«هو ذاك الرجل الذي يحاكي التاريخ ويقف على أعلى قمة مسكونة تحوفها نسائم الهواء من الجهات الأربع، مضافته من الحجر البازلت وسقفها من القصب المقاوم للطبيعة، في وسطها مهباج عند الصباح تستمع إلى أنغامه ورائحة القهوة المرة العربية تفوح منها، تتذكر الماضي العريق، مضافة تحوطها أحجار البازلت القديمة، وديوانية ذات طابع تراثي واقعي، عندما تصل وتنادي بصوتك "وين راحو المعازيب"؟ يكون الشيخ "أبو نايف أجود درويش" المولود عام 1904 واقفاً كالسنديان يستقبل ضيوفه بصوته الأجش، مرحباً بهم».
الحديث كان لرئيس الجمعية الفلاحية في قرية "شعف" السيد "سليمان أبو عاصي" محاوراً موقع eSuweda بتاريخ 4/8/2009، مضيفاً: «ما إن تدخل مضافته حتى يبدأ يحدثك عن تاريخ القرية وأحداثها وهو يتغنى بأمجاد الأهل والأجداد، والمميز به ذاكرته التي يحفظ بها الوقائع، يقدم لك قهوته وهو ممشوق القامة وقبل أن تسأله يتساءل عن الأرض والإنتاج والموسم، بإيمان مطلق، بترديد عبارة "إلي عند الله قريب.. لا تقنطوا من رحمة الله"، ويبدأ بسرد حكايا تاريخية تستمع إليها بشغف وحب لأنها واقعية ومعاصرة».
إن هذا التراب المجبول بالدم الطاهر يخبرك عن بطولة اهلك وأجدادك وإذا لم يبق منا أحد فإن هذا التراب وهذه الحجارة تتحول إلى بركان نار يحرق الأعداء
موقعنا زار المعمر الشيخ "أجود درويش" الذي قال: «والدي "نايف درويش" من السكان الأوائل لقرية "شعف" وهو من شهداء الثورة السورية الكبرى، لأن الثوار عندما هاجموا الفرنسيين في معركة المزرعة كان معهم وبعد انتهاء المعركة عند الساعة الثانية ظهراً بعد انكسار الجيش الفرنسي، تم ملاحقتهم في مكان يسمى "رقة الصقر" وهو شمال قرية "سميع" إذ بعد هزيمة الفرقة الفرنسية المسماة بالفوارس، تصدى لها والدي "نايف درويش" ورفاقه في موقعة "رقة الصقر" وقتلوا أكثر من ثلاثين فرنسياً واستشهد والدي في هذه المعركة».
وأضاف يقول: « كنت يافعاً وشاركت في عدة معارك لأنني حملت من والدي مبدأ مفاده: "العزيز بربعه من ينتمي إلى أرض "السويداء" القوية المنيعة وأن الفرد لا يكون عزيز الجانب إلا بربعه وعزوته ووطنه وأمته فنحن من أمة أهل العروبة الذين يعزون بانتمائهم للأمة العربية والإسلامية"، تلك الكلمات كانت قانون بالنسبة لي».
وأضاف يقول راجياً أن تنزل هذه العبارة عن لسانه: «إن هذا التراب المجبول بالدم الطاهر يخبرك عن بطولة اهلك وأجدادك وإذا لم يبق منا أحد فإن هذا التراب وهذه الحجارة تتحول إلى بركان نار يحرق الأعداء».
وأثناء وجودنا في مضافته دخل الشيخ "أبو فيصل جدعان الخطيب" الذي قال: «بالنسبة للشيخ "أبو نايف أجود درويش" هو من المعمرين الذين يتميزون بالفطنة والذكاء وروح الحماسة، وقد يتذكر أحداثاً كثيرة أيام المعارك والحروب، يجلس في كل صباح وتسمع أنغام مهباجه، ترشف فنجان قهوة من يديه التي ترى في شقوقها حكايا الزمن وقيمة العمل».
تدخل الشيخ "أجود دوريش" بالحديث وقال: «سأحدثكم عن إمامة "آل الخطيب" لقريتنا، منذ أكثر من ثمانين عاماً، إذ اجتمع أهالي قرية "شعف" مع شيخ عقل طائفة الموحدين سماحة الشيخ "احمد الهجري" لوضع إمام للقرية وأجمع الرأي على أن يكون رجل تقوى وصلاح ويتميز بصفات الصالحين، ووقع اختيارهم على المرحوم الشيخ "سعيد الخطيب" إماماً لقرية "شعف" الذي كان موصوفاً بورعه وتقاه، ومن فضائله أنه كان يحاكي فرسه قائلاً: "لا تقربي الزرع" فكانت ببركته تستجيب وتبتعد عن أكل الزرع، كان ذلك الحدث الجلل في مضافة آل درويش "حسن وسلامة درويش" وكان من زائريها بشكل دائم شيخ عقل الطائفة "احمد الهجري" وعيّن شيخاً من آل "الخطيب" إماماً ومازالت تلك العائلة إلى يومنا هذا تؤم أهل القرية، هذه الواقعة كنت شاهداً عليها، وقريتنا "شعف" هي واحدة من القرى الجبل التي تتميز بالمحبة والوفاق والسلام».