تزخر الذاكرة الطبية السورية، بأسماء تركت بصمات لا تنسى في اختصاصات مهمة، كأمراض القلب والأوعية وجراحتها، حتى أصبحت خبراتهم الموثّقة مرجعاً رئيسياً في هذا المجال، كان أبرزهم د.سامي القباني، د.مفيد الجوخدار، د.عابد قهواتي، ومنهم من تجاوز اسمه حدود الوطن ووصل العالمية، كالدكتور طليع تامر بشور.

صداقة بعمر السنديان

في حوار خاص مع الأديب "ظافر بشور" الذي تربطه مع الدكتور "طليع" صداقة بعمر السنديان، يقول لمدونة وطن: "ولد د "بشور" في صافيتا عام 1941 ضمن أسرة متعلمة تتميز بمكارم الأخلاق، تعلّم في مدارسها حتى المرحلة الثانوية، وانتسب إلى جامعة دمشق لدراسة الطب، وبعد تخرجه سافر إلى الولايات المتحدة الأمريكية عام 1966، حيث حصل على شهادة البورد للطب الباطني والمجلس الأمريكي في القلب والأوعية الدموية، درس في مقاطعة كولومبيا (المستشفى العام ومستشفى واشنطن)، ثم عاد إلى الوطن بعد تخرجه، افتتح عيادته، وزاول التدريس في جامعة دمشق إلى جانب عمله.

الطبيب والباحث في الأمراض القلبية

إحدى مقالته في صحيفة أمريكية

أسس "بشور" القثطرة القلبية في مستشفى المواساة في دمشق وأشرف على عمله في اختبار وعلاج بعض مشاكل القلب والأوعية الدموية بعدها، ثم عاد إلى الولايات المتحدة الأمريكية عام 1981 للتدريس في جامعاتها وممارسة مهنة الطب؛ لتصبح له شهرة عالمية كطبيب وباحث ومحاضر، وتشهد له مراكز الأبحاث العالمية بهذا المجال، وأسهم في تأليف عدة كتب وأبحاث منشورة في المجلات الطبية، منها: "الخبرة الجراحية عن طريق رأب الأوعية التاجية بالحقن عن طريق الجلد - التضيق التاجي مع ارتفاع ضغط الدم الرئوي الشديد - احتشاء عضلة القلب الناجم عن الشريان التاجي جسر عضلة القلب - فصل الأورام المخاطية في الأذين الأيسر والبطين الأيمن" وغيرها الكثير. ولطالما استخلص من أبحاثه ومطالعاته ما يفيد تلاميذه ويثري ثقافتهم، يذكر الأديب رحلته مع صديقه الدكتور إلى جامعة البلمند لإلقاء محاضرة بعنوان (الفن والعلم لمشاعر الإنسان)، أشار فيها إلى الانفعالات النفسية والموسيقا والمواهب ومدى تأثيرها المادي على الانسان، تميز ببراعته في طرح معلوماته الطبية بشكل مبسط

أسس د"بشور" كلية الطب في جامعة البلمند في لبنان، وكان عميداً لها، ألقى محاضراته عبر التلفزيون بسبب إقامته في الولايات المتحدة، إضافة لحضوره السنوي إلى الجامعة مرات عدّة، كما حاضَر في مستشفى جاورجيوس في بيروت، وألقى معظم محاضراته تبرعاً منه.

الدكتور بشور مع عائلته

توفي عام 2021 وبقي أثره الطيب في قلب كل من عرفه من أصدقائه ومرضاه؛ لأنه قدّم خلال مسيرته الكثير للطب والإنسانية، ورفع من شأن سوريا عالمياً.

ترجم الدكتور بشور إنسانيته بفعل الخير

دكتور بشور مع رئيس جامعة البلمند ايلي سالم

تقول ابنة الدكتور "كارن بشور" المقيمة في لوس أنجلوس، كاليفورنيا "لمدونة وطن": "كان والدي رجلاً سخيّاً بإنسانيته التي ترجمها بفعل الخير، تميز عن باقي الأطباء برجاحة عقله وثقافته الواسعة في شتى المجالات، وإلى جانب تفوقه في مهنة تتطلب الحزم والقوة، كان يتمتع بشخصية عاطفية، ما خلق علاقة ودية بينه وبين مرضاه، فالعلاج من وجهة نظره يعتمد على كل من الجسم والمشاعر الإنسانية، وقد ظهر ذلك جلياً في كتابه "القلب المنكسر" حيث قال :"احمِ قلبك من الإجهاد اليومي والاضطرابات العاطفية"، مؤكداً أن الحالة النفسية والمعنويات العالية ركن من أركان العلاج، وأصبح من أهم أساتذة جامعة سان فرانسيسكو إحدى أفضل كليات الطب في أمريكا، وأهم أطباء مشفى سيتون وسانت ماري وسانت لوك، ولم يمنعه ضيق وقته من زيارة بلده العزيز سوريا مرتين سنويا.

كان دوره كبيراً في تعزيز العلاقات بين الجامعات والطلاب

تشير "بشور" إلى دوره في تأسيس كلية الطب في جامعة البلمند، لتأمين فرص التعليم والعمل للطلاب السوريين واللبنانيين، من خلال دعمه للطلاب الجادين والأذكياء، وفتح أبواب العلم لهم ليصبحوا أطباء متفوقين، كما قدّم فرص المنح الدراسية الشخصية لأفضل طلاب الطب في البلمند، ونقلهم جواً إلى سان فرانسيسكو للدراسة تحت إشرافه مع مرافقتهم له في جولاته اليومية في مستشفى سيتون، وتعريفهم بأطباء ومعلمين آخرين، واستضافهم في منزله، الذي استضاف ونظّم فيه أيضاً الفعاليات السنوية التي تهدف إلى جمع التبرعات؛ لتغطية الرسوم الدراسية لكلية الطب في البلمند للطلاب السوريين واللبنانيين الذين لا يستطيعون تحملها.

كما تطرقت إلى إرث الوالد في حب الإنسانية وتطبيق هذه المبادئ على أرض الواقع، والاهتمام بالصحة والعقل لخلق مستقبل مشرق، والاقتداء به في تقدير إمكانيات الناس وعدم تهميشها.

وتضيف ابنته: مسيرة طويلة لطالما أعلن خلالها والدي اعتزازه الدائم ببلده سوريا التي أحبها ورفع من اسمها ، وحين بدأت صحته بالتراجع، كانت الورقة والقلم خير جليس له، يتابع المشاريع ويدوّن الأفكار والملاحظات، ليترك للعالم أكثر من 150 منشوراً طبياً تُرجم معظمها إلى لغات عدة.

تابع أولاده نهجه الانساني والمهني

لم يثنه الطب عن ممارسة هواياته المتعددة، وحسب قول ابنته فقد أحب الفن والموسيقا، فكان عازفاً بارعاً على العود والأكورديون والبيانو، وامتلك خامة صوت جميلة أتاحت له الغناء في الأمسيات العائلية ومع الأصدقاء، يدندن أغاني السيدة فيروز وعبد الحليم حافظ وفريد الأطرش والبيتلز، وبعض أغاني باخ، كذلك كان رساماً بارعاً، وأتقن عدة لغات. فنظّم وقته بين العمل وهواياته، بهدف شحن طاقته الجسدية والفكرية، فعبّر عن نفسه بتفرد تام، وقام بتسجيل أقراص مضغوطة متعددة تحتوي على الأغاني العربية والأجنبية المفضلة لديه، لتشغيلها أثناء عمليات القثطرة القادرة على تهدئة الأعصاب، لذلك أسمته "كارن" دكتور دي جي، حيث اتفقت مع والدها على أن البشر يجب أن يكتشفوا النطاق الكامل للقدرات للحفاظ على المواهب.

وحاليا تسير كارن مع أخويها الطبيبين كنان وريّان على نهج الوالد في التفاني للعلم والخير، وجعل الحب والفن والموسيقا رديفاً للصحة العامة، مع صون ارتباطهم العائلي المتجذر بمجتمعهم السوري، الذي استمدوه من تربية والديهم.

دمج الدكتور بشور النهج العلمي والإنساني في الطب

في نفس السياق تتحدث الدكتورة "سمر عبدلله" أخصائية أمراض القلب، والتي واكبت الدكتور"بشور" في دمشق قائلة : من أهم الأطباء السوريين في اختصاص أمراض القلب والأوعية وجراحتها، وقد تميز عن الجميع باتساع مساحة علمه وخبرته وهواياته، التي نشهد لها كطلاب وزملاء له، مع الإشارة إلى شخصيته المتفردة والمعروفة باللطف وخفة الظل، وكيفية دمجه للنهج العلمي والإنساني في التعاطي مع أي حالة ، وتضيف..من البديهي ذكر الدور الكبير للدكتور "بشور" في تأسيس القسطرة القلبية، كخطوة نوعية للعلاج المتقدم في سوريا، وضرورة تسليط الضوء على كافة بحوثه وأطروحاته".