هي ابنة أحد شهداء السادس من "أيار"، ورائدة تركت لنا إرثاً فكرياً ونضالياً يضيء درب العمل النسائي في سورية.
إنها الروائية والموسوعة الأدبية "ثريا الحافظ" التي تحدث عنها الأديب "عيسى فتوح" قائلا: «مهما نسيت فلن أنسى تلك الأيام الجميلة التي كنت أتردد فيها على منتدى "سكينة الأدبي" الذي أسسته السيدة "ثريا الحافظ" في منزلها بحي المزرعة في دمشق والذي ازدهر بين خمسينيات وستينات القرن الماضي وكان الوحيد من نوعه آنذاك.
لقد ولدت الجمهورية الفاضلة في ضمير "ثريا الحافظ" قبل أن تولد في الدساتير والقوانين
أطلق عليه اسم "سكينة" تخليداً لاسم السيدة "سكينة بنت الحسين" صاحبة أول صالون أدبي في الإسلام، وقد افتتح بمقر النادي العربي بدمشق في "26/11/1953" وكان من رواده "زاهدة حميد باشا، ألفة الإدلبي، الشاعرة عزيزة هارون، وعناية رمزي، وعبد الكريم اليافي، ومصطفى الشهابي، وعبد الكريم الكرمي، وغيرهم..".
وكانت الغاية من تأسيسه رفع مستوى الآداب والفنون وتنمية الثقافة والذوق الأدبيين، وقد قام المنتدى منذ تأسيسه وحتى توقفه 1963بنشاط أدبي وقومي كبير أسهم في نشر الأدب والفن والثقافة ومعالجة القضايا القومية وتوجيه الحياة الوطنية ورفع مستوى الحياة الإجتماعية».
ولدت " ثريا الحافظ " في دمشق 1911 لأسرة مثقفة مناضلة ضد الاستعمار الفرنسي فوالدها "أمين مصطفى الحافظ" أحد شهداء السادس من أيار 1916، وزوجها "منير الريس" الذي قاد الثورة ضد الإنكليز في العراق .
درست في مدارس دمشق، وقادت مع رفيقاتها "ألفة الإدلبي، وجيهان الموصلي، وسنية الأيوبي" المظاهرات للضغط على الحكومة التي أقامها الفرنسيون للإفراج عن زوجها الذي اعتقله الفرنسيون وعن السجناء الوطنيين بشكل عام وقد مارسوا ضدها حرباً نفسيةً شديدة فداهموا منزلها منتصف الليل وبحثوا عن زوجها تحت الأسِرة لكن "ثريا" صرخت فيهم قائلة إن "منير" رجل شجاع ولا يختبىء تحت الأسرة ولو كان هنا لأحسن استقبالكم فزاد حنقهم عليها واقتادوها معهم ثم أفرجوا عنها فيما بعد.
جعلت "ثريا الحافظ" من جريدة "بردى" التي أصدرها زوجها نصيرا للمرأة وحقوقها حيث كان زوجها يشجعها على مواصلة درب النضال والكفاح وفي توصيل رسالتها النضالية في توعية المرأة السورية والعربية بالتحديات التي تواجهها وواجبها والتصدي لها وكان ذلك من خلال المحاضرات التي كانت تلقيها في الأندية والجمعيات النسائية التي شاركت في تأسيسها، مثل "جمعية رعاية الجندي"وجمعية "يقظة المرأة الشامية"، و"جامعة نساء العرب القوميات"، و"النادي الأدبي النسائي"، و"الرابطة الثقافية النسائية"، إضافة لمنتدى "سكينة" الذي تحدثنا عنه.
ومن خلال الاتصال مع النساء عن طريق المقاومة الشعبية حيث تلقت التدريب على السلاح خلال العدوان الثلاثي على مصر مع رفيقاتها وأسست جمعية رعاية الجندي التي كان من أهم أهدافها زيارة الجنود في مواقعهم وتقديم الهدايا لهم في الأعياد والمناسبات وتزويدهم بالكتب والنشرات لزيادة ثقافتهم كما نشطت في دعم أطفال الشهداء مادياً ومعنوياً من خلال الميتم التابع لجمعية خريجات دور المعلمات.
وعلى صعيد آخر كانت "الحافظ" رائدة في الدعوة لرفع الحجاب إذ شاركت مع مئة إمرأة برفع النقاب عن وجوههن في مظاهرة تحررية في شوارع دمشق وهذا ما مهد الطريق أمام النساء للقيام بذلك كما أنها ناضلت من أجل حق المرأة السورية في الانتخاب وبذلك كانت أول امرأة سورية ترشح نفسها للإنتخابات عام 1953.
تركت نتاجاً أدبياً تمثل بكتابان الأول بعنوان "حدث ذات يوم" تحدثت فيه عن الفترة النضالية من حياتها والكتاب الثاني "الحافظيات" وهو تاريخ لسيرة حياة حافلة بالكفاح والإخلاص للقيم الاجتماعية والمعتقدات التي تبنتها وقد أهدت هذا الكتاب للمجاهدات في سبيل تحرير فلسطين .
وفي عبارة لخصت بها مسيرة ثريا الحافظ قالت المحامية "عناية رمزي"«لقد ولدت الجمهورية الفاضلة في ضمير "ثريا الحافظ" قبل أن تولد في الدساتير والقوانين».
رحلت "ثريا الحافظ" عام2000 لكنها كانت أول سورية حملت بندقية ورشاشاً لمقاومة الاحتلال الفرنسيي ابنة شهيد وزوجة مناضل قضت الجزء الأوفى من حياتها في ميدان العمل الوطني والفكري والاجتماعي وحاولت توظيف كل المنابر الأدبية المتاحة لخدمة قضايا المرأة ونصرتها رغم تعرضها لأقسى أنواع الإرهاق النفسي رحلت "ثريا الحافظ" بجسدها لكنها بقيت اسماً له معنىً عبر التاريخ.
ترك المنتدى بصماته الواضحة على الحياة الأدبية طوال عقد ونيف من الزمن حيث كان يعقد المنتدى جلساته في السابع عشر من كل شهرولن يفوتني ذكر أسماء بعض الأديبات والشاعرات اللواتي كن يتحدثن فيه مثل "هبة الوادي أسماء الحمصي عزيزة هارون وثريا الحافظ" التي كانت تلقي حديثاً سنوياً عن المرأةالعربية السورية ونشاطها وجمعياتها وأنديتها وحقوقهاالسياسية وعن المؤتمرات السياسية التي حضرتها في كل من لبنان والقاهرة وبغداد وموسكو وبكين .