يسكن الحزن قلبه وتفعم ذاكرته بالذكريات الحزينة عن أيام فقر عاشها مع أسرته في محافظة "الحسكة" مكان ولادته وتحمل عناوين دواوينه الشعرية معاني الحزن والأسى والوجع الخاص الذي عاشه، إنه الشاعر "أنطون دوشي" الذي حمل الشعر في صدره وعقله هماً وهاجساً حتى تمكن من إخراجه بعد أن أتم رسالته في الحياة ليتفرغ بعدها لنفسه ولروحه التي هامت باحثة عن أحرف كتاباته التي بدأ تسجيلها منذ العام (1970).
وفي لقاء أجراه eTartus مع الشاعر في منزله بمدينة "طرطوس" التي يسكنها حالياً بتاريخ 28/12/2008 حدثنا خلاله عن مسيرته في الحياة مع العمل ومع الشعر الحلم المبكر الذي ظهر متأخراً حيث قال: «في أواخر الستينيات كتبت أول قصيدة في حياتي للراحل المناضل "غيفارا" ولو أنني كنت أعلم حينها أنني سأصبح شاعراً لاحتفظت بتلك القصاصة الرائعة ولكن هاجس الشعر ظل يسكنني بالرغم من كل الظروف، وعدت في العام 1971 إلى تسجيل أفكاري التي ظلت حبيسة الورق حتى العام (2004) وهو العام الذي صدر فيه أول ديوان خاص بي بعنوان "صراخ بلا صوت"، وفي العام (1980) قررت الاختيار بين أن أكون شاعراً أو أكون كادحاً وقد اخترت في ذلك الوقت نظراً لظروف العائلة أن أكون كادحاً، وكنت ثوراً مخلصاً لمبادئي في الجر وأيضاً قائلاً مخلصاً لحروفي ولو إلى حين وأعتبر أن هذه هي نقاوة الحياة فحين تكون بين لؤلؤتين يصعب عليك الاختيار والمفاضلة بينهما لأن الصعوبة في الحياة تكمن في المفاضلة بين الأفضليات وعندما أنهيت رسالتي في العمل أفاق الشعر بداخلي من سباته وبدأ يسوطني يطالبني بالميراث».
الفقر أكبر مدرسة في الحياة وخصوصاً عندما تعيش في خيمة يسودها أب مستبد وفقر من هنا تبدأ بذور العبقرية بالتفجر وخصوصاً عندما تغادر المدرسة وأنت في عمر 12 عاماً ليقول لك أبوك كن رجلاً قبل الأوان وأنا لم أعش حياة طفولة ولا شباب ولا رجولة فقد كنت طوال حياتي فدائياً مناضلاً إلا أن الشعر سكنني دائماً ولم يمت أبداً فهو الحيوان الشرس الذي ينام ويغفى ويذهب في سبات عميق لكنه يعود من جديد يأخذ قامته القوية
ويضيف الشاعر: «يمثل العام 1980 نقطة تحول جذرية في حياتي حيث غادرت مدينتي "الحسكة" مكان ولادتي ونشأتي الأولى مع زوجتي وأبنائي إلى محافظة "طرطوس" المدينة الساحلية الجميلة التي طالما أحببتها ورغبت بالسكن فيها باحثاً عن أفق جديد في الحياة بعيداً عن حياة الفقر التي كنا نعيشها في مدينتنا في خيمة يسودها الفقر يحكمها أب مستبد وبدأت العمل فيها في مجال الآليات الثقيلة وبقيت أعمل حتى أصبحت خبيراً مشهوراً على مستوى سورية في هذا المجال وما يزال المحل الذي كنت أملكه في منطقة "الصناعة" بمدينة "طرطوس" ولكنني مع كل انشغالي بأمور الحياة فقد كنت أقرأ بنهم حيث قرأت الأدب الروسي والألماني وكل ما كتب "جبران خليل جبران" و"نزار قباني" و"غادة السمان" و"أدونيس" و"نوال السعدواي" ولكن كبر حجم الأعمال التي كنت أقوم بها لم يسمح لي بالتفرغ للشعر لأني كنت أعرف حجم الأشياء بداخلي فقررت أن أنهي رسالتي كأب في الحياة أولاً».
وعن معاناته التي صنعت منه شاعراً يقول السيد "أنطون": «الفقر أكبر مدرسة في الحياة وخصوصاً عندما تعيش في خيمة يسودها أب مستبد وفقر من هنا تبدأ بذور العبقرية بالتفجر وخصوصاً عندما تغادر المدرسة وأنت في عمر 12 عاماً ليقول لك أبوك كن رجلاً قبل الأوان وأنا لم أعش حياة طفولة ولا شباب ولا رجولة فقد كنت طوال حياتي فدائياً مناضلاً إلا أن الشعر سكنني دائماً ولم يمت أبداً فهو الحيوان الشرس الذي ينام ويغفى ويذهب في سبات عميق لكنه يعود من جديد يأخذ قامته القوية».
أما إصدارات الشاعر الشعرية فهي ثلاثة دواوين وهي "صراخ بلا صوت" الذي أنجزه في العام (2004)، و"من وجع الجذور" الذي أنجزه في العام (2005) ولديه ثلاثة دواوين أخرى يستعد حالياً لطباعتها تحمل عناوين "كصرخة ياء النداء" و"مجزرة قانا الثالثة" و"لماذا محوتم آثار أقدامي؟".
وعن سبب تسميته "مجزرة قانا الثالثة" يقول: «لأن في "قانا" مجزرة ثالثة ارتكبها اليهود بحق السيد المسيح منذ زمن قديم حيث ظهرت معجزة السيد المسيح في عرس أقيم في "قانا" فقام اليهود باضطهادها وبالتالي تصبح المجزرة الأخيرة التي ارتكبها العدو الصهيوني بحق الشعب اللبناني في حرب تموز هي المجزرة الثالثة التي ارتكبت بحق "قانا" والقصيدة عبارة عن "40" صفحة كل منها توضح صورة من صور مذبحة "قانا" ومنها:
تستغيث فاطمة/ انتشلني سيدي/ كلا سيدي سحبت يدي وتركت جسدي/ كلا سيدي سحبت زندي وتركت جسدي/كلا سيدي سحبت قدمي وتركت جسدي/ سيدي غبّ في حلقي رطبة ماء/ ثم لوّحني بيرقاً للملك العربي/ واطحن جسدي سيدي/ واكتب على لوحة الرخام فوق لحدي/ إني تركت مكان قتلي رحمي لأي فحل أبي/ يزرع النطفة مني حتى يأتي يوماً ولدي/ يأخذ ثأري ويحيي دمي/ وتنتهي الخاتمة تقول "فاطمة".
ويضيف الشاعر: «في العام 2000 بعد أن كبر الأبناء هاجرت مع زوجتي وراءهم إلى أمريكا لأنهم مقيمون هناك منهم من يدرس ومنهم من يعمل وقد انتسبت هناك لنقابة الصحفيين العرب الأمريكيين وأنا عضو في الهيئة الإدارية للنقابة ولدينا في كل عام مهرجان شعري تشارك فيه الجالية العربية في أمريكا وقد أقمنا حفل تأبين للشاعر الكبير الراحل "محمود درويش" ألقيت خلاله قصيدة بعنوان "من وحي محمود درويش إلى روح محمود درويش" إضافة إلى ندوة شهرية نناقش خلالها أمور الجالية العربية».
أما سورية الحبيبة إلى قلب الشاعر فهي الأوكسجين الذي يتنفسه وهي الكوكب والعشيقة والصديقة والأم فالعالم الذي تغيب عنه سورية هو عالم منته لا وجود له لأنها أكثر من جغرافيا فحيثما يكون الشاعر يراها لأنه يجرها ويقطرها خلفه وهي لا تنفصل عنه أبداً وفيها يقول: «حماك الله ياشام/ ياغرة المجد العتيق/ كلما أحنيت وجهي على عبق التاريخ/ شممت عطرك ياشام/منك بدأ الزمان فكنت المكان/ من أول حرف قاله الإنسان/هاهنا مات يوحنا المعمدان/
وزين العابدين وصلاح الدين والأسد مجد تشرين/ سورية يا أمي ويا أم قاسيون والفيحاء/ ها قد عدت إليك من غربتي العرجاء خلف الماء/ مرة أناطح الريح ومرة أسابح السماء/ وفي عمقي لوعة مسبحاً باسم الله/ لأقبل المساجد والقباب وأعانق الصلبان/ راسماً ثالوث أصابعي فوق وجهي/ مرتلاً باسم الآب».