الرقة"، ومن الخطاطين البارزين في مدينة "الرقة"، نورد على سبيل الذكر لا الحصر كل من "طلال الحسيني" و"خليل ضبَّة".