«تعدّ القهوة عنصراً هاماً في مضافة المنزل لما لها من جمالية وهيبة عند الضيافة، ولها أصول في التحضير والغلي وفي التقديم إلى الضيف من حيث صب الفنجان وحركة اليد، كما لها سوالف شعبية تذهب الكدر وتأتي بالعبرة، وعموماً هي من العادات التراثية الهامة في "جبل العرب" واشتهرت بها معظم الدول العربية مثل "اليمن"، و"السعودية"، و"قطر"، و"الكويت" وغيرها». والكلام للجد أبو "سعيد" "متعب زيتونة" الذي تحدث لموقع eSuwedaبتاريخ 28/3/2009 حول مزايا القهوة المرة… وأصول ضيافتها في جبل العرب، فكان معه الحوار التالي، وذلك خلال زيارتنا له في منزله في "السويداء" قرية "تيما".

  • حبذا لو نأخذ بداية فكرة بسيطة عن قرية "تيماء"؟
  • ** تقع "تيما" في أقصى الطرف الشرقي من "شهبا"، قرية محاطة بتلال الحجر البازلتي الأسود، أجزاؤها العمرانية القديمة بنيت في العهد الروماني، وأهلها مازالوا محتفظين بعاداتهم وتقاليدهم في إكرام الزائر وحسن ضيافته، وخاصة تقديم القهوة العربية المرّة ـ عادة الأجلاء…

    الشيخ متعب زيتونة

  • ما أفضل أنواعها كمذاق؟ وكيف دخلت إلى بلا د "الشام"؟
  • ** دخلت القهوة إلى بلاد "الشام" من خلال المبادلات التجارية بين التجار هنا والتجار العرب الوافدين إلينا منذ ألفي عام، واشتهرت بكثرة في السنوات الخمسين الأخيرة، وهي على نوعين: الحلوة والمرة، وتختلف في منشأها فمنها الإفريقية واليمنية والكوبية… وأفضلها السيلاني كنكهة شهية ومذاق طيب، ومن أكثر البلدان تميزاً بصناعتها "إفريقيا" و"اليمن"، أما الدول الأخرى فلكل منها عراقتها وأصالتها في الصنع والتحضير.

    عادة الأجلاء

  • ماذا عن طريقة تحضيرها في جبل العرب؟
  • ** أول خطوات التحضير نضع كمية من حبات القهوة المرة في "المحماسة"، ونحرك بيد "المحماسة" بهدوء حتى تتحمص شرط أن تكون النار تحتها هادئة ومستقرة، ونبقى على تحريكها حتى تصبح شقراء أو سوداء حسب الرغبة في مذاقها، بعد ذلك نطحن القهوة المحمصة بواسطة الجرن أو مطحنة يدوية فتصبح جاهزة للتحضير ثم نملأ الدلة ماءً ونضع فيها الخمير المكثف كالطحل مع إضافة قليل من "الهيل"، نغلي الخلطة جيداً وأثناء الغليان نضيف القهوة المطحونة، ونحركها حتى تمتزج وتصبح جاهزة للتقديم، وكل صاحب ضيافة يتكيف بصنعها حسب ما يشاء..

    الدلة

  • أي الأنواع تفضلها للتحضير؟
  • ** القهوة اليمنية كونها سريعة الإستواء، ولها مذاق شهي ومختلف عن بقية الأنواع.

  • كيف تقدمون القهوة إلى الضيف؟
  • ** بعد تحضير القهوة المرّة يتم سكبها في براد القهوة ويسمى "الترمز" حتى تبقى ساخنة ومحافظة على نكهتها، وعند تقديمها للضيف تصب في الفنجان حتى ربعه أو أدنى بقليل، ثم يقدم الفنجان باليد اليمنى أو اليسرى، وأحياناً يثني صاحب البيت في ضيافة فنجان آخر فيهنأ الشارب بمذاق القهوة، ويثني وهو يهز الفنجان ويعيده إلى صاحب الضيافة بقوله: "قهوة عامرة هانئة مباركة أيها الكريم" فيجيب صاحب الضيافة: "هنية منية مدموجة بالعافية بجنة الفردوس تلتقي أمثالك"، من هنا نرى أن القهوة المرّة عادة تراثية أصيلة، وفخر الضيافة على مرّ السنين.

  • التمنع عن شرب فنجان القهوة في بيت الضيافة، ما العواقب التي يستجرها في رأيك؟
  • ** إذا دخل المضافة وفدٌ ما من الناس ولهم مقصدٌ عند صاحب الضيافة، تتضح غايتهم عند تقديم فنجان القهوة لكبيرهم فيمتنع عن شربه ويضعه جانباً فيعلم صاحب الضيافة أن لهم مقصد من زيارتهم فإما يلبيها لهم أو لا، وغالباً ما تكون الحاجة عقد راية أو صلح أو زواج، والزيارة تكون نذير شر إذا رفض الطلب، وقد تستجر عواقب سيئة جراء الرفض، وتكون نذير خير إن لبي الطلب وانتهى بشرب الفنجان، وهذه العادة سرت قديماً في "دمشق"، فمن كان يرفض طلبه ويغادر بيت الضيافة دون أن يشرب فنجانه يقع على نفسه عار، ويبقى معتكفاً منزله دون خروج حتى يقبل طلبه أو يعاد بالإعتذار.

  • كيف يدرك صاحب الضيافة جودة قهوته، وقد يتركها لأكثر من نصف النهار في المضافة؟
  • ** تفسد القهوة إذا دخل فيها عيب يدل على عدم حذر صانعها، لذلك يتوجب قبل تقديم الفنجان للضيف أن يتناول صاحب الضيافة فنجاناً يتذوق فيه قهوته فيدرك بذكائه جودتها أو نقصانها وإلا أوقع نفسه في حرج الإهمال وذلك ينقص من قدره وقدر الضيف، والقهوة إن دخل فيها عنصر شاذ يفسد طعمها لأنها حساسة لأي تغيير قد يحدث بها، فهي تحتاج العناية والروية في تحضيرها.

  • قيل الشعر في القهوة العربية، هلا ذكرت لنا قليلاً منه؟
  • قال أحد شعرائنا: "يا صانع القهوة في الصباح مرّها/ ريح هيل ورياض منمنـم

    فإن مضى بك الزمان ومضـى / حكيماً أنت وعذبك جودُ يكتسب

    فأعن شاربـها برد الجميـل / فالصنيع وفاءٌ وللفنجان عزُّ وتكريم"

    فأنا أصنع القهوة المرة منذ ثلاثين عاماً، ولا زلت أكتشف أموراً جديدة تضفي عليها نكهة لذيذة لا تنسى، وهذا الإرث أصنعه صبيحة كل يوم، كتقدير للضيف وتقدير لبيت الضيافة وهذا منحها اسم هو "عادة الأجلاء".

    يذكر أن الجد "متعب زيتونة" من مواليد "تيما" عام /1929/، تربى في ظروف معيشية صعبة، جعلته ينهل من معرفة الحياة الكثير… وهو يعدّ من وجهاء البلدة، وله في النقد المجتمعي والرأي كما له في إسداء النصح والمشورة.