سألنا أحد المارة؟ هل تفضّل السير على الرصيف أم في الشارع؟ فأجاب؛ على الرصيف! وحين تساءلنا عن الحلّ إذاً عندما تكون تلك الأرصفة مغطاة بالبضائع، علق بقوله: وهل تكفي مسافة مترين لعبور المشاة لتكون للبضائع؟!
هذه هي الحقيقة التي يتجاهلها العديد من التجار؛ إن كانت موجودة أصلاً في أذهانهم، لكننا نتساءل عن دور المعنيين باتخاذ الإجراءات الصارمة التي تحفظ الملك العام لأصحابه وتحافظ على هويته، فهل أصبح ذلك من الصعوبة بحيث نجد بعض المحلات التجارية قد امتدت لتشمل معظم الرصيف أو كله في بعض الزوايا؟ أم أنّ قياس عرض الرصيف حديثاً يتم بالأمتار الضوئية؟
المسؤولون عن المخالفات يأتون بشكل دوري، فاليوم صباحاً كانوا هنا، وصادروا سيارة بضاعة تبيع على الرصيف، وأحياناً يصادرون بضائع مختلفة
أصحاب المحلات التجارية كغيرهم من المشاة، على اطلاع دائم حول مخالفات الأرصفة؛ وفي شارع "الثورة" قرب سوق "المشبكة"، تحدث "ماجد جحجاح" عن أهم التقنيات المتبعة للانتفاع بالملك العام: «يستغل أصحاب البسطات زوايا الأرصفة التي يقف عليها أكبر عدد من الناس؛ ليعرضوا بضائعهم هناك، وأكثرهم يتواجدون في هذا الجزء من شارع "الثورة"، أما الموجودين في شارع "المشبكة العليا" فهم أكثر بكثير، ويختفون عن الأنظار مع بضائعهم عندما تظهر سلطات البلدية، ثم يعودون مجدداً، فأحياناً يأتون من البلدية صباحاً بشكل مفاجئ، وربما هناك من التجار من يعلم بقدومهم مسبقاً، وقد أصبح عرض البضائع في هذا الشارع عادة مستمرة، وأصبح معروفاً لبعض الناس كسوق شعبي، بالرغم من أنّ وجود تلك البضائع المعروضة خارج المحلات مخالف للقانون».
شارع ومحلات تجارية وبعض المخالفات، تلك هي الصورة التي توجهنا لمشاهدتها في سوق "المشبكة" العليا؛ لكنّ عبورنا هناك بيّن أنّ الشارع المتقاطع مع شارع "الثورة" يتقاسمه مشاة، سيارات وبضائع متنوعة، ولم يبق سوى إيجاد قفل ومفتاح للشارع بحوزة التجار، فالسيد "عيسى زغبور" صاحب مكتبة منذ خمسة وعشرين عاماً؛ حين كانت تنتشر الكثير من عربات الخضار هناك، واليوم يصف الموقع قائلاً: «كما ترى؛ البضائع منتشرة في كل مكان على الأرصفة، ليس هذا فحسب؛ بل إنها تصل إلى الطريق، وبالنسبة للسيارات فبعضها أيضاً تقف هنا أمام محلاتنا، لتبقى أحياناً معظم ساعات النهار، وبذلك تمنع بعض الزبائن من إيجاد مكان لسياراتهم والشراء من محلاتنا».
إذاً أين هي سلطات مجلس المدينة المسؤولة عن إعادة التوازن؟ يقول: «المسؤولون عن المخالفات يأتون بشكل دوري، فاليوم صباحاً كانوا هنا، وصادروا سيارة بضاعة تبيع على الرصيف، وأحياناً يصادرون بضائع مختلفة».
وعلى مسافة قريبة في شارع "الثورة" أيضاً؛ في إحدى تقاطعات الشارع المؤدي إلى الجامعة وشاطئ البحر؛ كانت إحدى الزوايا مخصصة بالكامل وعلى امتداد عدة أمتار؛ لعرض حاجيات منزلية مختلفة، تجبر المارة على السير في الشارع، اقتربنا من صاحب المحل وسألناه؛ أليس هذا مخالفاً للقانون؟ الواقع أنّ لديه قناعة أهم من ذلك، وهي ضرورة تحسين دخله بأي وسيلة بسبب أوضاع أسرته المتردية، رغم تعرضه للإنذارات المتكررة، أما بشأن المخالفات، فيقول أنّ هناك من يتدخل عند اللزوم من طرف المعنيين!.
في "مديرية الشؤون الصحية"؛ تعتبر "دائرة الإشغالات" مسؤولة عن اتخاذ كافة الإجراءات والتدابير القانونية لحفظ حق المشاة في أرصفتهم، والمهندس "علي يوسف" شرح عن قوانين هذه الأرصفة قائلاً: «تقسم مخالفات الأرصفة إلى قسمين؛ من قبل المحلات التجارية ومن قبل البسطات، وبالنسبة لإشغالات المحلات: في حال كانت مساحة الرصيف محققة وفق القرار 25/2001؛ أي بمساحة تزيد عن متر ونصف، نمنح ترخيصاً باستخدام نصف متر فقط، على عرض واجهة المحل، وبحيث تكون البضاعة منسجمة مع بضاعة المحل مثل براد أو مواد محل سمانة.
وفي حال الإخلال يتم سحب الرخصة مباشرة، أما المحلات غير المرخصة، فيتم تنظيم ضبط إشغال أملاك عامة وتوجيه إنذار بعدم إشغال الأملاك العامة، وفي حال تكرار المخالفة يتم إغلاق المحل بالشمع الأحمر لمدة ثلاثة أيام، أسبوع أو شهر».
وبحديثه عن الأنواع المتبقية من مخالفات الأرصفة والإجراءات المتبعة، لا بدّ من التساؤل حول أسباب ظهور المخالفين مجدداً، خاصة وأنهم يختارون أكثر الأرصفة كثافة، وأحياناً زوايا الشوارع المزدحمة، كما هو الحال قرب مركز الانطلاق القديم، وكما يضيف: «بالنسبة للعربات يتم مصادرة العربة وإتلافها، وفي حال كانت تحتوي أسماكاً مثلجة يتم تلفها مباشرة، وبحضور قسم شرطة المدينة، وأحياناً بمؤازرة من فروع الأمن الأخرى، وهذا يسري على السيارات التي تقف بجانب الأرصفة أو على الأرصفة.
وبالنسبة للبسطات؛ يتم مصادرتها من قبل مجلس المدينة، من خلال حملات وبمؤازرة من قسم الشرطة، ويتم تنظيم ضبط بالبضاعة المصادرة وتسليمها إلى مستودع المدينة أصولاً».
سوق "المشبكة" العليا أصبح وبجدارة التجمع الأشهر في المحافظة لمخالفات الأرصفة، بل والشوارع أيضاً، فهل من حلول جذرية؟ يوضح المهندس "علي": «يتم حالياً إنشاء ساحة لاستيعاب البسطات المنتشرة في المدينة بأكملها في الجمعية السكنية جانب "مديرية التموين"، وتستوعب قرابة 250 بسطة، تضم مختلف المهن، وقد تم تسجيل عدد يصل إلى 200 اسم، وتم البدء بالمشروع بداية هذا العام».
توقعنا على الأقل وجود منفعة مشتركة من خلال سوق "المشبكة" العليا؛ وهي دخول كتاب "غينيس" بعدد المخالفات، لكن يبدو أنّ المنافسة ليست بالمستوى المطلوب، وكما أوضح: «المخالفات المسجلة للعام الماضي: حوالي 130 ضبط مصادرة للبسطات، 287 ضبط إشغال بحق المحلات، سبعين إنذاراً وكذلك حوالي سبعين إغلاق تقريباً، ومصادرة حوالي أربعة وثمانين عربة جوالة، إضافة إلى التنسيق مع "دائرة الرقابة الصحية" بالنسبة لضبوط رعي الأغنام، أو ضبوط الذبح خارج المسالخ».
من شرطة مجلس مدينة "بانياس"، شرح "محمد موسى" عن المخالفات التجارية المرتكبة على الأرصفة، وآلية عملهم كشرطة مجلس مدينة: «نسمح أحياناً باستخدام حوالي نصف متر أمام المحلات التجارية إذا كانت لا تعيق حركة المشاة، وفي حال وجود مخالفات، نقوم بإنذار المحلات المعنية شفهياً أو كتابياً، ليكونوا في اليوم التالي قد تراجعوا عن مخالفاتهم، حيث نقوم بإنذار السوق بالكامل، وهذا أصبح جزءاً من عملنا اليومي».
وسائل دفع المخالفات معروفة؛ على أرض الواقع أو في مقر المجلس، وقد تتحول إلى المحاكم في حال التأخر، أما طرق التهرب منها؛ فهي إما وعود بتطبيق القوانين، أو استفسارٌ عن ماهية القانون نفسه! ومقدارها كما يبينه: «قيمة مخالفة إشغال الرصيف 1000 ليرة سورية، رمي أوساخ 1000 ليرة، حيث أنّ رمي القمامة يكون في موعد مرور عمال النظافة، وفي حال رمي أوساخ بعد الوقت المحدد يتم مخالفة المحل المعني بمقدار 1000 ليرة، ويمكن مضاعفة المخالفة أيضاً في حالات معينة من التجاوزات، وفي حالة تكرار المخالفة يتم مصادرة البضائع المعروضة لعدة أيام، حتى يتم دفع غرامة المخالفة، ونقوم أيضاً بإنذار ومخالفة السيارات التي تعرض بضائع بالقرب من الأرصفة، لأنها تقف أيضاً في أماكن ممنوعة، وعند عدم الالتزام بدفع المخالفة، يتم تحويل المخالفة إلى القضاء».
بالسؤال عن إحصائيات المخالفات، أرقام قد يكون مجموعها مصدر ارتياح لبعض التجار المنتفعين من أرصفة المشاة، وفي مدينة "بانياس" لعام 2009 فقط: «العام الماضي كان لدينا 1700 مخالفة، 200 منها صحية تتضمن عدم ارتداء اللباس الأبيض المطلوب في المطاعم، عدم نظافة المحل، نظافة مواد الطبخ المستخدمة مثل زيت قلي "الفلافل"، وجود بطاقة صحية لكل عامل، إضافة إلى غطاء للرأس والنظافة العامة، مثل نظافة الأظافر، وقيمة المخالفة من 500 حتى 600 ليرة، وهناك محظورات عامة للمحلات التجارية مثل توجيه مياه التنظيف نحو الشارع أثناء النهار، غسل سيارة في الشارع وقيمة هذه المخالفة 3000 ليرة، وأكثر المحلات مخالفة هي محلات الأدوات المنزلية».
نستنتج من هذه الإجابات وهذا الشرح؛ أنّ هناك مخالفات متكررة؛ بل نضيف هنا أنها في نفس الأمكنة، ومن قبل نفس الأشخاص أحياناً، وبما أنّ هناك قانون يحمي الملكية العامة، ومن يطبق هذا القانون، هل تتطلب حلول الأرصفة عقوبات مضاعفة بحق المخالفين؟ حتى ذلك قد لا يكون مجدياً مع غياب مفهوم المسؤولية تجاه المجتمع، وعدم محاسبة المقصّرين.