"الغياثي، والزوبعي، والباسلي، والعماري"، ألوان غنائية يتغنى بها شعراء الرباب في المحافل الاجتماعية والمناسبات، وهي ألحان جرت مطابقتها على أنواع الشعر الشعبي والنبطي وفق بحور "الشروقي" وأوزانه التي تتجاوز الخمسة عشر بحراً، وقد عُرف كل منها حسب مصدره واتسم باسمه.
من المعلوم لدى الباحثين في التراث الشعبي أن لكل بحر من بحور الشعر الشعبي أوزانه وإيقاعاته وأنغامه الغنائية، فقد عمد المهتمون بنمط فنه الغنائي إلى توثيق تلك الألحان بتكريسها ونشرها في المحافل العامة والمناسبات، وخاصة في التجمعات التي تكثر في المضافات والمقاعد الوقورة في جبل العرب.
ألحان "الشروقي" هي لون غنائي مصدره الشرق العربي، ومناطق الشرق، حيث قدمت كل قبيلة من القبائل العربية سكنت منطقة من مناطقه لوناً لحنياً تتميز به وتلاءم مع بيئتِها الاجتماعية والثقافية، فهو يحتوي على كثير من المعطيات اللحنية التي تنم عن القبيلة التي نشأ فيها اللحن، وتصل إلى أكثر من أحد عشر لحناً نذكر منها على سبيل المثال: "الزوبعي"، وهو ينسب إلى قبيلة زوبع، والغياثي كذلك إلى قبيلة الغياث، والعماري وهذا اللحن يمكن القول إنه يعود في أصله إلى "محمد العماري"، وكذلك "الباسلي" وهو أكثر الألحان تداولاً حالياً وشعراء هذا اللون من القصيد الشعبي يمتازون بقدراتِهم الشعرية الكبيرة، وبالصوت الرخيم الجميل المعبر والقوي الذي يحمل بين طياتِه حساً مرهفاً الأمر الذي لا يمكنهم من تأديتِه مع الكورال لأنه كثير الترجيع في الصوت والتكرار من جهة، ومن جهة أخرى ليس له ميزان إيقاعي أو مقياس وزني موسيقي لذلك يصعب تنويته أو تدوينه
موقع eSwueda التقى الشاعر المخضرم "نواف أبو شهده" الذي تجاوز من العمر عقده التاسع والذي كرس أكثر من سبعة عقود منها في نشر ألحان شعبية بعزفه على آلة الرباب موضحاً مصادر بعض ألحان "الشروقي" بقوله: «ألحان "الشروقي" هي لون غنائي مصدره الشرق العربي، ومناطق الشرق، حيث قدمت كل قبيلة من القبائل العربية سكنت منطقة من مناطقه لوناً لحنياً تتميز به وتلاءم مع بيئتِها الاجتماعية والثقافية، فهو يحتوي على كثير من المعطيات اللحنية التي تنم عن القبيلة التي نشأ فيها اللحن، وتصل إلى أكثر من أحد عشر لحناً نذكر منها على سبيل المثال: "الزوبعي"، وهو ينسب إلى قبيلة زوبع، والغياثي كذلك إلى قبيلة الغياث، والعماري وهذا اللحن يمكن القول إنه يعود في أصله إلى "محمد العماري"، وكذلك "الباسلي" وهو أكثر الألحان تداولاً حالياً وشعراء هذا اللون من القصيد الشعبي يمتازون بقدراتِهم الشعرية الكبيرة، وبالصوت الرخيم الجميل المعبر والقوي الذي يحمل بين طياتِه حساً مرهفاً الأمر الذي لا يمكنهم من تأديتِه مع الكورال لأنه كثير الترجيع في الصوت والتكرار من جهة، ومن جهة أخرى ليس له ميزان إيقاعي أو مقياس وزني موسيقي لذلك يصعب تنويته أو تدوينه».
الشعر الشعبي له أنواع "كالحداء والهجيني والجوفية أو الهوسة وقصيد الفن والمطلوع وأغاني المواسم" وله بحور كثيرة تجاوزت خمسة عشر بحراً على سبيل المثال لا الحصر للشعر الشعبي إذ بين الباحث "فيصل نفاع" رئيس جمعية الأدب الشعبي وأصدقاء التراث بالقول: «من بحور الشعر الشعبي "الهلالي" وهذا البحر هو من أصل الشعر النبطي ومنذ ظهوره بدأت أولى القصائد على هذا البحر وقد اشتقت منه بقية البحور وهذا البحر سمي "هلالي" نسبة إلى "بني هلال"، ويكتب الهلالي بعدة طرق إلا أن قافيته واحدة إما بسكون القافية أو بمدها وهذا يكون في القافية، لأن الوزن واحد وهذا البحر من أصعب بحور الشعر النبطي من ناحية وزنه فليس من السهل ضبط وزنه حتى لو كانت قافيته واحدة، كما يمكن للشاعر هنا أخذ راحته من حيث طول البيت الواحد، ويستطيع أن يجمع به معلومات وأفكاراً ومعاني نظراً لطوله، ويمكن في "الهلالي" ربط شطري البيت الأول بقافيه واحدة وإهمال البقية في الشطرات الأولى، وبحر الهلالي يمكن غناؤه على الرباب ونعرف إذا كان مستقيماً.
وهذه قصيده على الهلالي لكنها طويلة الأبيات:
"يقول الخلاوي حاضر الراي صايبه/ مصاب الحشا ما دهى بادها مصايبه
ومشطون حالن بات يصلا على لظا/ مغلوف معلوقن والأكباد ذايبه".
نلاحظ ربط شطري البيت الأول بقافية واحدة وأهمل الشطرات الأولى الباقية، واعتمد الشاعر هنا على القافية الممدودة باستعمال "الألف" "الياء" "الباء" "الهاء"، كذلك يجوز في الهلالي عدم ربط القافية الأولى بالشطر الأول للبيت الأول مع الثاني، مثال:
"يقول جرى واشرف اليوم مرقب/ طويل الذرا للريح فيه زليل
طويل الذرا تهفها الحوايم حوله/ وللحر الأشقر في ذراه مقيل".
نلاحظ هنا عدم ربط شطري البيت الأول بقافية واحدة، ونشاهد قصراً في أبيات القصيد وجاء الاختلاف لاختيار القافية الساكنة وقافيته "الياء"، "اللام" وفي المقارنة الوزنية مع التي سبقت نلاحظ لو غنت على الهلالي نجدها على نفس الوزن حتى بعد وجود الفرق والقصد طول الأبيات وقصرها في القصيدتين».
وتابع "نفاع" بالقول: «هناك بحر "الصخري" الذي يأتي ترتيبه بعد الهلالي وسمي صخرياً نسبة إلى "بني صخر" القبيلة المعروفة في بلاد الشام ومواقعها في الأردن، ويقال صخرياً أيضاً لأنه "يصخر" المستمع للاستماع إليه لأنه من النوع الحزين جداً خاصة على الرباب، فحينما يغنى يخيم الهدوء وتستمع إليه جميع الحواس لقوة تأثيره وقصائده الحزينة، وفي الصخري يجوز أن تكون القصيدة على قافيه واحدة بنهاية الشطر الثاني، ويجوز أن تكون على قافيتين أو قافية واحدة على عكس الهلالي والذي لا تربط القصيدة بقافيتين مطلقاً ما عدا البيت الأول من القصيدة في بعض الأحيان وتستمر القصيدة كلها حتى النهاية على قافيه واحدة كحرفين أو أكثر وهذه الطريقة لا تجوز أبداً ببقية بحور الشعر النبطي حيث إن البحور الباقية تربط بقافيتين باستثناء "الصخري" و"الهلالي" ومن القصائد على البحر "الصخري":
"ترى جرح الهوى ماهو بياوي / ولا يبرا به بالطب المداوي
يكفيـك الخبر مجنـون ليلـى / على ما جاه من كبر البلاوي
ومن عزمه ومن قوات باسه / يهوم الدرب لو ما هو بقاوي".
نلاحظ أن الشاعر بدأ القصيدة بربط شطرتي البيت الأول بقافية واحدة، هي الألف، والواو، والياء، والبيت الثاني أهمل القافية بالشطرة الأولى والتزم بها بالشطرة الثانية حتى نهاية القصيدة على قافية واحدة مثال آخر:
"سقا غيث الحيا مزنن تهاما / على قبرن بتلعات الحجازي
يعط ابه البختري والخزاما / وترتع فيه طفلات الجوازي".
وهنا جاز للشاعر أيضاً ربط كل شطرة بقافية مستقلة فكانت قافية الشطرة الأولى، الهاء، والألف، والميم، والشطرة الثانية قافيتها الألف والزاي والياء، بحيث كانت القافية الأولى ممدودة، والثانية ساكنة "ألف" المد بالأولى و"ياء" التسكين بالثانية لضمان الموسيقا الشعرية التي تعطي القصيدة قوة وجوده، لهذا يجوز في الصخري استخدام قافيتين أو واحدة فقط أما بالنسبة للهلالي فلا يجوز أن يربط بقافيتين مطلقا ماعدا البيت الأول الذي يربط بقافيتين ويجوز أيضاً ألا يربط البيت الأول بقافيتين بل تستمر القصيدة على قافية واحدة أيضاً من بدايتها حتى نهايتها».
ربما كانت أكثر البحور التي تتداول بين الأوساط الاجتماعية والشائعة التي يرددها شعراء الرباب في جبل العرب "بحر المسحوب" حيث يذكر شاعر الرباب "فهد الحسين" بقوله: «يعتبر هذا البحر السائد الآن بالشعر النبطي ونشاهد أغلبية عازفي الرباب يتناولونه في قصائدهم بكثرة ولا عجب أن أغلب قصائد النبطي منذ القدم تكتب عليه وهو مشتق من "الهلالي"، إلا أن المسحوب طغى حتى على "الهلالي" فأصبح متداولاً بين الشعراء وقصائده اكتسبت شهرة بين الناس، وهو مربوط بقافيتين أي كل شطرة لها قافيتها خاصة الشطرات التي بعدها وتكون القوافي غالبا مختلفة بمعنى انه إذا كانت الأولى ساكنه تكون الثانية متحركة ولا يجوز أبداً أن تكون الشطرتان على نفس القافية مثل:
"نفسي تمنيني لرقي السنودي / مع لابتن توزي نفوسه على الكود
بحرابنا نرعى الحجر والفهودي / رغمن على الزعلان والخد ممدود".
نلاحظ قافيتين مختلفتين، إضافة إلى أن قوافي الشطرات الأولى من كل بيت ممدودة بوجود "الياء" بنهاية كل كلمة حتى لو لم تكن الياء أصلية مثل كلمة "فهودي" أصلها "فهود" جمع فهد بكسر الدال ولكن أضفنا الياء لاستقامة الوزن ونهاية الشطرة الثانية ساكنة، "الكود" حيث ضمن الشاعر بذلك انسجام الوزن الشعري وكما قلنا إن القوافي لا تكون متشابهة بالشطرتين إلا أنه من الممكن أن تكون القافيتان على نفس الحرف ولكن بتسكين الأول ومد الأخير أو العكس ولذلك يضاف إلى الممدود حرف المد الساكن عند نهايته الأصلية مثال:
"ما يستريح القلب لاصار مشغول / ولا تنعدل نفسن على فقد أهلها
ولا يشتكي راسن عن الجسم مفصول/ ويمنا تفاخت ما يركب بدلها".
نلاحظ الشطرة الاولى قافيتها "اللام" الساكنه بعد "الواو" والشطرة الثانية قافيتها "اللام الممدودة" بإضافة الهاء على الكلمة الأصلية لضمان استقامة الوزن، وانسجام اللحن، والمسحوب يعرف إذا غني على الرباب لأنه ينسحب الصوت مع سحب قوس الرباب سحباً خفيفاً ويخيل للسامع انه لا يسمع ما يقول العازف. وإنشاده للقصيدة انسجاما مع اللحن ولهذا عُرف "بالمسحوب"».
لعل "الهجيني"، حملت في مضامينها ألحاناً شعبية شتى وكثرت ألحانها حسب طبيعة كل منطقة وهي الغناء السريع، سريع الإيقاع وإذا عرفنا أن أصل الهجيني هو الغناء على ظهور الركايب حيث كان البدو يـُهيجنون وهم على ظهورها بإيقاع يتناسب مع ركض الجِمال (الذلول) على حد قول الشاعر الشعبي "معضاد أبو خير": «للهجيني لحنان مع العدو العادي والمشي، والعدو السريع، فخطوات الذلول لها إيقاع وهي تضرب على الأرض بأيديها وأرجلها فتكون كالإيقاع بالنسبة لراكبها الذي يغني على نغمة عدوها بحيث يسرع رتمه بالغناء إذا أسرعت بالعدو، وهذا لحن يبطيء رتمه إذا أبطأت بعدوها وهناك أيضاً هجيني مسري، وهذا يكون في الليل ويختلف لحنه عن الذي في النهار لذلك نقول بحر الهجيني أكثر اتساعاً عن غيره عندنا، كانوا يـُهيجنون على الساقية وهم يخرجون الماء من الساقية والذلول تجر حبال الساقية، أيضاً بالهجيني يتسامر أهل البادية، في البر يشكلون صفين كل صف مكون من عدد معين ويتبادلون الغناء بالتناوب لكي يقطعوا الليل في مسيرة القافلة، كثير من شعراء الهجيني يعتبرونه شعراً ضعيفاً نظراً لسهولة نظمه وسرعة إيقاعه، ومن أهم ما يميزه قصر أبياته ولا يتعدى أحياناً عشرة أبيات وأغلبه في الغزل، ومن الهجيني قول أحد الشعراء:
"من الهضاب إليـا القنا الطوب غنا / وأرعـدت تسـعر مثـل يوم القياما
أدركوبا يـا ظنينـي الصيـد منـا / من خضـمٍ يا هـلا العـرب تراما».