"دمشق" مدينة قلبها كبير ورائحة العراقة تشمها في كل مكان وتشعر بارتياح كبير بحبها وحنانها وأنت تجوب معالمها وشوارعها وحارتها، وكأنك ترى التاريخ دون أن تقرأه.

وفي قلبها الواسع دخلنا حارة من الماضي في روح الحاضر، حارة راسخة على خريطة دمشق القديمة بأزقتها وبيوتها العربية الدمشقية القديمة التي لم

الحياة في الحارات القديمة مثل حارة الحجاج ممتعة وجميلة، فأنا أشعر بالاعتزاز والفخر أني أعيش في بيت ورثته عن أبي وأجدادي، لكن المشكلة الوحيدة التي تسبب لنا الإزعاج هي ضيق الحارة التي يصعب أحياناً على سيارات الإسعاف أو الإطفاء الدخول إليها

يتغير فيها شيء، بسبب اهتمام أصحابها ومحافظتهم عليها وعلى هويتها الشعبية التراثية في نظرهم ذاكرة من التاريخ وذكرى الأجداد التي تختلط برائحة زهر الياسمين في حارة لم ينسها الزمن- هي حارة "قصر الحجاج".

السيد "محمود الحمصي"

موقع esyria بتاريخ 23/8/2009، تجول في حارة قصر الحجاج وأزقتها وأجرى لقاءً مع السيد "محمود الحمصي" الذي حدثنا عن هذه الحارة بقوله: «حارة قصر الحجاج حارة قديمة جداً، موجودة في وسط مدينة دمشق التي كانت عاصمة الأمويين، وتعود تسميتها بحارة قصر الحجاج نسبة إلى "الحجاج بن يوسف الثقفي" الذي سكنها وأقام فيها وما تزال بعض الأجزاء من قصره موجودة حتى الآن، لذلك يفوق عمر الحارة 1400 سنة، هذه الحارة تمتد من نهاية حي "السويقة" إلى أول "باب الجابية"، يتوسطها شارع طويل يبلغ طوله أكثر من 500 متر وعلى طرفيه تتوزع الكثير من الحارات والأزقة على اليسار واليمين، وقد سميت هذه الأزقة بأرقام 1،2،3،4...الخ، وبعض الأهالي المقيمين فيها يسمونها بأسماء مختلفة مثل "زقاق الدراويش"، و"زقاق طيبة"، و"زقاق التوبة"، و"الشالاتي"، و"المعَّازة"، وزقاق "القيم"، كما يوجد فيها زقاق "ستي ليلى"، نسبة إلى السيدة ليلى التي تتبع آل البيت، ما تزال الحارة وأزقتها المتعددة محافظة على طرازها المعماري الدمشقي القديم، فحارتها الضيقة وبيوتها القديمة المتلاصقة ومحلاتها ذات المهن المختلفة ما زالت موجودة».

ثم أضاف: «توجد في الحارة وعلى امتداد الشارع الذي يخترقها بعض المعالم التاريخية الإسلامية القديمة فنجد في بدايتها يتربع جامع "النقشبندي" الذي يزيد عمره على 400 سنة، وحمام "الزين" الذي يزيد عمره على 750 سنة، وكذلك مقام "السيدة ليلى" كما ذكرنا سابقاً، ويوجد بعض المساجد الصغيرة القديمة الموزعة هنا وهناك في الحارة مثل "حسان بن ثابت"، وجامع "الزيتونة" بمئذنته القديمة، وعلى طول الشارع الذي ينصف الحارة توجد محلات بمختلف المهن اليدوية وغيرها».

مقام السيدة "ليلى"

وبالنسبة للأجواء الرمضانية حدثنا "الحمصي" بقوله: «رغم أن حارة الحجاج كبيرة حيث تعتبر من أكبر حارات دمشق القديمة، إلا أن الناس يعرفون بعضهم وتجمعهم علاقات طيبة من المودة والمحبة، هذا كان ملموساً قديماً وما زال إلى الآن، فعندما يأتي شهر رمضان، يبدأ الناس تبادل التهاني، وتبدأ مساعدة الغني للفقير، مثل إرسال الصدقات والمعونات المادية، إضافة إلى تبادل أطباق الطعام المختلفة بين أهل الحارة، كما كانت تقام ما يسمى في الوقت الحاضر موائد "الرحمن" حيث كان الغني والميسور يجمع الناس في بيته ويقيم الولائم على الإفطار، أو يوزع الطعام على الأهالي، ولجميع البيوت، وفي وقت "السحور" كان يتطوع أحد سكان الحارة ويجوبها ليوقظ أهلها على السحور حيث في ذلك الوقت كان من الضروري وجود "المسحِّر"، وأمثلة كثيرة تسود بين الناس عن العلاقات الاجتماعية التي كلها رحمة ومودة ومحبة بين الجميع مثلاً كان إذا مرض أحدهم تجد أغلب الناس يزورونه ويطمئنون على صحته، وإذا وقع أحدهم في مشكلة تجد الكثيرين يتبرعون لمساعدته ويقفون إلى جانبه، أما الآن فقد اختلفت هذه الصورة بعض الشيء بسبب انشغال الناس بأعمالهم وحياتهم أكثر من قبل».

السيد "عبد الرحيم القاسمي" قال لنا: «حارة قصر الحجاج حارة شعبية تراثية قديمة تذكّر بأيام زمان، وأيام أجدادنا الذين عاشوا الزمن الماضي، ونتذكر صفاتهم الحميدة في الأخلاق والشهامة والكرم والضيافة، ومحبتهم وخوفهم على بعضهم، وتآزرهم في السراء والضراء، حيث إلى الآن نجد في هذه الحارة من يتمتع بهذه الأخلاق».

المأذنة القديمة لجامع الزيتونة

السيد "جمال الدين الحسواني" قال: «الحياة في الحارات القديمة مثل حارة الحجاج ممتعة وجميلة، فأنا أشعر بالاعتزاز والفخر أني أعيش في بيت ورثته عن أبي وأجدادي، لكن المشكلة الوحيدة التي تسبب لنا الإزعاج هي ضيق الحارة التي يصعب أحياناً على سيارات الإسعاف أو الإطفاء الدخول إليها».