«استطاع هذا الشعب الصغير الأعزل في سورية الذي بقي مسحوقاً مئات السنين؛ أن يخوض غمار نضال ضار طوال ربع قرن من الزمان وضد دولة منتصرة في الحرب من أكبر دول العالم آنذاك، لا بل ضد دولتين، ثم يخرج منتصراً». بهذه الكلمات عبّرت الأديبة "كوليت الخوري" عن قصة الجلاء الفرنسي عن سورية.
"eDamascus" التقى بتاريخ 13/4/2011 الأديبة "كوليت الخوري" التي تحدثت عن سجل النضال المشرف من الاحتلال حتى الجلاء قائلة: «عناوين كثيرة كتبها المجد في سجل نضالنا؛ من الاحتلال حتى الجلاء تمر أمامي مسرعة؛ سأقطف بعضاً منها؛ من منا لم يسمع بثورة الزعيم إبراهيم هنانو في الشمال؟ ومن منا لم يسمع بثورة الشيخ "صالح العلي" في جبال "اللاذقية" وثورة "حوران، تلكلخ والدنادشة" لا مجال لتعدادها لأن الثورات السورية هي سلسلة طويلة من حكايات البطولة الرائعة انطلقت من صميم واقعنا لتصبح من تراث هذا الوطن».
نريد حماية من قلوب المسلمين لا من حراب المستعمرين"؛ إن هذا التلاحم الشعبي الوطني العظيم المرتكز على الإيمان بالعروبة وبالمصير المشترك كان الحافز الأهم على استمرار الشعب في المقاومة خمساً وعشرين سنة؛ وفي رأيي هذا هو النبع الذي استقى منه شعبنا قدرته الكبيرة على النضال حتى الجلاء....حتى النصر
وتتابع الأديبة "الخوري" حديثها قائلة: «أما عن التظاهرات التي توالت طوال ربع قرن بصرخة رفض واحدة للانتداب؛ فإن أول تظاهرة قامت في دمشق ضد المستعمر عام 1922 وكانت تظاهرة نسائية حيث كانت السلطة قد ألقت القبض على مجموعة من المواطنين وفي مقدمتهم "عبد الرحمن شهبندر وحسن الحكيم وسعيد حيدر" فجاء تصرف السلطة هذا سبباً جديداً لإثارة النقمة؛ فقامت تظاهرة احتجاج في البلاد وكانت نسائية انطلقت من مدرسة "دار المعلمات" ويبدو أن هذا التصرف شغل بال الطلاب ونبههم وأثار حماستهم فاجتمعوا وتدارسوا الأمر وقرروا أن يقوموا في اليوم التالي بالإضراب والتظاهر؛ وهكذا انطلقت أول تظاهرة طلابية في "دمشق" من مكتب عنبر ولم يلبث أن انضم إليها عدد كبير من أهالي "دمشق" ومن المعروف أن التظاهرات لم تنقطع في بلادنا منذ ذلك اليوم واستمرت طوال فترة الانتداب».
أما عن الإضراب الذي كان مفخرة من مفاخر الجهاد والمقاومة تحدثت الأديبة "الخوري" عنه بالقول: «كان سبب هذا الإضراب أن السلطة أقفلت مكاتب الكتلة الوطنية في دمشق وفي حلب وألقت بالقبض على الزعيم الوطني الكبير "فخري البارودي" فأجاب الشعب على هذه التدابير بالإضراب الصامت في جميع مجالات الدولة وقاطعت "دمشق" شركة التنوير الفرنسية مقاطعة تامة وأغلقت المدارس والمعاهد ودام الإضراب لمدة شهرين تقريباً؛ فكان هذا الإضراب من أعظم ما عرف في تاريخ المساعي الوطنية».
تتابع الكاتبة "كوليت" في حديثها عن الوحدة الوطنية في سورية قائلة: «منذ أن قررت "فرنسا" أن تدخل سورية بالقوة، هب الناس على اختلاف مذاهبهم وعقائدهم ودياناتهم ليقفوا صفاً واحداً في وجه المحتل الغاصب؛ فلجأت "فرنسا" إلى العنف وأعلنت الأحكام العرفية وأغلقت الصحف الوطنية لكن كل وسائل القمع كنت تزيد الشعب التحاماً وتضامناً؛ وفهمت "فرنسا" خطر هذا التلاحم الوطني عليها فبذلت جهدها لاستئصال النزعة العربية من النفوس ولإثارة النعرة الطائفية وخلق التفرقة لكن الدسائس لم تجد سبيلها إلى نفوس السوريين؛ وهذا فارس الخوري يقول: "إذا كانت فرنسا تتحجج بأنها في بلادنا لحماية الأقليات المسيحية فأنا من هذا المنبر أعلن أننا في غنى عن هذه الحماية؛ وأما إذا أصرت فرنسا فأنا من هذا المنبر أشهد ألا إله إلا الله"».
رفض المسيحيون الحماية التي كانت تتحجج بها "فرنسا" وكما قال الصحفي الكبير "حبيب كحالة": «نريد حماية من قلوب المسلمين لا من حراب المستعمرين"؛ إن هذا التلاحم الشعبي الوطني العظيم المرتكز على الإيمان بالعروبة وبالمصير المشترك كان الحافز الأهم على استمرار الشعب في المقاومة خمساً وعشرين سنة؛ وفي رأيي هذا هو النبع الذي استقى منه شعبنا قدرته الكبيرة على النضال حتى الجلاء....حتى النصر».
الأرشمندريت "جورج جبيل" الذي تحدث عن الدور المسيحي في الجلاء الفرنسي عن سورية قائلاً: «المسيحيون هم من المشاركين الحقيقيين في الجلاء الفرنسي إن كان على الصعيد السياسي أو العسكري؛ فاشتركوا في جميع الثورات السورية سواء في دمشق وفي جبل العرب والساحل والثورات التي قامت في "حلب"؛ فعلى الصعيد السياسي كان الدور الأبرز الذي حفظه التاريخ وخاصة من خلال الكتلة الوطنية ومفاوضتها مع الدول المستعمرة كيف أن "فارس الخوري" الذي تبوأ عدة مراكز طالب بإلحاح أمام المحافل الدولية بضرورة الجلاء الفرنسي عن سورية وحضر له ما أراد وكان ذلك في جلسة الأمم المتحدة حين تواجه مع ممثل الحكومة الفرنسية فهو كان ممثلا لسورية آنذاك عندما اتجه "فارس الخوري" وجلس على مقعد مخصص للمندوب الفرنسي وترك المعقد المخصص لسورية فارغاً؛ فدخل المندوب ووجد "فارس الخوري" يحتل مقعد فرنسا فطلب منه ترك المقعد الفرنسي إلا أن "فارس" لم يحرك ساكناً مما أثار غضب المندوب الفرنسي وعند الدقيقة الخامسة والعشرين من جلوسه على المقعد الفرنسي تنح عن مقعده وقال: "جلست على مقعدك لمدة خمس وعشرين دقيقة فكدت تقتلني غضباً؛ سورية عاشت تحت نير احتلالكم خمسا وعشرين سنة وآن لها ان تستقل وفي هذه الجلسة نالت سورية استقلالها وتحقق الجلاء في يوم 17 نيسان عام /1946/».