امتلكت "دمشق" بوجه الخصوص وحسب رأي المفكرين عدداً كبيراً من كوكبة التنوير والإصلاح في القرن العشرين، هؤلاء الذين أضفوا بصمة مهمة في دورة حياة "دمشق" المدينة والعاصمة، ومنهم الشيخ "علي الطنطاوي".

موقع "eDamascus" التقى الأستاذ "محمد غفران" باحث في التاريخ بتاريخ 1/12/2011 ليحدثنا عن أهم هؤلاء ومقتطفات من حياتهم، فكان بداية الحديث عن الشيخ "علي الطنطاوي" فيقول: «كان من شيوخ "دمشق" الأجلاء وكتابها الأدباء، وخطبائها المفوهين، وهب حياته وقلمه للدفاع عن المثل العليا الداعية إلى الخير والحق والجمال، ولد بدمشق لأسرة تنتسب إلى مدينة "طنطا" بمصر، والده مدير المدرسة التجارية وأمين الفتوى، تلقى الشيخ "علي" تعليمه بدمشق، وتابع تحصيله بالمدرسة "السلطانية" و"مكتب عنبر"، ثم انتسب إلى كلية الحقوق وحاز إجازتها، شغف بالمطالعة من حداثته، ومارس بداية التدريس في معاهد وجامعات "دمشق، بغداد، بيروت، مكة والرياض"، وعمل في القضاء ورأس المحكمة الكبرى وعين مستشاراً بمحكمة النقض بدمشق، وضع قانون الأحوال الشخصية وقانون الإفتاء، ونظم مناهج الدروس الدينية والعربية وشارك في إنشاء الجمعيات الخيرية"، أسهم "الطنطاوي" في العمل الوطني ضد الاستعمار وجاهد بالقلم واللسان، كما دافع عن قضايا الإسلام، عمل بالصحافة في جريدة "فتى العرب" ثم انتقل إلى جريدة "ألف باء" وجريدة "الأيام" فكتب يهاجم الاستعمار وخطب يلهب حماس المقاومين، أصدر مجلة "البعث" عام 1930، ثم انتقل إلى "مصر" ليشارك في تحرير مجلتي "الزهراء" و"الفتح"، ثم عاد إلى "دمشق" فعمل بالتدريس ثم في القضاء، امضى الفترة الأخيرة من حياته في "السعودية" يكتب في صحفها، ويقدم برامج ثقافية في إذاعتها، وكان "الطنطاوي" من أكثر ادباء العروبة غزارة في الإنتاج، كتب المقالة والقصة والمسرح، وأصدر أكثر من ثلاثين كتاباً منها "صور وخواطر، حكايات من التاريخ، قصص من الحياة، من نفحات الحرم، من حديث النفس، أعلام التاريخ دمشق، فصول إسلامية وهتاف المجد"».

إن والدي ترك لنا العلم والأخلاق واحترام الذات والناس، فقد كان من الفقهاء والعلماء المميزين في مجال العلم والمعرفة التي أمدنا بها، ترك لنا ذاكرة كبيرة تختزن الكثير من الإيمان والحب لبعضنا بعضاً، وقد عشنا معه أيام جميلة غنت أنفسنا بالعلم والعطاء

"أمان الطنطاوي" ابنة الشيخ "الطنطاوي" تقول: «إن والدي ترك لنا العلم والأخلاق واحترام الذات والناس، فقد كان من الفقهاء والعلماء المميزين في مجال العلم والمعرفة التي أمدنا بها، ترك لنا ذاكرة كبيرة تختزن الكثير من الإيمان والحب لبعضنا بعضاً، وقد عشنا معه أيام جميلة غنت أنفسنا بالعلم والعطاء».

الشيخ علي الطنطاوي

ويتابع الأستاذ "محمد مروان مراد" الحديث عن كتاباته فيقول: «كانت كتابات "الطنطاوي" لها أُسلوب مُشرقٍ مميز يمتاز بالعبارات الطريفة الرائقة والمعلومات الدقيقة التي لها ارتباط بالواقع موثقة مستندة إلى البراهين والحجج، حيث كانت له مشاركات واسعة في عالم الأدب والثقافة والقضاء وقد ترك لنا مؤلفات جمة لها عمقها الأدبي والثقافي الكبير تعرفنا على أهم الخبرات التي اكتسبها.

امتاز "الطنطاوي" بجمعه في الدراسة بين طريقي التلقي على المشايخ والدراسة في المدارس النظامية؛ ولعل دراسته في مكتب "عنبر" ونيله شهادة الباكلوريا من هناك أعطته ميزة ليكون من الناجحين في دراسته وحياته، نعم لقد كان أولَ طالب من "دمشق" يقصد "مصر" للدراسات العليا، وبعد عودته من "مصر" من دون إكمال دراسته سجل في كلية الحقوق وخاض حياة فاعلة بين الطلبة من خلال النشاطات وتأسيس هيئة خاصة بطلبة سورية، كان من الطلبة المميزين الذين بصموا بصمة هامة في جامعة "دمشق".

"الطنطاوي" له الفضل الكبير في تعديل قانون الأوقاف ومناهج الثانويات آنذاك، كما كلف في عام 1960 بوضع مناهج الدروس في تلك الثانويات وحده فقام بذلك، وقضى ما يقارب 25 عاماً في سلك القضاء حيث نال منزلة القاضي في منطقة "النبك" ومن بعدها في "دوما"، وفي "دمشق" أصبح القاضي الأول من عام 1943 إلى عام 1953، وبعدها أصبح مستشاراً لمحكمة النقض في "دمشق" ومن ثم مستشاراً لمحكمة النقض في "القاهرة".

أما في مجال الصحافة فقد كان "علي الطنطاوي" من أقدم مذيعي العالم العربي، حيث بدأ يذيع من إذاعة الشرق الأدنى من "يافا" من أوائل الثلاثينيات، ثم من إذاعة "بغداد" عام 1937، ومن إذاعة "دمشق" من عام 1942 لأكثر من عقدين متصلين، وقد استمرّ نحو خمس سنين بنشر ذكرياته في الصحف، وفي آخر حلقة له ودع القراء وقال "لقد عزمت على أن أطوي أوراقي، وأمسح قلمي، وآوي إلى عزلة فكرية كالعزلة المادية التي أعيشها من سنين، فلا أكاد أخرج من بيتي، ولا أكاد ألقى أحداً من رفاقي وصحبي".

وفعلاً بقي في عزلته بمنزله يزوره بعضاً من أقربائه ومحبيه، وبعدها استمر في نوبة قلبية أدت إلى وفاته عام 1999 بجدة، ودُفن في "مكة المكرمة"».