قبل أكثر من نصف قرن كان سوقاً رئيسياً للمدينة التي لم يكن يتجاوز عدد سكانها عدة آلاف، حيث ضم مختلف المحلات التجارية إضافة إلى بعض محلات الخياطة التي ما يزال بعضها حتى الآن.

للتعرف على المزيد حول هذا السوق الذي شهد توسع رقعة التجارة في أنحاء المدينة فيما بعد، والصناعات المحلية والعالمية التي اعتمدتها مهنة الخياطة في المدينة خلال تلك الفترة، eSyria قام بجولة فيه بتاريخ 17/5/2009.

يقدم الاتحاد مساعدات مادية إذا كان الحرفي مشتركاً في "الصندوق التعاوني الحرفي"، في حالات المرض أو الحاجة لإجراء عملية جراحية، ومن المقترحات الحالية التي قدمتها الجمعيات تحديد راتب تقاعدي عند سن معين للحرفي

عند سؤالنا عن أقدم الخياطين في هذا السوق كانت الإجابة تتضمن اثنين أو ثلاثة، فكانت البداية عند "أحمد رفعت" الذي حدثنا قائلاً: «منذ حوالي 50 سنة كان هذا هو السوق الرئيسي للمدينة التي لم يتجاوز عدد سكانها 2500 نسمة، وكان يضم مختلف أنواع المحلات التجارية، ومنها حوالي 7- 8 محلات خياطة موزعة على عدة أماكن من عند "ساحة السمك" حتى "جسر المشاة" الحالي».

مكواة مع بابور برأس أخرس

وتابع عن أنواع الخياطة، والتي لم تكن كثيرة التصاميم لعدم وجود الكثير من البضائع المستوردة والجاهزة أو تأثرها بها فقال: «كانت الخياطة تضم نوعان؛ العربية وهي خياطة "الشروال"، "القنباز" والطقم الرسمي أو السفري، والإفرنجية التي تضم خياطة الطقم الرسمي (بنطال وجاكيت)، كما كانت موسمية، فلم تكن توجد مصانع أو معامل، وإن وجدت كانت قلة منها في "دمشق"، فيلجئون إلى الخياط.

أصبحت في أيامنا هذه حالات التفصيل قليلة لكثرة المعامل والمشاغل والمستورد فكثرت الألبسة الجاهزة، وأصبح عملنا يقتصر على الأجسام الصعبة (كأصحاب الأيدي الطويلة أو الأجسام الطويلة والضخمة) أو بعض الأذواق التي تفضل شيئاً مختلفاً».

آلة خياطة قديمة

وعن عمله هذا الذي لبست بفضله عدة أجيال، والأدوات التي استخدمها وأصبحت تمثل الآن تحفاً نادرة أضاف بالقول: «عملي في الخياطة منذ سنة 1957 وتعلمتها من خالي "سعد الدين وكيل" الذي كان محله في "ساحة السمك" وكان معروفاً على مستوى "بانياس" قديماً وظل في هذه المهنة طوال حياته.

كانت توجد مكاوي على الفحم أو على "البابور"، حيث يتم تسخينها ثم توضع في الماء حتى لا تؤذي القماش، أو يتم وضع الفحم في النوع الآخر، أما مكنات الخياطة فكانت باستخدام الرجل فلم يكن هناك كهرباء بعد».

شعبان فضة

تسميات الأسواق المجاورة هي بسبب التجمعات الحرفية فيها أيضاً، وعنها أضاف: «يعرف هذا السوق ب"سوق الخياطين" لوجود أكثر خياطي البلد في المنطقة، وهناك "سوق الصناعيين" وسوق أو "ساحة السمك"، وهذا الشارع الذي بجانبنا يدعى شارع "البحر" أو "الكورنيش"، ومعظم الخياطين هنا قد توارثوا هذه المهنة، وبعضهم أضاف إليها قسماً للستائر لضعف مردود العمل».

التقينا بعد ذلك ب"عبد الحميد رسلان" الذي تعرفنا عنده على بعض أدوات الخياطة القديمة التي ما يزال يحتفظ بها على السقيفة، وقبل ذلك حدثنا عن عمله في هذه المهنة فقال: «أعمل منذ عام 1963 في هذه المهنة، وقد تعلمتها من أحد الأقرباء وهو يعمل الآن في التجارة.

كانت تلك الأيام بداية فترة "الراديو"، حيث كان لا يخلو منه أي محل أو بيت ولا بد من شرائه بأي ثمن حتى لو لزم بيع شيء آخر مثل "البقرة"، وكان الناس يطربون على "عبد الوهاب"، "أم كلثوم" و"كارم محمود" وينوه عن أغنية جديدة ل"أم كلثوم" كل شهر، وأجهزة "الراديو" تكون إما هولندية، بلجيكية أو إنكليزية».

وأضاف عن المستلزمات الضرورية للراحة لدى أكثر التجار، وبعض أدوات الخياطين فقال: «في أكثر المحلات يوجد "مفرش قش" من قش القصب أو الزرع وهو لشخص واحد، توضع هذه المفارش أمام المحلات على الأرصفة ليجلس أصحاب المهن ويستريحون أو يستمعون ل"الراديو".

أما أدوات الخياطة فهي مكونة من مكواة فحم أو حديد ومكنات خياطة تعتمد على الرجل، ولا توجد مكنات خياطة وطنية حتى الآن، وأغلبها إنكليزية ثم صينية بترخيص».

التنوع القليل للأقمشة في تلك الفترة كان لتلبية الاحتياجات المختلفة، وفق مواصفات جيدة، وعنها يقول: «كانت أشهر أنواع الأقمشة وأفضلها الإنكليزية وتدعى "الهيلد" و"السيلكا" وكانت غالية الثمن، أما الوطني فكان هناك "جبل طارق" من "الكتان"، وهو إما أزرق للعمل أو "خاكي" (بيج)، و"الكرمندول" الأسود للشراويل ويتميز بمتانته، وهذه الأقمشة هي صناعات وطنية قطنية.

وعندما يريد أحد تفصيل قطعة ما مثل بنطال، يختار قماشاً جيداً مثل الأقمشة الإنكليزية، حيث يتم استخدام القماش من الجهة الأخرى بعد عدة سنوات، وبذلك يستخدمه حتى عشرون عاماً».

أما ظهور أنواع أخرى من الأقمشة فكان بفضل الصناعات الوطنية التي قال عنها: «فيما بعد أصبح هناك "الشركة الخماسية" التي صنعت أقمشة تضاهي الإنكليزية مثل "ديولين" الصيفي و"السيكولين" الشتوي، وكان "الديولين" إما عادي أو "وازن" وهو نوع جيد جداً، وكان يملك هذه الشركة باعتقادي خمسة أشخاص وأممت في السبعينيات».

في أثناء هذه الجولة والحديث عن عالم الخياطة كان لا بد من ذكر "اتحاد الجمعيات الحرفية" في محافظة "طرطوس"، حيث أخبرنا "شعبان فضة" عنه المزيد في محله للخياطة، فقال: «يتكون هذا الاتحاد من مجلس إدارة من تسعة أشخاص، سبعة منهم دائمين واثنين احتياط.

ويقوم هذا الاتحاد باجتماعات دورية مرتين كل شهر، يحضرها أعضاء الجمعيات الأصليين بحضور رئيس كل جمعية، بما فيها "الجمعية الحرفية للخياطة والألبسة الجاهزة" في "طرطوس"، ويتم طرح المشاكل لدى كل جمعية وتقديم الاقتراحات من الدولة ومن الحرفيين إضافة إلى الردود والتوصيات من الاتحاد العام».

وأضاف عن إنجازات الاتحاد التي ما يزال الكثير من الحرفيين يرونها متواضعة حتى الآن: «يقدم الاتحاد مساعدات مادية إذا كان الحرفي مشتركاً في "الصندوق التعاوني الحرفي"، في حالات المرض أو الحاجة لإجراء عملية جراحية، ومن المقترحات الحالية التي قدمتها الجمعيات تحديد راتب تقاعدي عند سن معين للحرفي».