بدأت القصة منذ أكثر من مئة عام، وبشكل تقريبي في عام 1897 حين هاجر سكان جزيرة "كريت" من جزيرتهم بسبب الحروب والخلافات الدينية ليستقروا في سورية ويؤسسوا بداية جديدة لحياة مختلفة... كان اختيارهم قرية "الحميدية" في "طرطوس" والبعض منهم استقر في "طرابلس"... دعونا نتابع تفاصيل حكايتهم من الدكتور "علي صولاكو" أحد سكان قرية "الحميدية" الذين يرفضون الاعتراف إلا بالهوية السورية كما يقول:
«شرطي لإكمال هذا اللقاء ألا تقولي "يوناني" فأنا سوري أباً عن جد».
شرطي لإكمال هذا اللقاء ألا تقولي "يوناني" فأنا سوري أباً عن جد
ويتابع: «عانى أجدادنا الكثير في جزيرة "كريت" من الحروب الأهلية واستمر الوضع حتى لم يعد يطاق، فما كان منهم إلا أن هجروا الجزيرة وباعوا أملاكهم فيها وقدموا إلى سواحل بلاد الشام الشرقية التي كانت خاضعة للاحتلال العثماني حيث استقبلهم السلطان "عبد الحميد الثاني" وسكنوا في هذا المكان "الحميدية" نسبة إليه وعمروها بعد عدة سنين وبعض أقاربنا يعيشون في "طرابلس"».
ويتابع حديثه يروي لنا تفاصيل بداية الحياة في سورية كما سمع عن الأجداد: «في البداية كان من الصعب التواصل مع الناس بسبب اللغة أتى والد جدي إلى هنا وعمره 17 عاما تزوج وأنجب وكوّن عائلة ومثله الكثير من الذين تزاوجوا مع أبناء المنطقة، واستمرت حياتهم يعملون بالزراعة مثلهم مثل أبناء المنطقة حتى حصل الاندماج ولم يعد هناك من يوناني أو سوري بل أصبحنا كلنا سوريو الهوية والعقيدة».
وحول العلاقات بينهم وبين أقربائهم في اليونان يقول الدكتور "صولاكو": «تربطنا بهم علاقات عادية كأي علاقة بين سوري وشخص من بلاد أخرى بعضنا يتكلم اليوناني والأقلية منا تحمل الجنسية اليونانية يعني كأي سوري يسافر هناك، وبعد فترة يحق له أخذ الجنسية اليونانية وهناك نعامل معاملة الغريبين رغم التقارب الكبير في العادات والشبه في الشكل فأنا قد سافرت ثلاث مرات إلى جزيرة "كريت" وشعرت بأني في جرد "القدموس" أو "الدريكيش" وخصوصا كبار السن يشبهون السوريين إلى حد كبير».
ليس سوري الهوية فقط بل هو سوري الانتماء والعقيدة، والقضية وطنه روحه وقضاياه همه، هكذا يشعر الدكتور "علي" تجاه سورية ويتابع: «والدي بقي في الجيش 33 عاما علّمنا حب الوطن علمنا كيف ندافع عن وطننا سورية، وأنا الآن أريد أن أساعد بلدي بكل الطرق ومستعد للموت في سبيل قضاياه وهمي الوحيد كيف أبني فيه مبدأي بالنسبة لسورية كمبدأي لعائلتي الحفاظ عليها وإعلاء شأنها، ومن واجبي الآن أن أستغل فكرة الأصول اليونانية بما يساعد بلدي المستهدف وكيفية تحسين وضعه بكل الطرق».
ويتابع حديثه في مفردات الانتماء قائلا: «سأروي لكم حادثة هي من أشد الأمور بلاغة في التعبير عن إحساسنا تجاه سورية عندما حضر التلفزيون اليوناني للحديث معنا بدأ المذيع حديثه مع أحد الفلاحين وقال له باليوناني "ثيس ناباس سثي باتريزا سو؟" يعني هل تريد الذهاب إلى "جزيرة كريت" وهنا رد عليه الفلاح باللغة العربية واللهجة المحكية بالحرف "شو بدي أعمل هونيك هون أرضي شجري وبلادي"، وتابع حراثة أرضه غير آبه بالتلفزيون اليوناني».
ويقول السيد "علي فافول": «بقيت في اليونان عشر سنوات بقصد العمل كنت أشعر بالغربة الشديدة فهنا أرضي وعائلتي، تألمت كثيرا في الغربة فالإنسان ينتمي للمكان الذي ولد فيه واحتضنه واليونان ما هو إلا ذكرى لبلاد جميلة عاش فيها أجدادنا القدماء، أما سورية فبلدنا الحبيبة التي فتحت ذراعيها لنا وعلمتنا معنى العروبة».
ويقول السيد "إبراهيم جلال الدين" وهو مهندس في بلدية "الحميدية": «نحن 3500 نسمة هويتنا سورية وانتماؤنا سوري ونحن نعمل في كل القطاعات الخاصة والعامة ولم يتبق لنا سوى القليل من الذكرى اليونانية حتى الأسماء تغيرت فجميع الأسماء اليونانية تنتهي ب "اكي" كعوائل "فافولاكي" أصبحت "فافول" وهناك أيضا "قدماكي" و"باشاذلاكي" والمقصود بـ "اكي" نسبة إلى جزيرة "كريت" ومعظمها الآن حذف "اكي"».
مازالت هناك بعض العادات القديمة التي حفظوها وتناقلوها من اليونان تحدثنا عنها السيدة "عزيزة عثمان" قائلة: «هناك بعض التقاليد والعادات التي توارثناها من أمهاتنا فمثلا في العزاء وتحديدا اليوم الثالث منه نقوم بصناعة حلاوة خاصة اسمها "خليفا" مؤلفة من الطحين والسمنة وسكر وماء وقرفة ونقوم بتوزيعها على كل بيوت القرية ليترحموا على الميت، وأيضا هناك تقليد آخر هو أننا نقوم بتحضير جهاز الفتاة منذ اليوم الأول لولادتها ويسمى "برووجا" أي كل ما رأينا شيئا مناسبا نشتريه لها منذ يومها الأول وحتى يوم زفافها الذي نستغله لعرض "البرووجا"».
وأضافت: «صدقيني يا ابنتي أني لم أطق الابتعاد عن سورية وحتى حين اضطررت للسفر حين ولادة ابنتي في اليونان عددت الأيام والليالي للعودة إلى بيتي هنا، وفيما عدا ذلك فعاداتنا سورية وعربية».