إن إضرام النار في الهشيم المصطنع طقس من الطقوس الدينية المسيحية التي يحتفل بها المسيحيون في كل عام بذكرى استشهاد القديسة "بربارة" التي آثرت الموت على عبادة الأصنام والوثنية بعد اعتناقها ومعرفتها جوهر الديانة المسيحية.
ويرافق الاحتفال بعيد هذه القديسة طقوس دينية ومراحل عمل متعددة ما تزال باقية على أصولها وحقيقتها الشعبية القديمة في قرية "السودا" التي تبعد حوالي /15/ كيلومتر عن مدينة "طرطوس".
لا نكتفي بإشعال "البربارة" الأساسية بجانب المدرسة فقط وإنما يقوم الشباب في كل منزل بإشعال بربارتهم الصغيرة الخاصة بهم والتي صنعوها بأيديهم أيضاً بجانب منازلهم، ليجتمعوا بعدها في تمام الساعة الثامنة مساء بجانب الكنيسة لينطلقوا سيراً إلى جانب المدرسة الابتدائية
موقع eLatakia زار قرية "السودا" بتاريخ 3/12/2010 وتابع مراحل الاحتفال بعيد القديسة "بربارة"، والتقى الشاب "داني حجار" ليحدثنا عن كيفية التجهيز لهذا العيد، حيث قال: «تتعدد مراحل التحضير للاحتفال بعيد القديسة "بربارة" لأنها تحتاج إلى تحضيرات متنوعة منها جمع الحطب من الغابة بتعاون ومساعدة شباب القرية مع بعضهم ووضعها في مكان معين فوق بعضها البعض كالجبل، إضافة إلى تجهيز الحلويات وبعض الأكلات الشعبية الخاصة في المنزل بأيدي سيدات ونساء القرية، وتجهيز فرقة الكشافة في القرية التي ستعزف خلال المسير وصولاً إلى الساحة».
الشاب "مجد حجار" مشارك في أعمال جمع الخطب، وعنها يقول: «بدأنا منذ حوالي الشهر من الآن بالذهاب إلى الغابة المجاورة مع مجموعة من الأصدقاء لجميع الحطب وأغصان الأشجار اليابسة، وقد كنا نذهب حوالي /20/ شاب في كل يوم تقريباً وذلك بحسب أوقات فراغنا ونشاطنا، ويقوم كل شاب بدوره الذي اتفقنا عليه مسبقاً فيما بيننا، فمنا من قام بتقطيع الأغصان اليابسة من الأشجار، ومنا من قام بجمع الأغصان اليابسة من الغابة، ومنا من قام بتحميل الحطب الذي تم جمعه بالجرارات الزراعية ونقله إلى جانب المدرسة الابتدائية في القرية، حيث "البربارة" الأساسية التي سيجتمع سكان القرية بكاملهم حولها لرؤيتها وهي تحترق بأيدي كشافة القرية بعد وصول الجموع الغفيرة السائرة خلف الفرقة الموسيقية الكشفية من جانب الكنيسة إلى جانب المدرسة».
ويتابع: «لا نكتفي بإشعال "البربارة" الأساسية بجانب المدرسة فقط وإنما يقوم الشباب في كل منزل بإشعال بربارتهم الصغيرة الخاصة بهم والتي صنعوها بأيديهم أيضاً بجانب منازلهم، ليجتمعوا بعدها في تمام الساعة الثامنة مساء بجانب الكنيسة لينطلقوا سيراً إلى جانب المدرسة الابتدائية».
الشاب "فراس كرم" مشرف الفرقة الكشفية، يقول: «ما يميز هذه الاحتفال من بدايته إلى نهايته هو العمل الجماعي التعاوني والإنساني بين جميع السكان، فيبدأ دورنا نحن فرقة العزف عندما ينتهي دور الآخرين حيث نقوم مع أفراد الفرقة الكشفية بالتدريب على المعزوفات التي سنقدمها خلال المسير بعدة بروفات لنتمكن من ضبط آلاتنا الموسيقية على إيقاع المعزوفة التي تم اختيارها لتشاركنا المسير وصولاً إلى جانب المدرسة حيث توجد "البربارة" الأساسية الكبيرة».
وعن المعزوفات التي تم اختيارها يقول السيد "فراس": «منذ عدة أيام وأفراد الفرقة الكشفية النحاسية في القرية البالغ عددهم حوالي /50/ شخص يتدربون على معزوفات متعددة منها معزوفة "الفوارس" ومعزوفة "فرح" ومعزوفة "ليندا"، إضافة إلى تزودهم بمعلومات كثيرة عن هذا العيد كطريقة قطع وجمع الحطب الخاص بالبربارة وكيفية إشعال النار وطريقة السير وطريقة إشعال المفرقعات النارية لكي لا يتضرر أحد منها، وكيف يتعاملون خلال الاحتفال وجمهرة الناس مع الحدث».
السيدة "بهية ميخائيل الخوري" تحدثنا كربة منزل عن التجهيزات التي ترافق هذا الاحتفال فتقول: «عند اقتراب موعد الاحتفال بالقديسة "بربارة" نبدأ بالتجهيز لهذا اليوم بصناعة بعض الأكلات الشعبية الخاصة بهذه المناسبة ومنها "العوامات" التي ترمز إلى رأس القديسة وحلاوة طعم الشهادة التي قدمتها، إضافة إلى صناعة "أقراص بحمص" و"الزلابيات" و"الكدابات"، حيث نقوم بعد الانتهاء من صناعتها بتوزيع ما نستطيع توزيعه على الجيران والأقارب، ومن الممكن أن نجتمع مجموعة من النساء لنتعاون على صناعة أحدى هذه الأكلات مشكلين حالة اجتماعية إنسانية فريدة تناسب هذا الاحتفال الديني».
الأب "خليل الياس الشيخ" الخوري حدثنا عن أهمية هذا الطقس الديني قائلاً: «نحتفل بعيد القديسة "بربارة" بإشعال النار يوم /3/12/ من كل عام ويتبعه قداس ديني في الكنيسة يتخلله صلوات وترانيم مسيحية بتاريخ /4/12/ من نفس العام، حيث يرمز الاحتفال بإشعال النار إلى الصاعقة التي ضربت الجبل الذي قُطع عليه رأس القديسة "بربارة" التي اعتنقت الديانة المسيحية بعدما نشأت وترعرعت في كنف أسرة وثنية، ليحرق عليه كل من ساهم وشارك في قطع رأسها أو تعذيبها».
ويتابع: «القديسة "بربارة" ولدت لدى أسرة رومانية غنية ذات جاه ومال تعبد الأصنام، وعرفت القديسة بجمالها وذكائها، وقد استطاعت من خلالهما وبمساعدة إحدى جارياتها أن تُكون فكر سليم عن حقيقة مالك وسيد هذا الكون العظيم وكيف يجب أن يكون صاحب قدرة ومعجزة على عكس الأصنام التي يعبدونها في القصر والدولة أجمعها، وهذا ما لم يعجب والدها واضطره إلى قطع رأسها على قمة جبل عالٍ إرضاء للملك الحاكم، مغضباً الأرض والسماء لينال بعدها نصيبه من الموت جراء ما اقترفت يداه الآثمتين أثر صاعقة سماوية ضربت الجبل».