فنان أشكالي في طريقة تفكيره وتجسيده لها، فهو ابن المدرسة الفنية المعاصرة التي نمط خطوطها الفنية وفقاً لأهوائه الفكرية، درس الفنون الجميلة في "إيطاليا"، وحج إلى بيت الله الحرام شاباً فتياً، أسس لصالة عرض فنية دائمة في قريته "حمين".

نفذ أول تصميم واقعياً بالقطع الخشبية الصغيرة المشغولة يدوياً بأدوات بدائية لا تتعدى المنشار الزراعي ومسطرة المدرسة وبيكارها بعمر اثني عشرة عاماً، وكان التصميم الباقي حتى يومنا هذا لبرج "أيفل"، حيث استهلك منه الكثير من الوقت والجهد والمواد الأولية، ودرس مراحله التعليمية الأولى ما قبل الثانوية العامة في مدرسة "المتنبي" ضمن مدينة "طرطوس"، ويتذكر تفاصيلها بشغف ويردفها حين الحديث عنها بتفاصيل الالتحاق بالخدمة العسكرية والسفر إلى "إيطاليا" لدراسة الفنون الجميلة.

ما حصلت عليه في إيطاليا هو العلم والمعرفة والصدق فقط، وبالنسبة للرسم فقد كان بالنسبة لي التزام بخطوط محددة محافظة تقدم الأفكار التي تجوب في مخيلتي بطريقة معاصرة، أي أني من يؤطر خطوط هذه المدرسة وليس هي من تؤطر أفكاري

العائلة هي اللبنة الأساسية الداعمة

من أعماله الفنية

رغم أن العالة التي ينتمي لها الفنان "ديب" عائلة دينية تعود أصولها لرجال دين معروفين على مستوى مدينة "الدريكيش" ومحافظة "طرطوس" إلا أن هذا الالتزام لم يبعده عن شغف السفر لأكثر البلدان تحرراً في زمن كان التحرر الفكري فيه مسموع فقط وليس مفعول، وهنا قال: «لم ألقى أي اعتراض من أسرتي عند اقتراح السفر للتحصيل العلمي في بلد يختلف تماماً عن بلادي، حتى حين اختيار الفنون كاختصاص اكاديمي لم ألقى اعتراض، علماً غالبية من قرروا السفر في تلك المرحلة الزمنية وهم قلة قلائل اختاروا اختصاصات علمية كالطب والهندسة، وهذا كان دافع كبير لتحقيق التميز والوصول إلى درجات علمية عالية كالدبلوم المتقدم اختصاص ديكورات مسارح وتلفزيون أيضاً، حيث كان يوسم الخريج حينها بشهادة يكتب عليها الدكتور».

سحر التحرر الاجتماعي والفكري لم يخرجه من عباءة بيئته

في متحفه الصغير

زهوة الشباب وريعانه وعنفوانه بدأت بالنسبة ل"ديب" في "إيطاليا" التي وصفها بالعريقة واختارها لتطوير وتنمية عشقه للفن والفنون المتنوعة، رغم توفر إمكانية السفر لأي دولة أخرى، إلا أن الانطباع المرسوم في مخيلته عنها سبق شغفه، وهنا قال: «السفر إلى "إيطاليا" وتلقي العلوم والمعرفة الفنية العريقة كانت حلم بالنسبة لي لما تمتعت به من مزايا فكرية وثقافية واجتماعية قرأت عنها بالكتب والروايات القديمة، ولم يخب ظني بها فقد سحرتني بما امتلكته من ثقافة فنية وفكرية وتطور وتحرر، فنهلت منها الكثير وأشبعت شغفي إلى حد الارتواء ولكني لم أخرج من عباءة البيئة الاجتماعية والعائلية الملتزمة دينياً، وحافظت على القيم والعادات والطقوس العربية الشرقية.

وأذكر أنه في إحدى زياراتي السابقة للقرية طلب مني والدي المساعدة بتجهيز جواز سفر له لأداء فريضة الحج للديار المقدسة، وكان له ما أراد برفقتي عام 1975 حيث أدينا سوياً فريضة الحج، فأصبح لقبي الفنان الحج "حسن".

الصحفية سعاد سليمان

وكذلك بعد العودة النهائية من بلد الاغتراب إلى "طرطوس" لم أختر المدينة للسكن وإنما عدت للقرية "حمين" منبت العائلة الأساسي، وصمم فيها تفاصيل المنزل والحديقة بطريقة تقليدية معاصرة، وكذلك صممت وبنيت وأشرفت ومولت مسجد "آل عمران" في القرية، ووضعت مقتنياتي في معرض دائم ضمن صالة خاصة بجوار المنزل».

حفظ مكونات تراثية جمعت عدة ثقافات وتمازج بينها في معرضه الدائم

ضمن صالة العرض الدائمة الخاصة به يوثق جزء جيد من مراحل حياته في المغترب، وثقها بمختلف أنواع الكاميرات التي كان يستخدمها في عمله بتصميم ديكورات الأعمال المسرحية والبرامج التلفزيونية في التلفزيون الإيطالي الرسمي، ويحتفظ بها حتى الآن ضمن ركن خاص، حيث تصنف حالياً بمجموعة مهمة من أندر الأنواع التي ماتزال تعمل.

كذلك أمتلك أرشيف غني من الصور لكبار المسؤولين الرسميين والاجتماعيين والدينيين في المغترب ولقاءاته السياسية والاجتماعية الخاصة حين كان معني بالعمل السياسي بدولة الاغتراب ومسؤول فرع اتحاد الطلبة فيها، وتابع: «لدي ضمن صالة العرض الدائمة كروكيات رسمية لجميع أعمال الديكور التي صممتها ونفذتها خلال مسيرتي المهنية بمختلف الدول العربية والأجنبية، وأيضاً اهتممت بالتوالف الطبيعية التي أجمعها من بيئتي وأصمم فيها لوحات جدارية وأرضية لتكون شاهدة على الحقب التاريخية والطبيعية التي تنتمي اليها».

زوايا القرية جزء من شغفه الحالي

دراسته الاكاديمية وعمله المهني طور أدواته ومهاراته بالممارسة العملية فتعرف على العديد من الثقافات العربية والأجنبية وخاصة منها المرتبط بالهوية والخصوصية المحلية لكل ثقافة، مما دفعه وشجعه على تأصيل هويته المحلية الخاصة بعد العودة من بلاد الاغتراب، فوثق زوايا بلديته "حمين" بعينه الثالثة وباتت محط اعجاب لجميع متابعيه، وكذلك ما جمعه من توالف الطبيعة في لوحاته والجدارية التي تحاكي البيئة وتروي قصصها، ولم ينسى التراثيات والنحاسيات التي تؤرخ لحقب زمكانية مرتبطة بحياة أبناء الريف، وهنا قال: «أحب الطبيعة كثيراً وأتجول بين ربوعها دوماً وأجمع منها الكثير من التوالف التي تحكي قصص فنية نحتية دون تدخل مباشر مني، وإنما تدخلي يكون من خلال التأطير البسيط للتفاصيل.

وكذلك بالنسبة للصور الفوتوغرافية التي أوثق بها حبي وعلاقتي مع قريتي الجميلة "حمين" وسكانها الطبيبين، أدون بها الزوايا والأماكن والطبيعة وحياة الناس في كل مناسبة أو حالة أو مرحلة، وهنا لا ابتعد عما كنت أقوم به في "إيطاليا" من عمل مهني بعد قراءة السيناريو أو القصة وتصميم ما يناسبها من تفاصيل وديكورات، فيدخل الممثل المسرحي أو المعلق أو المعد التلفزيوني في حالاته الخاص التي تجعله جزء من الحالة العامة للكادر المنفذ».

يصنف أعماله الفنية ضمن المدرسة الفنية المعاصرة الملتزمة، بكونه لم يخرج فيها عن العرف والعادات، فمناداته بين أبناء قريته بالحاج وهو ابن الثقافة الفنية الإيطالية يسعده كثيراً، وهنا قال: «ما حصلت عليه في إيطاليا هو العلم والمعرفة والصدق فقط، وبالنسبة للرسم فقد كان بالنسبة لي التزام بخطوط محددة محافظة تقدم الأفكار التي تجوب في مخيلتي بطريقة معاصرة، أي أني من يؤطر خطوط هذه المدرسة وليس هي من تؤطر أفكاري».

وفي لقاء مع الصحفية والمهتمة بالأدب والفن "سعاد سليمان" أكدت أن من خلال متابعة أعمال الفنان "حسن ديب" في معرضه الدائم الذي يتجاوز عدد لوحاته /100/ لوحة، شاهدت أعمال فنية مميزة، تنوعت فيما بين اللونية المعاصرة والجدارية الطبيعية، ولكل منها قصتها الجميلة التي يمكن قراءتها بكل سهولة، فهي بعيدة عن التعقيد.

وأضافت "سليمان": «معرضه في قريته "حمين" يمكن لأي فنان عرض لوحاته فيه، أو حتى يمكن زيارته بكونه معرض دائم ومتنفس ل "ديب" فهو لم يشارك بأي معرض أقيم في "سورية" نتيجة بعض ما يمكن تسميته بالفلتان الفني الذي تشهده الساحة الفنية في المحافظة، بينما خلال مشاركاته المحلية والعالمية بمعارض "إيطاليا" حظيت بخمسة ميداليات ذهبية».

يشار إلى أن الفنان "حسن ديب" من مواليد عام /1941/ عازب.