يحتل "وادي الرقاد" حيزاً مهماً من تاريخ وذاكرة الجولان، فعلى جانبيه بنيت الحواضر الشهيرة في تاريخ العرب الغساسنة، وكان الوادي شريان الحياة لمنطقة وسط الجولان طوال آلاف السنين.
ويرى الباحث الجغرافي "عز الدين سطاس" في حديثه لموقع eQunaytra «أن "وادي الرقاد" يدين بوجوده لطيّة فالقية، تمتد طولاً باتجاه شمال جنوب، بين الجولان وحوران، وهو منخفض عريض، قليل العمق في قطاعيه الأعلى الأوسط، وعميق في قطاعه الأدنى، حيث يقل اتساعه، ويزداد عمقه بعد الجسر القديم، قرب "غدير البستان" بمحافظة "القنيطرة"، ويصبح خانقاً حقيقياً، يضم سفوحاً شبه عمودية، ويأخذ اسم "وادي الطعيم"».
إن الوادي لعب دوراً مفصلياً في انتصار العرب في معركة اليرموك، وقد ورد اسمه بهذا الرسم في فتوح البلدان للبلاذري وكذلك في أخبار الفتوح التي ذكرها "ابن عساكر" وغيره من المؤرخين
ويضيف "سطاس" في وصفه لجغرافية الوادي: «يوجد تباين واضح بين قطاعات الرقاد، الأعلى والأوسط والأدنى، فهو في القطاعين الأعلى والأوسط أشبه بسهل عريض وطويل، يمتد بين سلسلة المرتفعات الوسطى في الجولان، وسلسلة التلال الشرقية، ويغلب عليه الطابع الصخري البازلتي، وتكثر فيه الأحواض شبه المغلقة، حتى يكاد المجرى الأساس يضيع بين هذه المسايل، ويكون مجرى النهر في هذين القطاعين ضيقاً، وقليل العمق، ويقترب من مجرى "العلان"، في نهاية القطاع الأوسط إلى درجة الاختلاط تقريباً.
يتعمق "وادي الرقاد" فجأة في بداية قطاعه الأدنى، وتحديداً بعد /700/م من الجسر القديم، حيث يتقطع انحداره بارتفاع مئة متر، ليعطي شلالاً حقيقياً في مواسم الفيض، ومن هنا يبدأ "وادي الطعيم"، الذي قام بعملية أسر "للرقاد"، من خلال زيادة حته الرأسي، ويشكل خانقاً حقيقياً، يبلغ اتساعه نحو /150/م، ويتجاوز عمقه مئة متر، ويزداد اتساعه وعمقه كلما اقترب من سافلته، ليبلغ اتساعه بين "جملة" في الشرق، و"كفر الما" في الغرب نحو /3/كم، وعمقه نحو /280/م، ويصل مستوى قعره عند قرية معرية إلى مستوى سطح البحر، وينخفض عند نهايته في اليرموك إلى 30م تحت مستوى سطح البحر».
وحول الغطاء النباتي في هذا الوادي يقول الباحث "سطاس" «قاع الوادي يبدو قاحلاً، إذ لا تستطيع النباتات أن تتجذر، بسبب الفيضانات السيلية، التي تجرف في طريقها هذه النباتات والأنقاض الصغيرة والمتوسطة، وقد سمحت المياه المترشحة على طول السفح القريب برطوبة أكثر، وبجريان دائم، لكنه ضعيف، يغذي بعض النباتات (كالقصب والدفلة)».
من جانبه يؤكد الباحث في تاريخ الجولان "تيسير خلف" «أن "وادي الرقاد" هو شريان الحياة لمنطقة وسط الجولان، منذ أقدم العصور فحسب الوثائق المصرية القديمة العائدة لفترة حكم "رعمسيس" الثاني ورد اسم مملكة (أرقاد) من الممالك التي فتحها "رعمسيس" في طريقه لحرب الحثيين. ويبدو أن هذه المملكة كانت تقوم بمحاذاة الوادي فمنحت "وادي الرقاد" اسمه.
إن تخمين موقع مدينة (أرقاد) صعب حالياً لعدم وجود حفريات معمقة في التلال الأثرية المحتملة العائدة للعصر البرونزي، والواقعة قرب الوادي، وهي تلال متعددة قامت مديرية آثار "القنيطرة" بعمليات سبر أولية بحاجة على عمليات معمقة.. ولذلك يبقى موقع مدينة (ارقاد) موضع تكهن».
ويشير الباحث "خلف" إلى ورود ذكر للمدينة أو البلدة في الوثائق السريانية العائدة إلى أيام الغساسنة، فقد وقع على وثيقة رؤساء الأديرة العرب القس "رومنا" بإذن من القس "يوحنا" رئيس دير "لوقاد"، ولا يوجد اليوم قرية باسم "لوقاد" بل واد اسمه "الرقاد"، ورد ذكره بهذا الاسم منذ العصر الأموي ولعله أهم واد في المنطقة العربية، نظراً لكثافة السكن على ضفتيه الشرقية والغربية، والتي تشكل المركز الأهم من مراكز نفوذ الغساسنة.
ونحن نعتقد بأن اسم "لوقاد" تم تحويره قليلاً ليصبح "رقاد" لسهولة لفظه، ولكثرة تبادل حرفي اللام والراء في الأسماء العربية، ولا نستبعد أن تكون هناك قرية مندثرة في شمال الجولان أطلق اسمها على الوادي، كما هو الحال مع أسماء الكثير من الأودية في المنطقة. وتشير وثيقة "مصطفى لالا باشا" إلى وجود دير في "وادي الرقاد" إلى الشرق من "القنيطرة" باسم (دير سيرقاد)».
ويقول "خلف": «ففي تحديده لحدود "القنيطرة" في مطلع العصر العثماني، يشير إلى الحد الشرقي لها بأنه ينتهي إلى وادي (الرقاب) آي (الرقاد) وتمامه أراضي الدير المعروف (بسيرقاد). وكما هو ملاحظ فإن الأخطاء النسخية كبيرة في الفترة العثمانية وخصوصاً ما يتعلق الأسماء الغربية، ولذلك نرجع أن يكون اسم الدير ليس (سيرقاد) بل ربما "دير الرقاد" وهو موقع معروف لدى أبناء مدينة "القنيطرة" وبقيت آثاره قائمة في الوادي حتى فترة الخمسينيات من القرن العشرين».
وحول موقع وادي الرقاد في التاريخ العربي الإسلامي يقول الباحث "خلف" «إن الوادي لعب دوراً مفصلياً في انتصار العرب في معركة اليرموك، وقد ورد اسمه بهذا الرسم في فتوح البلدان للبلاذري وكذلك في أخبار الفتوح التي ذكرها "ابن عساكر" وغيره من المؤرخين».
وختم الباحث "تيسير خلف" حديثه بالقول: «إن مياه الوادي في فصل الأمطار وفصل الربيع كانت تشكل سيولاً كبيرة تستمر عدة أشهر ولا يمكن العبور منها إلا عبر جسور متعددة أقيمت في مختلف مراحل الوادي، ومنها أقيم في العصر الأيوبي مثل الجسر المقام قرب "خسفين"، هناك جسور أقيمت في زمن المماليك والعثمانيين، كما كانت المياه تتجمع في مستنقعات تسبب في فصل الصيف الملاريا، أما الآن فقد أقيمت على مجرى الوادي سدود نظمت هذا المجرى وجعلت الحياة ممكنة على جانبي الوادي وحتى في مجراه الأوسط الذي يمتاز بالتمدد الأفقي».
وعن السدود التي تم تنفيذها بوادي "الرقاد" يذكر لنا الدكتور "عرسان عرسان" مدير الموارد المائية بمحافظة "القنيطرة" قائلاً: «هو من أهم الأودية الأساسية في الجزء المحرر من الجولان، وادي سيلي يجري في الشتاء فقط ثم يجف في باقي فصول السنة، تبدأ مسيلاته من سفوح "جبل الشيخ" قرب قريتي "جباثا الخشب" و"طرنجة" من جراء الهطولات المطرية وينتهي في "وادي طعيم" أحد روافد اليرموك يبلغ طوله تقريباً حوالي /70/كم وتصريفه السنوي يتراوح من /5– 100/م.م3 حسب الهطولات المطرية، يبدأ بالتشكل من قرى (طرنجة وعين البيضة وجباتا الخشب)، وينتهي في "وادي طعيم"، ومن ثم يرفد نهر اليرموك عند "تلة خالد"، وغزارته متذبذبة ومتفاوتة بشكل كبير حسب الهطولات المطرية، تتراوح هذه الغزارة بين /3/م.م3 في سنوات الجفاف، وترتفع إلى /53/م.م3 في سنوات الهطول الجيدة، وقد تصل إلى أكثر من /100/م.م3 في السنوات الخيرة، كما حدث في موسم عام 2002/2003. وقد تم تنفيذ مجموعة سدود على هذا الوادي وهي:
سد المنطرة: قيد الإنجاز لري /300/هكتار.
سد كودنه: تخزينه التصميمي /30/م.م3 لري /2260/هكتارا منها /820/هكتارا في محافظة القنيطرة والباقي في محافظة درعا.
سد بريقة: يخزن /1.1/م.م3 وعليه شبكة ري حديثة لري /125/هكتارا.
سد رويحينه: يخزن /1.03/م.م3 ، وحالياً سيتم تطوير شبكة ري رويحينه إلى الري الحديث، وبذلك رفع المساحات المروية على هذا السد من /70/ إلى /100/هكتار. كما أن السد يغذي مسمكة رويحينه.
سد الرقاد: سد ركامي وهو آخر سد على وادي الرقاد قبل أن يرفد نهر اليرموك، وحجمه التخزيني التصميمي /9.2/م.م3، يروي /850/هكتارا منها /150/هكتارا في محافظة "القنيطرة" والباقي في محافظة "درعا".
*اسد الهجة: على وادي العلان، حجمه التخزيني /0.850/م.م3، يغذي شبكة ري حديثة تروي /125/هكتارا».