متسلحاً بثقافته الغزيرة وصفاء فكره وأمانة قلمه يقف أمام ورقه الأبيض وكأنه يناجي عشيقته ليبدأ معها حكاية عشق عذري تلهبه فيه روح الإلهام وصرخة الإبداع التي تسكن بنات أفكاره ليخرج إلى الوجود أنشودة نرنمها لسجيتنا كلما شحت لدينا ذخيرة الأدب... الكاتب والأديب "فاضل العبد الله" ابن مدينة "الحسكة" التقاه موقع eHasakeh وكان لنا معه الحوار الآتي:
كثيراً ما لفت نظري منذ بداية تعرفي عليه حضوره القوي ولمعان الذكاء في عينيه وهوسه المجنون بكل ما هو أدبي وخلاق أحسّ بأنه رجل عاش حيوات كثيرة تتبدى أشجانها وأحداثها في كلمة يتفوه بها أو صمت يتدرأ منه، باختصار "فاضل العبد الله" في الكتابة بحر باذخ الزرقة لكنه في الآن ذاته زاخر بأسرار لمّا تتكشف بعد
** حقيقة لا أعلم إن كنت ولدت أديباً أم أتيت إلى الأدب بالمصادفة فالبداية كانت مع فن النحت ثم الرسم مع بعض الكتابات التي لا أعلم ما أسميها حتى خرج أول عمل لي في الصف الحادي عشر وكان من دون عنوان يتحدث عن شاب بدوي يعشق باريس ويحلم بزيارتها وحين زارها أخذ كل غبار البادية إلى "الشانزيليزيه" ومازلت حتى اليوم أعشق باريس وأتمنى زيارتها.
** هي ربما حالة الإنسان بأنه يجب أن يشرب من ماء البئر الذي في بيته وأنا نهلت من الأدب الروسي وقرأت فيه الكثير فالاتحاد السوفييتي سابقاً هو قارة أدبية وروسيا هي صاحبة السيادة في المدرسة الوقيعة مثلما أمريكا اللاتينية هي سيدة الواقعية السحرية وفرنسا تتربع عرش الواقعية الطبيعية وأنا سبحت في بحار هذه المدارس.
** في البداية تأثرت وكتبت في الواقعية وحالياً أميل إلى التجريب والعبث والأدب قابل للتطور في كل الظروف وأنا أنمو وأتطور معه.
** أنا مع الحداثة الأدبية قولاً وفعلا ولكن أدونيس يصورها في الشعر وهو خير من نظّر للشعر العربي الحديث حتى أمسى حالة فريدة أسميها بالأدونيسية في الشعر أمّا في النثر بأنواعه المختلفة فلا توجد نظرية للحداثة إنما توجد أسماء تنادي بالحداثة دون نظرية تذكر على سبيل المثال الأديب "سليم بركات" من مدينة القامشلي خير من مثّل الحداثة في التقنية الروائية وأجزم أنّه الكبش الذي ناطح أكباش الحداثة الغربية وصرعهم وهو حقاً أديب يستحق أن يقرأ له الجميع.
** من المستحيل أن يكتب الروائي نصاً دون أن ينضج هو ومجتمعه إنسانياً والاستحالة تؤدي إلى نقص في الحساسية أثناء الكتابة وبالتالي تؤدي إلى مثالب عدة نذكر منها:
أ- الكاتب ينصّب نفسه عالم اجتماع بدل أن يكون فناناً وعامل جذب في مجتمعه فيجب على الكاتب أن يعي العلاقة بين الذات والمجتمع ولا يكون سبباً لمعضلات المجتمع أي أن الأدب لا يصنع ثورة إنما ينظم العلاقة بين الأشياء فاللامعقول قد يكون ناقداً أكثر من المعقول على الرغم من غموضه وعبثيته.
ب- يظل الكاتب يسرد ويسرد حتى يمل من السرد دون أن تتمتع التفاصيل بأي نوع من التماسك والحساسية فتنتج الثنائيات والرباعيات ويتم تغطية النقص الكيفي بتراكم الكم أي يميل إلى التكرار دون التنوع.
ج- الشخصية الكتابية في الأعمال الأدبية العربية دائماً ما تتدمر وتتبدى محرومة من العمق وكثافة الحضور ولكن لماذا؟ يبقى السؤال برسم البيع.
د- الأسلبة بالعموم في كتابات العرب أقرب إلى أسلوب الصحافة منها إلى الأدبي مع أنه يجب على الكاتب أن يحلل ويغوص في الشخصية إلى أقصى حد يستطيع الوصول إليه.
طبعاً هذه المثالب هي في العموم وليست في الخصوص وتؤدي إلى نقص في الحساسية وبالتالي تحدّ من وجود نظرية أدبية عربية للحداثة أو غيرها مع الاعتراف بوجود العديد من الأسماء اللامعة التي أبدعت في الحداثة دون نظرية.
** أدبنا العربي شأنه شأن الفنون الأخرى يتطور ببطء ولكن إلى الأمام وهذا شيء يثلج الصدر ولكن قد تقف عند السرعة البطيئة وتسأل لماذا؟ وأنا أميل إلى الراكد لو أزحت كلمة بطء.
** أصفه بالمخزي مع كل لوعة وأسف لذلك يلجأ إلى الحضن الدافئ دوماً ويجده في الغرب مع أن داخلنا أكثر دفئاً وحناناً لكن مع الأسف نرى اليوم أغلب أدبائنا يجولون في ساحات الغرب بعيدين عن أوطانهم.
** القصة لاشك تنتمي إلى الواقعية السحرية وفازت بجائزة العجيلي عام 2009 في محافظة الرقة وبها حاولت أن احمل رموز البيئة المحلية معي حيثما أرحل مثلما فعل الكتّاب الروس الأوائل عندما نشروا بيئتهم إلى العالمية.
** اللغة لم تخني يوماً وهي جمهورية من البلاغة، حيّة قادرة أن تثري النصوص بالحيوية والتأثير ولكن يلزم الصياد الذي يلتقط منها هذه التداعيات وأنا أحاول أن اكتب بلغة عربية حديثة كي لا أحاول أن أقرأ بلغة أخرى أي أجهد أن أكون معاصراً لذاتي.
** كمن ينتظر غيمة ممطرة في هذا الجو الصحو فهو مؤسف للغاية فمدينتنا التي تحوي العديد من الأثنيات والطوائف بتناغمها الجميل وتعايشها الذي لا مثيل له كالبستان المزهو بزهوره وحشائشه مع الأسف لم ينتج عنها أدب يحمل هذه التشكيلة الجميلة لذلك أحلم ان يكون لدينا مجموعة ثورة اللون لفن القصة أسوة بثورة الحرف سابقاً في محافظة الرقة من حصدة الجوائز.
القاص "عبد الغني محمد" قال عن الكاتب "فاضل العبد الله": «كثيراً ما لفت نظري منذ بداية تعرفي عليه حضوره القوي ولمعان الذكاء في عينيه وهوسه المجنون بكل ما هو أدبي وخلاق أحسّ بأنه رجل عاش حيوات كثيرة تتبدى أشجانها وأحداثها في كلمة يتفوه بها أو صمت يتدرأ منه، باختصار "فاضل العبد الله" في الكتابة بحر باذخ الزرقة لكنه في الآن ذاته زاخر بأسرار لمّا تتكشف بعد».
من الجدير بالذكر أن الكاتب "فاضل العبد الله" هو من مواليد مدينة "الحسكة" عام 1970 مجاز من كلية التربية وقد حصل على جوائز عدة وله الكثير من الأعمال الأدبية القصصية والروائية منها: بسالة الجوع، الجوع ثانية، ثورة اللون، لبّ اللوز، وغيرها كما أنّ له نصا مسرحيا بعنوان "امرأة مشبعة باليباس" وهو مشاركة في التأليف مع الأستاذ "جواد الأسدي" وإخراج الفنان "إسماعيل خلف" وقد حصل على جائزة من مهرجان المسرح الجامعي في اللاذقية العام الماضي.